أنا لست ضد إغلاق قناة الحياة، أو إيقاف برامج القمص زكريا بطرس، الموقوف من الخدمة في الكنيسة الأرثوذكسية التي تسيء للإسلام. بث الكراهية لا يفيد، والطعن في أديان الآخرين ليس من آداب الخطاب المسيحي، فضلا عن أنه لا يمثل بأي حال دعما لخبرة العيش الواحد الإسلامي المسيحي في مصر. والعكس صحيح بالضرورة. التطاول علي أديان الآخرين في وسائل الإعلام يشجع العوام علي الإساءة إلي بعضهم بعضا. القضية لا تحتمل رأيين، والموقف لا يقبل مواربة. الرفض وأيضا الرفض.
ولكن المشكلة أن هناك في المجتمع المصري من يكيل بمكيالين، لا يحكمه نسق فكري، أو مبدأ يسعي إلي تحقيقه. كل ما يحدوه هو النظرة الأحادية، والتعبير عن مشاعر الغضب ليس أكثر. طالب أعضاء لجنة الشؤون الدينية بمجلس الشعب- منذ أيام- بالرد علي قناة الحياة من خلال إنشاء قناة فضائية إسلامية، تزود عن الإسلام إزاء ما يواجهه من إساءات. لا تثريب علي شخص يدافع عن عقيدته، بل ويستميت في الدفاع عنها. ولكن نسي الأعضاء أن هذه اللجنة من المفترض أنها لا تخص فقط الإسلام والمسلمين، ولكن تخص عقائد أبناء مصر جميعا، مسلمين ومسيحيين، ويهودا. والقضاء المصري يعترف بالأديان السماوية الثلاثة، وعلي هذا الأساس رفض الاعتراف بالبهائيين. ومجلس الشعب هو برلمان الأمة المنتخب، فلماذا لا نسمع صوت لجنة الشئون الدينية تجاه محاولات الإساءة والطعن في المسيحية أو اليهودية؟. نحن نفرق بالطبع بين اليهودية بوصفها دينا سماويا، والصهيونية كحركة سياسية عنصرية غاصبة. وطالما لازال في المجتمع المصري من يحمل بطاقة تحقيق شخصية تشير إلي دين بعينه، فإن حقوق المواطنة تقتضي أن يكون هذا الدين محل احترام وتوقير.
قناة الحياة تسيء إلي الإسلام، وهذا أمر مستهجن، ولكن حتى لا يكيل المجتمع بمكيالين، ويدافع نوابه المنتخبون عن دين، يزودون عنه، وفي الوقت نفسه يغضون الطرف عما يحيق بدين أخر من إساءة لابد أن يكون التصرف شاملا جامعا، يطول كل مسيء، ويدين كل مزدري بالأديان. فهل هناك دين له كل اعتبار لأنه يخص مواطنين “متميزين”، ودين آخر أقل اعتبارا لأنه يخص مواطنين “أقل تميزا”. هذا يضرب -في الجوهر- المادة الأولي من الدستور التي تجعل من مبدأ المواطنة أساسا مرجعيا للدولة.
إذا كان أعضاء لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب جادين في وقف الإساءة للأديان جميعا، عليهم أن يتصرفوا بوصفهم “مواطنين” قبل أن يكونوا “دعاة”، ويوسعوا دائرة النظر لما يحدث حولهم. وتحت يدي أمثلة عديدة لبرامج تليفزيونية، وأشرطة كاسيت حاصلة علي تصريح من الأزهر، ومقالات نشرت في صحف قومية تنال جميعا من المسيحية، وتزدري بها، وتحط من شأن المؤمنين بها.
يا نواب الشعب، كلنا مؤمنون، وكلنا نريد لأدياننا كل احترام وتوقير.
الكيل بمكيالينلماذا نسلب الآخرين حقّ النقد الذي نمارسه نحن المسلمون ضدّ المسيحية واليهودية؟ كلّ الأدبيات الأسلامية والتقاليد الدينية تنعت الأناجيل بالتحريف والتزييف وانّهم كفار لأيمانهم بالأقانيم. بينما نطالب المسيحيين واليهود بأحترام ديننا الاسلامي ونسلبهم حقّ نقدهم لنا. (والطعن بأديان الأخرين ليس من أداب الخطاب المسيحي) المسيح وموسى ومحمّد ناقدين للأديان. والمسيح نفسه نقد الكهنة واليهود. المسيحية الحقيقية تمارس نقد الدين. كما نقد محمد اديان أبائه وقومة. الخلل في النقد بل في ردّ الفعل المتشنج والمخالف لقوانين حرية التعبير عن الرأي. القمص زكريا له كامل الحقّ في نقدة كما ان للمسلمين كامل الحق في نقد القمص. اما اغلاق قنوات ومصادرة صحف… قراءة المزيد ..