مايكل نايتس و الكسندر ميلو
في أواخر آذار/مارس، فرّت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المُعتَرف بها دولياً من عدن، ثاني أكبر المدن اليمنية، عندما اجتاحها الحوثيون ووحدات الجيش السابقة الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وبعد أربعة أشهر، في 17 تمّوز/يوليو، استعادت القوات الموالية لهادي والقوات اليمنية المتحالفة المسمّاة “المقاومة الجنوبية” السيطرة على عدن. وقد ساعد “المقاومةَ الجنوبية” نشرُ قواتٍ برية من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، مما شكّل عاملاً رجّح كفة الميزان لصالح “المقاومة”. وتستعدّ الآن قوات هادي والوحدات المدرّعة الإماراتية لتوسيع هجماتها المضادة لتطال المدن التي تفصل جنوب اليمن عن العاصمة صنعاء.
إعادة الاستيلاء على عدن
في 20 آذار/ مارس، سقطت عدن بيد الحوثيين في أعقاب سلسلة من التقدّمات البرية الطويلة المدى التي أحرزها المتمرّدون شمال البلاد بمساندة المروحيات. كذلك، أدّى الاعتداء الخاطف إلى الاستيلاء على تعز (ثالث أكبر المدن اليمنية الواقعة على الطريق المؤدي إلى عدن)، ومن ثمّ قاعدة العند الجوية (وهي عبارة عن منشأة أمريكية -يمنية مشتركة لمكافحة الإرهاب تقع على بعد ستّين كيلومتراً إلى الشمال من عدن)، وأخيراً مطار عدن الدولي والقصر الرئاسي فيها. ولم تبقَ سوى جيوب صغيرة من قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” تسيطر على مساحات صغيرة في المدينة، وبشكل رئيسي في شبه جزيرتين ساحليتين هما كريتر (مديرية صيرة)، حيث يقع مرفأ عدن الرئيس، وعدن الصغرى (مديرية البريقة)، حيث تقع مصفاة المدينة وصهاريج تخزين النفط.
وقد صمدت هاتان البقعتان، اللتان لا يتخطّى عرض الواحدة منهما عشرة أميال، مدة ثلاثة أشهر ونصف بمساعدةٍ وفّرتها نيران السفن السعودية والمصرية، والغارات الجوية السعودية، وإعادة التموين بواسطة المنصّات التي أسقطتها الطائرات والسفن. بالإضافة إلى ذلك، أنزلت إحدى السفن مجموعةً مكوّنة من نحو خمسين عنصراً من القوات الخاصة في كريتر في أوائل أيار/مايو. وقد تألّفت المجموعة من يمنيين يخدمون في القوات المسلحة السعودية، ويمنيين آخرين درّبتهم دولة الإمارات، بمن فيهم عدد من ضبّاط الجيش الذين خدموا في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (أو اليمن الجنوبي) سابقاً، بالإضافة إلى مقاتلي القبائل الأصغر سنّاً. ورافقت اليمنيين أيضاً قواتٌ خاصة مجهّزة تجهيزاً جيّداً تنتمي إلى “الحرس الرئاسي” في دولة الإمارات، وهي مُدجّجة بأحدث الأسلحة، كالصواريخ الموجّهة والمضادة للدبابات من طراز “جافلين” التي زوّدتها الولايات المتحدة. وقد شاركت هذه القوات الإماراتية مباشرةً في القتال البري في مدينة عدن بدءاً من الرابع من أيار/مايو، في حين وفّرت طائراتٌ بدون طيّار تابعة للبحرية الباكستانية والسعودية الرصد لدعم نيران السفن.
وصدّت هاتان البقعتان كذلك الهجمات الكبرى التي شنّها الحوثيون في 8 و24 حزيران/ يونيو، وخلال هذه الفترة، تمّ إدخال قوّةٍ أكبر إلى البقعة الصغيرة في عدن الصغرى، قوامها 1500 يمني دعمتهم السعودية ودرّبتهم الإمارات. وقد تمّ توفير 170 “مركبةً مقاومة للألغام ومحميةً من الكمائن” مع أنظمة هاون وأخرى مضادة للدبابات لهذه القوّات عبر مرفأ مؤقت جديد تمّ بناؤه لهذا الغرض بالقرب من المصفاة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ القوّة الأكبر أُنشئت لتكون رأس الحربة في عملية “السهم الذهبي”، وهو الإسم الذي أُطلق على الهجوم المشترك بين قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” لاستعادة عدن. وفي 14 تموز/ يوليو، تدفّقت 75 مركبةً مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن وتضمّ نحو 600 جندي من الحدود الخارجية الغربية لعدن الصغرى واستولت على مرسى جديد في رأس عمران ثم توجهت نحو الشمال الشرقي لتستولي على أنظمة الطرقات شمال مدينة عدن. كذلك، تمّ نقل 95 “مركبةً إضافية مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن” مع 300 جندي عبر ميناء عدن إلى بقعة كريتر لتحرير “مطار عدن الدولي” والمدينة. ورافقت الجنودَ المتوغّلين قواتٌ خاصة إماراتية وسعودية وثماني مركبات قتالية إماراتية من طراز “إنيغما”، مع أنظمة صواريخ رباعية التركيب يمكن التحكّم بها عن بعد. وفي نهاية ذلك اليوم، استعادت “المقاومة الجنوبية” المطار بدعمٍ من قافلة سريعة من “المركبات المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن “، التي شغّلها اليمنيون المدرّبون وعددٌ صغير من القوات الخاصة الإماراتية. وقد وردت أنباء عن مقتل ضابطٍ واحد في القوات الخاصة الإماراتية يُدعى الملازم عبد العزيز سرحان صالح الكعبي خلال الهجوم. وفي غضون ذلك، شنت القوات الجوية الداعمة 136 غارةً في عدن خلال الساعات الـ 36 الأولى من بدء العملية.
احتشاد القوات
في الوقت الذي عزّزت يه قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” سيطرتها على شمال عدن، حوّلت القوات السعودية والإماراتية سريعاً المطار إلى قاعدة عمليات أمامية كبرى وإلى منطقة للانطلاق. علاوةً على ذلك، أنشأ 50 جندياً من “الكتيبة السادسة المحمولة جواً” والتابعة لـ “القوات البرية الملكية السعودية”، محيطاً آمناً. وفي 18 تموز/يوليو، حملت طائرة سعودية من طراز “سي-130” وزير الداخلية اليمني ورئيس الأمن القومي مجدداً إلى عدن، ليُعاد ترسيخ وجود الحكومة، الذي كان غائباً منذ آذار/مارس. أمّا الطائرات الإماراتية والقطرية من طراز “سي-17” و “سي-130″، فقد أمّنت شحنات متكرّرة إلى المطار تضمّنت أنظمة مراقبة الحركة الجوية، للسماح باستئناف الرحلات الجوية المدنية والإنسانية. وفي الأوّل من آب/أغسطس، حطّ نائب الرئيس اليمني خالد محفوظ بحاح في المطار.
كذلك، عزّزت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تدفّق العتاد العسكري إلى موانئ عدن، باستخدامها سفن إنزال الدبابات والسفن الحربية البرمائية، بما فيها سفينة “سويفت” اللوجستية – سفينة حربية فائقة السرعة من طراز “2 (إتش أس في-2)” كانت في السابق تابعةً للبحرية الأمريكية. وبحلول الثالث من آب/أغسطس، كان فريق عملٍ تابع لأحد الألوية المدرّعة/الميكانيكية الإماراتية قد نزل في عدن، بمؤازرة وحدةٍ بحجم كتيبة تضمّ دبابات القتال الرئيسية من طراز “لوكليرك” ومركبات مدرّعة لإصلاح الأعطال، وعشرات مركبات المشاة القتالية من طراز “بي أم بي-3 أم”، فضلاً عن مدافع الهاوتزر الذاتية الحركة من طراز “دينيل جي 6” وعيار 155 ملم، وحاملات قذائف الهاون من طراز “آر جي-31 أغراب” وعيار 120 ملم، وشاحنات “تاترا” من طراز “تي 816”. وبات الآن نحو 2800 جندي إماراتي وسعودي بالإجمال متمركزين في عدن، بمن فيهم القوات الخاصة وما يقارب من لواء كامل من جنود الجيش الإماراتي النظامي والعاملين في الخدمات اللوجستية.
احتمال الدفع شمالاً
بدءاً من 23 تموز/يوليو، تقدمت قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” شمال عدن لتنضم إليها قوات مناهضة للحوثي في محافظة لحج وقاعدة العند الجوية، اللتين تقعان على الطريق المؤدي إلى تعز، وهي مدينة لا تزال تسيطر فيها “المقاومة الجنوبية” على أراضٍ شاسعة. وبدعمٍ من الدبابات ومدافع الهاوتزر الإماراتية من طراز “جي 6″، استعادت القوات اليمنية، المؤلفة من 1500 مقاتل والمدرّبة والمجهّزة من قبل الإمارات، قاعدة “العند” في الرابع من آب/أغسطس، ومن ثمّ قاعدة “لبوزة” العسكرية الواقعة 30 كيلومتراً إلى الشمال في السادس من آب/أغسطس. وأصبحت اليوم قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” على بعد 100 كيلومتر جنوب تعز، بينما لا تزال العاصمة صنعاء تبعد عنها 200 كيلومتر إلى الشمال. كذلك، انتشرت هذه القوات شرق عدن وسيطرت على زنجبار، عاصمة محافظة أبين، عبر عملية أدّت إلى مقتل ثلاثة جنودٍ إماراتيين إضافيين لقوا مصرعهم في انفجار عبوة ناسفة مزروعة على الطريق.
وعلى الرغم من أنّ مقاتلين كثيرين من عدن منضوين تحت راية “المقاومة الجنوبية” لن ينتشروا خارج مناطق سكنهم، إلّا أنّ فريق العمل المشترك بين الإمارت وقوات هادي يمكن أن ينضمّ إلى مجموعة من القوات المناهضة للحوثيين المنتشرة على طول الطريق التي تشهد الزحف. يُشار إلى أنّ هذه القوات في المنطقتين الوسطى والشمالية قد تمّ إمدادها بشكلٍ دوري بفضل عمليات الإنزال الجوية، في وقتٍ بدأت فيه السعودية أيضاً بإرسال الأسلحة والمركبات مباشرةً عبر الحدود لمؤازرة القوات المناهضة للحوثيين في محافظات اليمن الشمالية الشرقية كمحافظتي مأرب والجوف. وعلى الجانب الآخر، قامت قوات الجيش السابقة الموالية لصالح بتزويد الحوثيين بالجزء الأكبر من الدعم بالأسلحة الثقيلة، غير أنّه يصعب بشكلٍ متزايد الاعتماد على هذه القوات، إذ إنّ صالح يتفاوض بشكلٍ مستقلٍ على دور مستقبلي لعشيرة الشيخ عفاش التي ينتمي إليها.
إن ذلك يفتح الباب أمام إمكانية تحقيق تقدّم سريع نحو صنعاء بقيادة المجموعة القتالية المشتركة بين الإمارات وقوات هادي، التي يمكن تزويدها بشكل دوري بالإمدادات في سلسلة من القواعد الجوية التي تحكم المجموعة قبضتها عليها. ومن الواضح أنّ حكومة هادي ستعمد إلى اتخاذ خطوة مماثلة. ففي 24 تموز/يوليو، كشف العميد عبد الله الصبيحي، أحد قادة القوات التي شاركت في عملية “السهم الذهبي” في عدن، عن نيته دفع القوات شمالاً لتنضمّ إلى مقاتلي “المقاومة الجنوبية” في الطريق المؤدي إلى صنعاء في محافظتي تعز وإب، وفي أبين أيضاً إلى الشرق. وبالمثل، ذكرالمتحدث باسم قوات التحالف الذي تقوده السعودية، العميد أحمد العسيري، أنّه في حال فشل محادثات السلام مع الحوثيين، فإنّ قوات التحالف ستستعيد السيطرة على صنعاء بالقوة.
التداعيات السياسية
لم تُسمع حتى الآن، ردود فعل الحوثيين على التقدّم الذي تحققه القوات المناهضة لهم نحو الشمال، بينما بدأت عملياتهم في الجنوب تشبه جهود “اقتصاد القوّة” الآخذة في انهيارٍ سريع. كذلك، أوشكت مناورتهم في عدن على الإطاحة بالحكومة هناك وعطّلت العمليات المشتركة بين قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” لمدة أربعة أشهر، ولكن على حساب الدفع بكامل قوات التحالف الذي تقوده السعودية إلى أتون الحرب.
وبمساعدة إيران، قد يتمكّن الحوثيون من تعزيز جبهة الجنوب وفرض صعوبات أكبر في وجه قوات هادي وحلفائه (لمعرفة المزيد عن الانتماءات الدينية والسياسية التي تحرّك الدعم الإيراني للحوثيين، انظر المرصد السياسي 2364، “ زيديو اليمن: نافذة للنفوذ الإيراني“). والجديرٌ بالذكر أنّ العميد إسماعيل غني، نائب قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، أقرّ في 24 أيار/مايو أنّ عدداً من الأفراد العسكريين العاملين معه كان يدرّب “المدافعين عن اليمن”، وأنّ الحوثيين يستخدمون بالفعل مجموعةً من الأنظمة الجديدة المضادة للدبابات التي زوّدتها بهم إيران، وبعضها من طراز “ميتيس- أم” و”كورنيت-إي” و “آر بي جي-29”. وقد تسعى طهران الآن إلى إعادة تزويد دفاعات الحوثيين المتهالكة في الجنوب بالإمدادات، أو على الأقل إعداد دفاعاتٍ حوثية محتملة أفضل في صنعاء.
وبناءً على ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في التحالف مواصلة مراقبة الحصار، الذي أدّى إلى وقف إعادة الإمدادات البحرية إلى الحوثيين، مراقبةً صارمة. ففي أواخر أيار/مايو، أدّى تضافر الجهود الدولية إلى ردع أسطول إيراني عن إيصال الأسلحة إلى مدينة الحديدة الساحلية، وبالتالي منع ما كان يمكن أن يكون إعادة الإمدادات الخامسة من هذا القبيل منذ كانون الثاني/يناير. لكن، ربما وصلت هذه الأسلحة إلى الموانئ الساحلية في منطقة القرن الأفريقي عن طريق الشحن العابر، ممّا يؤكّد الحاجة إلى مراقبة الشحنات الأصغر أيضاً. وعلاوةً على ذلك، من الضروري الاستمرار بإغلاق المجال الجوي اليمني بقيادة سعودية من أجل منع وصول كمياتٍ كبيرة من الصواريخ الموجّهة والمضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة الخفيفة والسهلة الحمل ذات الأثر الكبير.
مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن. الكسندر ميلو هو المحلل الرئيسي للشؤون الأمنية في الخدمات الاستشارية للطاقة في “هورايزن كلاينت آكسيس”.
The Saudi-UAE War Effort in Yemen (Part 1): Operation Golden Arrow in Aden