حينما نتساءل هل المثقف هو نائب عن الأمة، نقصد من ذلك هل يجب على المثقف أن يكون حريصا على أن يوافقه الناس؟ بالطبع الجواب هو بالنفي.
المثقف حريص على أمور أخرى كثيرة، أبرزها حرصه على أن يكون وسيطا بين الحقيقة وبين الواقع. أي أن يسعى إلى نقل آخر النظريات العلمية (الحقيقة العلمية) إلى الشعب من خلال لغة مفهومة، من أجل تغيير وتعديل واقع الشعب وتحسين وضعهم الحياتي والمعيشي والسعي لوصلهم بحقوقهم.
بالمقابل، لا يجب على المثقف أن يكون ناطقا باسم الناس. يجب ألاّ يشترط بأن ما يقبلونه لابد أن يقوله، وما لا يقبلونه لن يتفوّه به. فإنْ قبِل بذلك سيكون تحت إمرة الناس، تابعا لهم، في حين هو حلقة الوصل – كما قلنا – بين الحقيقة وبين تحسين واقع الناس. هو يقف في المنطقة التي تفصل بين الحقيقة وبين الناس، فيسعى إلى نقل هذه الحقيقة إليهم “ليقلّل من آلامهم” حسب تعبير المفكر الإيراني مصطفى ملكيان. فالمثقف هو “الحَكَم”. لابد أن ينتقد الناس إذا دعت الحاجة إلى ذلك. أي عليه – على سبيل المثال – أن يقول لهم بأن العقيدة التي تؤمنون بها صحيحة أو غير صحيحة.
كما عليه أن يساهم في الارتقاء بحياة الناس. وهو ارتقاء لن يتحقّق إلاّ بتبنّيه لغة يفهمها الناس. غير أن بعض المثقفين يكتبون كتابات لا يستطيع الشخص العادي أن يهضمها أو يفهمها. وأتساءل هنا، ما الهدف من هذا النوع من الكتابات؟ لكني لا أجد إلا إجابة واحدة عن السؤال وهي أن بعض المثقفين يصرّون على أن يبقوا نخبا، بالرغم من أن دور المثقف ليس ذلك. فالنخب هم المتخصصون، لا المثقفون الذين يجب أن يعوا ما يقولون. في حين نجد بعض المثقفين لا يعون ما يقولونه، لأن كل ما يصدر عنهم هو تكرار لأقوال الآخرين، فينقطع حبل الفهم بينهم وبين الناس، ويتلاشى أي تأثير لهم في تغيير حياة الناس.
فالقول من شأنه أن يصبح عميقا إذا وصل إلى أذهان الناس. وفي حال لم يصل لن يصبح عميقا، لأن الذي يجب أن يحكم عليه بأنه عميق لم يفهم القول. فيأتي التقليد هنا ليستولي على موقع الفهم، فيكرّر الشخص أقوال الغير من دون أي فهم.
إن الكثير من المثقفين يتحاشون الإشارة إلى أنهم لم يفهموا عبارة خاصة أو فكرة معينة أو نظرية ما، لكي يبعدوا شبهة عدم الفهم عن أنفسهم أمام الناس. لذلك، يفضلون، وبغرور واسع، أن يردّدوا بعض العبارات الغامضة غير المفهومة على أن يقولوا للناس بأنهم لا يعرفون. لذلك، فشلوا في إيصال بعض المفاهيم الحيوية المهمة إلى الناس.
فحينما تم الحكم بسجن بعض المدونين في تويتر في ظل وجود مادة واضحة في الدستور الكويتي تدافع عن حرية الرأي والتعبير، لم يكن رد الفعل الشعبي في الدفاع عن حق هؤلاء في إبداء آرائهم يضاهي أحكام السجن بما يجعل الناس ينتقدون تلك الأحكام ويندّدون بها. لماذا؟ لأسباب متعددة، أبرزها أن المثقف لم ينجح في إيصال مفهوم حرية الرأي والتعبير بصورة صحيحة وواضحة وشفافة إلى أفهام الناس بما يجعلهم يعتبرونه أهم من الأحكام الصادرة بتكميم الآراء وسجن أصحابها.
فبعض المثقفين دافعوا عن الديموقراطية، لكنهم فشلوا في ربطها بمبدأ حرية الرأي والتعبير الذي لا يمكن بتاتا فصله عن الشأن الديموقراطي، وبطبيعة الحال أدى ذلك إلى أن البعض أصبحوا لا يهتمون بسجن صاحب الرأي، فيما البعض الآخر أيّدوا السجن وطالبوا بعقوبات أقسى. فلو كان المثقف قادرا على وصل حبل حرية الرأي بجسم الديموقراطية، باعتبار أن الديموقراطية ستكون مزيفة من دون وجود رقابة تستند إلى حرية الرأي والتعبير، لرأينا اختلافا بالموقف الشعبي من رفع قضايا على المدونين وسجنهم.
يقول ملكيان “اذا فتحت كتابا ولم تفهم ما ورد فيه، فلا تلم نفسك فورا وتقل بأنني لا أملك ذهنا واعيا ولا يزال مستوى تفكيري وفهمي متواضعا ولابد أن أتعب على نفسي بمزيد من القراءات، بل لابد أن تسأل مؤلف الكتاب، لِمَنْ ألّفه؟ هل ألّفه لنا لكي نفهم؟ نحن لم نفهم، إذاً الكتاب فاشل”.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com