إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
بعد أن أسقطت الشرعية الثورية المصرية رأس النظام، كان المفترض سقوط الدستور الذي قام عليه و أضاف إليه وحذف منه ورقعه وبهدله وعدله مرات النظام السابق، الذي يبدو أنه لم يسقط بعد، وأنه سيظل غارسا أنيابه في الفريسة لاّخر لحظة ممكنة، حتى لو غير تكتيكاته مع تحولات يتحول فيها هذه الأيام المخفي إلى علني، بتحالف فاشية الإقطاع العسكري مع الفاشية الدينية، حيث للدين سلطانه و مكانه لدى شعوبنا خاصة، و يمكن استثماره انتهازيا حسب الحاجة لإخراس قول الجماهير أمام قول الإله، بالإبقاء على الدستور الشائه المعيب المهين مع بعض التعديلات التي تخدم حلف الفقيه و السلطان وحدهما.
تعالوا نتذكر تكتيكات حلف الفقيه والسلطان المرتبطة بما يحدث الاّن.
فالمادة (77) بالدستور المصري التي تعطي للرئيس مُددا مفتوحة للحكم، قد تمت بمعرفة الإخوان والدكتور صوفي أبو طالب والرئيس المؤمن أنور السادات، وبمباركة من أهل الدين جميعا في مشارق مصر ومغاربها مقابل أمرين: واحد نظري و الثاني عملي. كان النظري هو إلقاء التشريع بالكامل في أيدي سدنة الدين بإضافة الألف واللام القاطعة لنص البند الثاني في الدستورلتتحول المادة: “الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع”، إلى “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”. أما الأمر العملي فهو إطلاقهم على مصر ومؤسساتها وهيئاتها وإعلامها وتعليمها. و بعد أن روًعوا المصريين وهدموا أفراحهم وكسروا تماثيلهم ودّعروا فنونهم وكفّروا تاريخهم الفرعوني وأدخلوهم تحت خيام الحجاب والنقاب، انقضوا على شريكهم الأول الذي أعطاهم مصر وشعبها، و نحروه على مِنَصًتِه في يوم نصره، وهو الشأن المعتاد مع الإخوان وكل فرقهم على تعدد أسمائها الحركية. الإنقضاض على الشريك عند أول فرصة، وخيانة العهد فعل معلوم مكرر ومُقدس للإسلام السياسي، عبر تاريخنا الطويل، منذ فجره الأول بجزيرة العرب الذي شهد كل ألوان نقض العهود.
اليوم يتمسك الإسلام السياسي و بكل قوته بدستور الفساد، للإبقاء على المادة الثانية تحديدا والتي وقفوا جميعا صفا مرصوصا وترسا واحدا لها. وأكد القطب الإخواني عصام العريان أنها مادة فوق دستورية. فإذا كان الدستورهو قول كل الشعب والناس، فما فوقه لا يكون سوى الإلهي. فهي مادة إلهية، رغم أنه لم يرد لا في القراّن ولا في الحديث شئ عن الدستور و نظام الحكم دستوري أو غير دستوري. ناهيك عن أنه لو كان ذلك صحيحاً، فلا يجوز لإنسان إذن تحكيم هذه المادة بإسم الإله، و إنما على الإله أن يحكم بنفسه مباشرة لأنه لا أحد يزعم أن يملك توكيلا منه للعمل نيابة عنه في الأرض، أو أنه الفاهم الأوحد لمراد الله دون بقية المسلمين .
والأغرب و( ليس غريبا مع انتهازية الإخوان)، أن يتفق الإخوان مع طرح النظام (وليس غريبا مع انتهازية النظام ورخصه) على تعديل مواد بعينها، أهمها المادة (77) التي رقص لها الإخوان من قبل زمن السادات حتى كادوا ينصبونه خليفة لولا خشيتهم إعطاءه صلاحيات مطلقة يبطش بهم بموجبها، وهو ما جعلهم يستعجلون الموقف فبطشوا به أولا.
وإصرارهم على هذا التعديل هو لصرف النظر تماما عن فكرة سقوط الدستور بالشرعية الثورية الشعبية و ضرورة وضع دستور مدني جديد. وهو التعديل الذي لا يسمح لرئيس الجمهورية بأكثر من ولايتين، وهو أمر على المستوى السياسي محمود مطلوب، لكن موقف الإخوان منه عبر الزمنين موقف راقصات مبتذل رخيص وانتهازي.
فإذا كان الإخوان يسمون نفسهم بالمسلمين تميزا عن غيرهم بالالتزام بقواعد الإسلام، فإنهم يعلمون يقينا أن الإسلام لا يعرف مُدة لحكم الإمام إنما يعرف أن الإمام يبقى مدى الحياة وعقوبة الخارج عليه هو القتل، وأنه لا معارضة في صحيح الإسلام، وأنه لا ديمقراطية وأنه “إذا بويع لخليفتين فاقتلوا أحدهما”. وأن هناك فرقة واحدة ناجية هي التي ستحكم و 72 عداها هلكى. وليس في الإسلام برلمان و لا مجالس نيابية. فيه البيعة التي هي إقرار إذعان من الناس لمن يستطيع بغلبته وشوكته الوصول إلى سدة الملك أو الخلافة، فيجلس أولا و تتم البيعة ثانيا. وفيه الشورى أي أخذ النصيحة من الحاشية والمختصين وله أن يعمل بها أو لا يعمل، و لم يحدث أن عمل بها أحد من الخلفاء حتى الأربعة الراشدين ذاتهم. أبو بكر شاورالصحابة بشأن مانعي الزكاة فأشاروا بعدم قتالهم وعلى رأس المشيرين عُمَر، فلم يأخذ بمشورتهم و أعلن القتال. الخليفة عمر شاور مجلسه في شان خروجه على رأس الجيش لحرب الروم، تسعة قالوا نعم وعبد الرحمن بن عوف قال لا، فأخذ بما قال عبد الرحمن بن عوف، … وهكذا، حتى سقوط الخلافة. و لم يحدث في تاريخ الإمبراطورية الإسلامية أن تم تبادل السلطة سوى بالخنجر أو بالسيف أو بالسم أو الإغتيال ناهيك عن الحرق و السمل و الصلب.
فإذا كان “الإخوان” يريدون تطبيق الشريعة و يُصرّون على المادة الثانية من الدستور، فأنهم لا يفعلون فعل الشريعة (الاّن على الأقل) وإن كانوا سينظرون في تطبيقها فيما بعد فيما قال قطبهم (سعد الكتاتني). وهو ما يعني أن ما يفعلونه اليوم هو خروجهم على مبادئ الشريعة و تبنيهم لمبادئ الكفرة الفجرة مثل روسو و فولتير و مونتسكير و غيرهم، حتى يتمكنوا من الحكم، وحينها سيتم تطبيق حدود الشريعة. هم لا يقبلون تطبيقها الآن لأنها لو طُبٍقًت الآن لوجب قطع رقابهم بميدان التحرير لخروجهم على السلطان، والزيادة للدين ما ليس فيه، والقول بما يخالف معلوم من الدين بالضرورة. لكنهم سيطبقونها علينا إن شاء الله عندما يتربعون كما قال الكتاتني.
وإن تمسكهم بالمادة الثانية مع إعلانهم أنهم مع الدولة المدنية أمر شائه و كوميديا سوداء. فالمدنية تعني عدم وجود أي نصوص أو بنود أو حتى كلمات دينية بالدستور. وما إصرارهم عليها إلا لعقيدتهم بأنه لا يجوز مساواة المسلم بغير المسلم من المواطنين، ولأنها سبيلهم الدائم للسيطرة على المجتمع سواء بالحكم المباشر أو بالتحالف مع من يحكم بإسمهم.
أن دستورا يٌصًنٍف أبناء وطنه ويرفع دينا و أصحابه على دين اّخر وينحاز لطائفة دون أخرى هو دستور فاشي بامتياز و جدارة.
كان قراري الشخصي مع ثورة الغضب \اللوتس\25 يناير\هو عدم الظهور في الإعلام ولا التعليق. لأن الأمر كله قد صب بيد شباب مصر، وأنه يكفيني عن بُعد أن أُسدي نُصحا قد يُصيب وقد يُخطئ، مع ما رأيت من وعي نافذ و فهم سديد لمعنى المدنية عند شبابنا المُبهرين. واكتفيت ببرقيات تراوحت مدا و جذرا مع ما يحدث على الأرض. رأيت وجوها فاشية دموية في التحرير وسط الثوار وقلت لا بأس فهٌم زيادة عددية مطلوبة وشبابنا قادر على فرز الطيب من الخبث. ثم جاءت جمعة النصر كارثة بعد أن استلمها صفوت حجازي وقرضاوي وغيرهم، ليٌصلوا بالناس الجمعة في الميدان، مُطفئين نور اللاّلئ الثمينة من شبابنا مُعلنين الاستيلاء على الثورة. وتلاحقت الكوارث. فتقرر السماح بدخول المنقبات إلى المدن الجامعية مما يفتح أبواب الفتن الجنسية والسماح بدخولهن الامتحانات مما يفتح ابواب الغش على مصراعيه. كما تقرر منح حزب الوسط الإخواني دون كل بقية الطلبات الحزبية شرعية الوجود. وشكل المجلس العسكري لجنة لتعديل الدستور وليس لوضع دستور جديد، دخلتها الوجوه الإخوانية الفاشية عن اختيار عمدي. ومن المفارقات المدهشات أن الدكتور علاء الأسواني الذي أحترمه و أٌقدر ثوريته ووطنيته لم يجد حرجا في القول أن جهات أجنبية تُشجع الأقباط ضد المادة الثانية بالدستور، فيالهول ما قال؟ وهل هو بذلك يتسق مع نفسه بمطالبته بدولة تامة المدنية؟ لذلك أهيب بشجاعته ليراجع موقفه من المادة الثانية في دولتنا المدنية المرتقبة، ولأننا لا زلنا ننتظر منه المزيد من العمل .
خطابي هنا أوجهه لشبابنا. و أنا مجرد مواطن نفر، فلا أنا أستاذ ولا قائد ولا زعيم لأحد. مُجرد مواطن يرى أولاده في التحرير يُعيدون له الفخر بوطنه بعد أن كان يشعر بالعار، و يُعيدوا إليه الكرامة بعد الشعور بالقنوط و المهانة. ولم يستثمر ثورتهم بالمرة، بل دعمها بقوة و نشر رأيه وموقفه مع أول ساعة فُتًح فيها الإنترنت. و لأني اعلم أن كلامي يتجاوز سقف أي رئيس تحرير و حساباته داخل مصر حتى الاّن، وحساسيات معروفة سببها حملات الإسلام السياسي ضدي تشويها و تمزيقا، رأيت أن النشر في الفضاء الافتراضي هو مساحة حريتي الكاملة.
أبنائي أولاد العزة و الشرف، إن الإسلام دين وليس سياسة، وإن كانت له سياسة فقد كانت خاصة بالنبي الكريم (ص) و زمنه وحده، وان هذه السياسة مر عليها أكثر من ألف و أربعمائة عام، وهي سياسة أفراد و ليست قدرا سماويا. فلم يأت نص مُقًدس يُحدد لنا نظام الحكم و الدولة و اّلياته و شكله و دستوره و ليس لدينا سورة الدولة ولا حديث الدستور. ورفض النبي أن يكون مًلٍكا وهو صيغة نظام الحُكم زمانها بل و أكدًت الاّيات أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، و أنه عندما أرسل لهرقل الروم دعاه للإيمان بالإسلام وليس لإقامة دولة إسلامية في بلاده. وأنه عندما أرسل سليمان لملكة سبأ أرسل يدعوها للإسلام و ليس لتغيير نظامها الشبه ديمقراطي (الملأ) لتحويله ألى دولة إسلامية، هذا ناهيك عما أضافه الحديث و الفقه من بعد للإسلام، بما يجعل تحكيمه في السياسة اليوم كارثة تُلقي بنا في ثُقب التاريخ الأسود و نحو الهلاك. فأكًد أن درء الفتن (الثورات) مٌقًدًم على جلب المصالح، و سلطان غشوم خير من فتنة تدوم، و الشرط الوحيد لخلع الحاكم أن نرى منه كٌفرا بواحا بأصل من أصول الدين، و أن الخروج على الحكام حرام بإجماع المسلمين حتى لو كانوا فسقة فجرة و من فعلها فإنه يموت ميتة جاهلية، و أن عليه أن يسمع للأمير و إن ضرب ظهره و أخذ ماله و لا يجب أن تسأل الحكومة عن حقوقك إنما إذا سألت فاسأل الله.
و هذا كله يفسر لكم موقف شيخ الأزهر والمفتي، ومحمد حسان الذي حيا (لله) كلمات الرئيس مبارك المباركة واعتبر المظاهرات أفعالا مُخزية يختلط فيها الرجال بالنساء، والشيخ صفوت حجازي -الذي خصص ساعة بقناة الناس من قبل يجأر لسيده رئيس الجمهورية و يٌقًبٍل أياديه ليثأر للإسلام من سيد القمني، والزغبي الذي راّها فسادا لفرق ضالة، ولا ننسى وجدي غنيم الذي قال نصا: “عندنا شورى، مافيش ديمقراطية، إحنا مالنا و مال الديمقراطية؟ اللحمة بتاعتنا خرفان وبقر و بط و وز، ورايح تمسك في الخنزير؟ عندنا الشورى أجيب الخنزير من بره ليه؟ ماعندناش مُعارضة في الإسلام، مافيش حاجة اسمها مُعارضة، الديمقراطية دي كلها عك في عك”.
وأيضا لكم أن تلحظوا أنه بعد نجاح ثورتكم قد انتكس كل هؤلاء عن إيمانهم و تخلوا عن دينهم وقواعده ليؤيدوا ثورتكم ليسلبوها منكم ثم يعودوا مرة أخرى إلى حرفيتهم النصية ليطبقوها علينا.
أبنائي شباب التحرير:
أعلم ان الأمر شديد الحساسية، لكنه مصيركم ومصير مصر كلها على محك تاريخ لا يحتمل التمحل بحساسيات دينية، لأن أصحاب هذه الطروحات لم تكن لديهم أي حساسيات من التقلب ذات اليمين و ذات الشمال ومن الموقف إلى نقيضه ومن الإيمان إلى اللا إيمان و بالعكس. وإخوانكم شعب تونس العظيم لم يتوقف إلا هُنيهات ليهب المرة تلو الأخرى ليفرض وجوده وشروطه الشرعية، حتى لا تضيع دماء الشهداء و المعاناة الطويلة هدرا، لتصب بيد الفاشيات الدينية في النهاية.
فإن وصلتكم رسالتي فانظروا ما أنتم فاعلون وميدان التحرير ليس عليكم ببعيد.
elqemany@yahoo.com
• القاهرة
المادة الثانية أو معضلة الثورة
اللجوء للدين هو سلاح الضعيف في الأنظمه الشموليه، والسيد القمني يعرف أن ظاهرة التدين والمد الإسلامي اشتد في مصر ودول إسلاميه أخرى نتيجة الدكتاتوريات المقيته التي سيطرت على هذه الشعوب طوال هذه الحقبه.
برأييي أن دولة المواطنه المؤسساتيه الديمقراطيه كفيلة بإضعاف التعصب الديني والتدين بشكل عام ولكن ذلك يحتاج إلى وقت، أما الصدام فيؤخر هذا التحول، ولننظر إلى المتعصبين دينياً ومنهم الإخوان كضحيه وليس كجلاد. مع تحياتي
المادة الثانية أو معضلة الثورة
إلى آخر الرجال المحترمين دسيد القمنى
انت تنحت فى الصخر او تحرث فى البحر
المادة الثانية لن تتغير فهذا شعب يعشق التخلف بجميع انواعه ولن يصوت على تغيير المادة الثانية
فالمصريين سيظلون كما هم يفرون من ليبيا ويطردون من السعودية ويتمنون الذهاب إلى اوربا و امريكا وشرم الشيخ لرؤية النساء العرايا