نشرت الحكومة السورية مشروع الدستور الجديد، وحددت يوم 26-2-2012 موعدا للاستفتاء عليه.
قبل أن نناقش ما احتواه المشرع نقول إن تحديد الموعد مع استمرار الفتل والاعتقال وحصار المدن هو رسالة صريحة بأن الرأي سيكون تحت سبطانة المدفع وطلقة البندقية وتعذيب الاعتقال والحاجات الأساسية للإنسان. وهو ما نرفضه بشكل قاطع.
لم يأتِ مشروع الدستور بأي شيء جديد سوى محاولة تغيير تعبيرات الاستئثار والسيطرة والتفرد بالحكم بمفردات ملتبسة. فعدا أنه لم يعدل شيئا في موضوع الانتماء للوطن العربي ودين رئيس الجمهورية ومصادر التشريع وتحديد نصف أعضاء “مجلس الشعب”- الذي لم يفكر أن يعدل تسميته لـ”مجلس النواب” – فإنه لم يحدد دور الأغلبية البرلمانية – التي تغنى بأن انتخاباتها ستكون تحت شعار عدم قيادة الحزب الحاكم للدولة والمجتمع – في رسم سياسة الدولة وتنفيذها وتنفيذ برنامجها الذي انتخبت على أساسه للحكم وأبقى دورها هامشيا للمراقبة. وأبقى على السلطات الكاملة لرئيس الجمهورية بالسيطرة على كل السلطات التنفيذية (يعيّن الحكومة ويرسم سياستها، القائد العام للجيش والقوات المسلحة، يعين الموظفين، يبرم الاتفاقيات والمعاهدات، يعلن حالة الحرب والسلم، لديه سلطات مطلقة في حالة الأزمات،…….) والسلطات التشريعية (إصدار القوانين والتشريعات) والسلطة القضائية (رئيس مجلس القضاء الأعلى)، أي جمع كل السلطات التي من المفروض أن تكون مستقلة – بنص نفس المشروع – في يديه. ربما السلطة الوحيدة التي تخلى عنها في المشروع الجديد هي سلطة منح العفو العام. وكما أنه لم يغير مرجعية السلطات الرقابية كالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والرقابة المالية لتصبح مجلس الشعب أو السلطة القضائية بل أبقاها تابعة لنفس الجهة المراقَبة –بفتح القاف – وهذا مخالف لأهم مبادئ الرقابة وصدقها ويفقدها جديتها ويشجع الفساد، كما أصرّ على إمكانية الجمع بين السلطة التنفيذية (الوزارة) والسلطة التشريعية (النيابة).
وعدا أنه سمح لرئيس الجمهورية بالترشح لدورتين انتخابيتين جديدتين اعتبارا من الآن، لم يحدد إن كان سيستمر حتى نهاية فترته بالدستور القديم أم سيتم انتخابات رئاسية بعد إقرار الجديد، فإنه اشترط للمرشح للرئاسة الحصول على دعم 35 عضو بمجلس الشعب لحصر المرشحين والتحكم بهم. كما أنه استمر بتعطيل المحكمة الدستورية العليا حيث استمر بوضعها تحت يد رئيس الجمهورية من حيث التعيين ومدّته، وجردها من كل الصلاحيات لتصوّب القوانين وتسهر على احترام الدستور. ومع أن الدستور يقرّ باستفتاء شعبي، فأنه أعطى مجلس الشعب صلاحيات تعديله باستهتار واضح للإرادة الشعبية.
هذه قراءة أولية للمشروع الذي لم يختلف عن سابقه باعتباره جزءا أساسيا من مشكلة سوريا ولن يكون الحلّ.
فإننا نؤكد أن أساس المشكلة وهو نظرة السلطة للشعب بأنه درجة دنيا لا يحق له أبدا المشاركة بصنع مستقبله وأنه مجرد متلقي يجب عليه دائما أن يكون ممتنا وشاكرا لكل ما تعطيه له السلطة من فتات باعتباره مَكرُمة ومنحة لا يجوز أن – يكفروا- بها. وهذ ما نرفضه كذلك لأنه أساس التحرك الشعبي الذي يريد رسم مستقبله بنفسه وهذا حق أساسي من حقوق الإنسان.
إن للشعب السوري كلّ الحق أن يقوم برسم مستقبلة ويحدد العقد الاجتماعي الذي سيعيش فيه. وهذا يكون بتنحي السلطة الموجودة وتسليم السلطة لحكومة انتقالية مستقلة وحيادية تقوم خلالها بإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا يُقرّ باستفتاء شعبي وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة تقوم ببناء سوريا الديمقراطية المدنية التعددية وطناً لكل السوريين.
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية