(رغم كل شيء، فالنخبة السعودية بألف خير. ما يلي نقد ممتاز لنظام التعليم السعودي يمكن تطبيقه على معظم نظم التعليم العربية. وجرأة نادرة غير معهودة من “أستاذة” (لاحظ تاء التأنيث) جامعية سعودية. بعد قراءة هذه المحاضرة الممتازة، سنبحث عن كتابها لقراءته بنهم.— الشفّاف).
*
وصفت الأستاذ المشارك في كلية التربية في جامعة الملك سعود الدكتورة فوزية البكر طلاب التعليم العام بـ «سجناء المدارس». واعتبرت ما يجري في مدارسنا «خطراً حقيقياً». وقالت في محاضرة أقامها قسم المرأة في ديوانية «منبر الحوار والإبداع» الخميس الفائت، حول كتابها الأخير «مدرستي صندوق مغلق»، حضرها جمع من التربويات: «جميعنا أصبنا بظاهرة «التمدرس»، فأبناؤنا يذهبون إلى المدارس ليصبحوا سجناء». وتساءلت «هناك أربعة ملايين طالب وطالبة يحركون رؤوسهم وقت الدرس ليس إلا، وهذا هو الخطر الحقيقي؟»، مؤكدة أن «اتجاهات الطلاب تتشكل من خلال المدرسة، فهي مؤسسة اجتماعية وسياسية قبل أن تكون تربوية».
وأوضحت البكر أن «المدرسة تساهم في «قولبة» الفرد، لتلبية حاجات الثقافة السائدة»، مبينة أن مهمة الكتاب تتجلى في «كشف هذا الغطاء». وتطرقت إلى قضية الثقافة وعلاقتها في التربية «هي التي تعبر عن اللغة التي نتكلم بها والطريقة التي نقابل بها أصدقاءنا واستجابتنا للغرباء»، مستطردة حول علاقة المدرسة في هذا الموضوع «كل ما يجري داخل المدرسة ثقافة، ماذا ندرس وكيف ندرس؟»، وأكدت أن جميع الأساليب التعليمية «تقولب الطالب على الثقافة التي ربي عليها، حتى طريقة جلوس الطلاب تختفي وراءها فلسفة معينة، أي أن كل طالب لا يطلب منه الكلام بل الاستماع فقط، والإنصات للملقن، وهو تراث تربوي قديم»، مبينة أن التعليم الحواري والتعاوني هو «المتبع في الوقت الحالي في أنحاء العالم كافة».
وانتقدت «السلطة المركزية لدى وزارة التربية والتعليم وعجز المديرين عن التغيير، إضافة إلى تحول المدارس إلى مؤسسات بيروقراطية، فمشكلة البيروقراطية حين تطبق في ظل نظام مركزي متعسف لا يسمح بالإبداع»، محذرة من تحول الطالب إلى «مجرد رقم جامعي، ما يساهم في إيجاد طالب لا ينتمي إلى النظام التعليمي، فتبدأ رغبته في التغيير تقل، ولا تتحقق لديه القدرة على الإبداع».
واعتبرت أن المدرسة «أصبحت ناقلة للتراث الثقافي والقيم التقليدية المرتبطة بهذا التراث، ما أدى إلى عدم تماشي الطالب مع هذه القيم، لذا هناك فروق هائلة بين ما يتبناه في المدرسة وما يراه خارجها، وهذا ما يولد العجز الثقافي، وهي ليست فقط وليدة ثقافة المدرسة، بل ما يحدث خارجها أيضاً». وعرجت إلى المنهج الدراسي الذي أطلقت عليه «منتجاً ثقافياً»، تنتفي الفائدة منه في ظل ثورة المعلومات، إذ تصبح المادة سطحية في نظر الطالب، فطفل الإنترنت والفضائيات يختلف عن طفل الماضي، متسائلة «ما هذه الفوضى الهائلة لتغيير المنهج، فمن المفترض أن يتغير المنهج كل خمس سنوات، كما يحدث في كل دول العالم».
وتناولت سلطة المعلم في الوقت الحالي التي تراها «تتعرض إلى تحديات كبيرة جداً»، عازية ذلك إلى «أهداف المعلم الرئيسة التي تتمثل في ضبط الفصل من دون النظر إلى تهيئة الجو التعليمي والمعرفي لتركيز نشاط الطالب»، مبينة أن سلطة المعلم مستمدة في الأصل «من نموذج سلطوي تقليدي أبوي»، موضحة أن «ظهور توجهات ديموقراطية حالياً ساهم في طرح سلطة المعلم للنقاش من جوانب حدود تلك السلطة وحقوق الطالب». كما تطرقت إلى قضية المحتوى المعرفي داخل المناهج المدرسية الذي تراه «يفرض وجهة نظر واحدة، مثيراً بذلك أسئلة حول من اختار المحتوى لتلك المناهج؟ وما الخيارات التي تعكسها؟ ومن تخدم؟»، مؤكدة «عدم وجود توازن في عرض الاتجاهات المختلفة داخل المناهج»، ممثلة ذلك بـ «إلغاء تاريخ العالم في منهج التاريخ والاكتفاء بموضوعات معينة».
واختتمت البكر محاضرتها بمصطلح «المنهج الخفي»، الذي قصدت به «كل القواعد والقناعات والنماذج والقيم التي يتم إرسالها وتحويلها إلى الطلبة عبر القواعد غير المعلنة وغير المكتوبة، والتي تعكسها القواعد المدرسية أو الروتين اليومي»، قائلة» «ألم تتساءلوا لِمَ يغلق باب المدرسة على الطالبات بعد دخولهن مباشرة؟ لأن المنهج الخفي يريد أن يوجه رسائل إلى الطالبة فحواها «أنت لست مسؤولة عن نفسك، إضافة إلى المراقبات والجدران الهائلة الطويلة والساحة والفصول فالمنهج الخفي يظهر في المبنى المدرسي وفي طريقة المعلمات مع طالباتهن»، مضيفة أن «الكتاب المدرسي معبأ بالقيم الهائلة الخفية»، ممثلة ذلك بـ «قطعة من كتاب القراءة في الصف الثالث، ترسل فكرة رئيسة هي أن الأم عاطفية بلا عقل ولا تفكير»، وهي جزء من الثقافة السائدة في النظرة إلى المرأة، وتلك القيم تتسرب إلى الطالبة، وهو ما يسمى المنهج الخفي، وهناك العشرات من الأمثلة المختلفة كقصر دور المرأة في المناهج على أعمال منزلية، بينما العكس للرجل». وقالت: «إن المناهج لا تعكس التعددية المناطقية في السعودية».
الدمام الحياة – 23/05/06//