منذ عهد جاك شيراك (1996 إلى 2007)، كان هنالك “ثقة” بأن “الشعب الفرنسي” لن يسمح بوصول “اليمين المتطرف” (بقيادة جان ـ ماري لوبين”، ولاحقا إبنته “مارين لوبين” إلى السلطة. المشكلة، الآن، هي أن “اليمين المتطرف الفرنسي” لم يعد “متطرّفاً” ولا “معادياً لليهود”. والمشكلة الثانية هي أن الأحزاب المناوئة لليمين المتطرف لا تملك جاذبية جماهيرية، ولا يبدو أنها تفهم مدى “نقمة” مناطق “أشباه الأرياف” (أي المدن الصغيرة القريبة من الأرياف)، والأرياف، وحتى الطبقات العمالية على “السلطات الباريسية”، وعلى “الطبقة السياسية” (يساراً، ويميناً) عموماً وعلى ماكرون بصورة خاصة. وهي “نقمة” يمكن اعتبارها “حِقداً” سافراً على الرئيس.
إذا استمرّت اللعبة السياسية على حالها، فقد ينتهي “الشعب الفرنسي” (رغم تراثه “الثوري”) إلى الإقتراع لصالح أول رئيس جمهورية ينتمي إلى اليمين المتطرف، هذا اليمين المتطرف الذي ينظر إليه جمهور الأرياف وأشباه الأرياف على أنه “من خارج الطبقة السياسية”! خصوصاً أن إيطاليا (التي كانت تضم أكبر حزب شيوعي في أوروبا) اختارت “ميلوني” رئيسة للحكومة. ومثلها هنغاريا (أوربان).. وهذا في ظل انتصار دونالد ترامب للمرة الثانية.
تكفي قراءة نتائج أحدث إستطلاع رأي كما تشرحه Célestine Gentilhomme في جريدة “الفيغارو”.
بيار عقل
*
تكشف دراسة جديدة أعدّتها مؤسسة Ifop-Fiducial لصالح لوفيغارو، LCI و”راديو سود” عن نوايا تصويت جديدة في حال دُعي الفرنسيون مجددًا إلى صناديق الاقتراع.
ومع أن سيباستيان لوكورنو أكد أن هناك «مسارًا لتجنب» حلّ الجمعية الوطنية، فإن احتمال الحلّ لا يزال يقلق الطبقة السياسية، نظراً لغموض نتائج الأزمة. ولهذا، يُتوقّع أن تُتابع جميع الأطراف هذا الاستطلاع الجديد باهتمام بالغ. إذ يعرض الاستطلاع نوايا التصويت الجديدة – دون توزيعها على مقاعد نيابية – لتوضيح موازين القوى في حال العودة إلى صناديق الاقتراع.
وكما في يوليو 2024، سيخرج “التجمع الوطني” (بقيادة “مارين لو بين” و”بارديلا”، مع ملاحظة أن العلاقة بينهما باتت، الآن، متوترة) (RN) وحلفاؤه في الصدارة وبفارق مريح في الجولة الأولى. إذ سيحصل المعسكر الوطني إذا جرت انتخابات نيابية الآن على ما بين 35% و36% من الأصوات، محققًا تقدمًا عن نتائجه في آخر انتخابات تشريعية (33.42%).
يقول فريدريك دابي، المدير العام لقسم الدراسات في Ifop:
«إنها القوة السياسية التي يبدو أنها استفادت من الأزمة السياسية. لقد بلغوا مستوى يفوق السابق تقريبًا، متقدمين بفارق 11 إلى 17 نقطة عن الحزب صاحب المركز الثاني».
ويضيف دابي أن حزب إيريك زيمور (“ريكُونكيت”)، الذي لم ينجح سابقًا في إيصال أي نائب إلى البرلمان، يستعيد حيويته الآن بحصوله على ما بين 3.5% و4% من الأصوات.
«مع حزب “ريكُونكيت”، يمتلك تكتل التجمع الوطني-سيوتي احتياطيًا من الأصوات لم يكن متاحًا له من قبل»،
يشرح دابي، مشيرًا إلى أن الوطنيين لم ينجحوا سابقًا في تحقيق أغلبية نسبية.
اليمين يستعيد عافيته
تُظهر الدراسة أيضًا انتهاء هيمنة حزب “فرنسا الأبية” (LFI) على بقية اليسار. فرغم أن تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة” (نسخة 2024) يبقى أفضل وسيلة لليسار لاحتلال المرتبة الثانية بنسبة 24% خلف “التجمع الوطني”، فإن انفصال الأحزاب الأخرى عن تيار “ميلونشون” لن يكون كارثيًا عليها.
والسبب هو أن إئتلافاً يضم “الحزب الاشتراكي”، وحزب “الساحة العامة” بزعامة رافاييل غلوكسمان، وحزب الخضر، والحزب الشيوعي، يُقدّر حصوله على 19% من نوايا التصويت، ما يضعه في المرتبة الثانية، بينما يهبط يهبط حزب “فرنسا الأبيةّ إلى 8% فقط.
كذلك، فإن تحالفًا محدودًا بين “فرنسا الأبية” و”الخضر” سيظل بعيدًا عن اتحاد الاشتراكيين والشيوعيين وحزب غلوكسمان (17% مقابل 10%).
وهذا دليل على أن التيار الميلونشوني لم يعد يستطيع الادعاء بأنه «قاطرة اليسار»، وهو الدور الذي فرضه سابقًا بفضل النتيجة التي حققها جان-لوك ميلونشون في رئاسيات 2022 (21.9%)، والتي سمحت له بقيادة اتفاقات تحالفي “الإتحاد الشعبي الجديد الإيكولوجي والإجتماعي” والجبهة الشعبية الجديدة.
مدركين لهذه المعادلة الجديدة، بادر قادة “فرنسا الأبية” مطلع الأسبوع إلى الدعوة لإحياء تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، وقد تجاوب معهم الخضر وبعض الشيوعيين، لكن الاشتراكيين ما زالوا مترددين.
المعسكر الرئاسي يواصل التراجع
أما معسكر الرئيس ماكرون (النهضة، موديم، آفاق، و”إتحاد الديمقراطيين والمستقلين (UDI) بقيادة “جان لوي بورلو”، فيواصل فقدان الزخم، إذ تتراوح نوايا التصويت له بين 13% و14% فقط – تراجع واضح عن 2024 (21.80%).
يقول دابي:
«إنها القوة الأكثر مُعاقبة من الناخبين. فهي ضعيفة في كل مكان، باستثناء فئة كبار السن والطبقات الميسورة».
التآكل يزداد خصوصًا بين ناخبي إيمانويل ماكرون، إذ إن أقل من نصفهم (48%) فقط سيختارون اليوم مرشحًا من الكتلة الوسطية في الجولة الأولى. وهذا مؤشر سلبي للغاية بالنسبة للماكرونيين، الذين تقلّص حجمهم إلى النصف تقريبًا بعد حلّ البرلمان.
اليمين الكلاسيكي ينتعش
بفضل استعادة زمام المبادرة، يسجل اليمين التقليدي (الجمهوريون) تحسنًا واضحًا ليكاد يتعادل مع الكتلة الوسطية، إذ يحصل على 11% إلى 12% من الأصوات، أي بزيادة تصل إلى 4 نقاط عن الانتخابات التشريعية الأخيرة (8.49%).
«هذا يسمح لهم بإعادة التوازن مع الكتلة المركزية، ويمنحهم أملًا في الفوز بعدد مماثل أو أكبر من المقاعد»،
يعلق دابي.
ورغم التوترات الأخيرة داخل ما يسمى بـ«الكتلة المشتركة»، فإن ربع ناخبي اليمين (25%) يرغبون في استمرار هذا التحالف الانتخابي عبر ترشيحات موحدة في جميع الدوائر، في حين أن 46% يفضلون الآن اتحادًا بين اليمين والتجمع الوطني، ومن بينهم 41% من مؤيدي حزب الجمهوريين.
أما أولئك الذين يريدون أن يخوض حزب برونو ريتايو (“الحزب الجمهوري”) الانتخابات منفردًا فلا يتجاوزون 29%.
ولا يبدو أن رفض وزير الداخلية المستقيل للعرض الذي قدمه جوردان بارديلا قد بدّد هذه الفكرة، إذ كان الأخير قد أعلن استعداده لـ«اتفاق حكومي» مع اليمين، في حال لم يحصل حزبه على أغلبية مطلقة في حال جرت انتخابات تشريعية مبكرة.
