هل تعيش الكويت خارج إطار نادي “الربيع العربي”؟ هل يمكن لها أن تكون خارج هذا الإطار؟ جميع دول الخليج، باستثناء قطر، ولأسباب قد ترتبط بالتأجيل فحسب، أعضاء في نادي الحركات التغييرية التي تسمى مجازا بـ”الربيع العربي”. بعضهم عضو بارز وفعّال، وآخرون أقل نشاطا. وفي مواجهة هذا الحراك السياسي الاجتماعي فإن جميع الأنظمة الخليجية بدأت خطوات تسمى “إصلاحية”، بغية التأثير في الحراك، والسعي في أسرع فرصة إلى إخراج اللاعبين الخليجيين من هذا النادي. والملفت أنه كلما زادت “الحقن الإصلاحية” الحكومية، زاد الحافز الشعبي نحو طلب المزيد من الإصلاحات لإحداث تغييرات ملموسة على الأرض، وزادت معه عملية تثبيت أقدام الشعوب الخليجية أكثر في النادي.
للحركة التغييرية العربية أهداف كثيرة، من ضمنها التحوّل نحو الديموقراطية. ومن الطبيعي أن يواجه هذا الهدف صدّاً وعدم رضا عند مختلف الأنظمة، بما فيها الخليجية، لأنها دساتيرها وواقعها المعاش بعيدان عن مختلف صور الديموقراطية المتباينة. لكن ماذا عن الكويت التي تعيش تجربة الديموقراطية، ولو النسبية، منذ عشرات السنين؟ لماذا يرفض النظام في الكويت الدعوات الإصلاحية الداعية إلى مزيد من الديموقراطية في الحياة السياسية؟ لماذا – على سبيل المثال – هناك رفض لتشريع التعددية السياسية الحزبية، ولتداول السلطة؟ لنطرح السؤال بصيغة أخرى: لماذا يصعب تحقيق الإصلاح السياسي التغييري في الكويت الهادف إلى تعزيز الديموقراطية؟
لا أعتقد أن التطرق إلى تفاصيل العملية الديموقراطية من شأنه أن يشير إلى أصل القضية، بل هناك حاجة إلى التركيز على البنية القبلية العشائرية التي تكوّنت على أساسها الديموقراطية في الكويت وشكّلت صورتها، والتي لا تزال تلعب دورا أساسيا في عرقلة الدعوات الإصلاحية الهادفة إلى تعزيز الديموقراطية.
فالديموقراطية في الكويت تأسست وعاشت في ظل سيطرة العامل القبلي من خلال هيمنة الثقافة العشائرية على النظام الحاكم وعلى مجمل الحياة السياسية والاجتماعية، وهذا العامل يتميز بصفات لا تستطيع أن تساهم في تطوّر الديموقراطية، بل تعمل تلك الصفات إما على طرح واقع تتمازج فيه الديموقراطية مع الحياة القبيلة العشائرية، وهو ما عشناه ورأيناه ونراه الآن، وإما على مواجهة الدعوات الإصلاحية الهادفة إلى تعزيز الديموقراطية، والتي قد تساهم في إعادة النظر في أصل النظام، أي إعادة النظر في التمازج بين العشائرية والقبلية وبين الديموقراطية.
إن الصفات التي تميز السلوك الاجتماعي القبلي العشائري تتصادم مع الديموقراطية ومع أي دعوة إصلاحية تجاهها. من بين تلك الصفات، العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والتي يجب أن تنبني على أساس المواطنة الخالصة، في حين أنها في الكويت لا تزال تقوم على الصلة القوية بين الراعي والرعية. كما أن بروز عامل المحاسبة والنقد، والذي يمثل أحد أسس الحياة الديموقراطية، نراه مختفيا في بعض صوره الرئيسية. إضافة إلى أن المؤشرات القبلية التبجيلية المستندة إلى ضرورة وجود بعض “المحرّمات” السلوكية تساهم في طرح صورها على الواقع السياسي والاجتماعي بحيث يتعذر مواجهتها أو الاعتراض عليها. إن طغيان الصور القبلية على الحياة السياسية من شأنها أن تضعف الديموقراطية وتحارب كل دعوات الإصلاح، لأنها في النهاية تصب في صالح المجتمع المهيأ للعيش بتراتبية قبلية لا المجتمع المهيأ للعيش بصورة ديموقراطية عقلانية.
وبما أن الديموقراطية وتطورها وإصلاحاتها لا تتعايش مع السلوك القبلي ولا مع “المحرّمات” القبلية، نجد الكثير من تلك “المحرّمات” في الكويت، في النظام السياسي، وفي الدستور، وفي الحياة السياسية والاجتماعية، مما يساهم في عرقلة المسؤولية الشخصية والجمعية الساعية إلى الإصلاح.
ولكي نكون قادرين على الدفع بالإصلاح الساعي إلى تطوير الديموقراطية، يجب أن نقلل من الصور القبلية المؤثرة على الحياة الديموقراطية وتطورها، وصولا إلى إلغائها بالكامل. فلا ديموقراطية مع صور الحياة القبلية العشائرية، لأنها صور تعزز الطبقية والطائفية واللامساواة واللانقد واللانقاش، إذ جميعها تتعارض مع الديموقراطية.
قد يبرز سؤال هنا: هل الكويتيون يريدون إصلاحا يعزز الديموقراطية مما قد يساهم في إضعاف صور الحياة القبلية العشائرية؟ لابد من الإشارة هنا إلى أن الكثير ممن يدعون إلى الإصلاحات السياسية ينتمون إلى القبائل، وهم غير معترضين على الصورة السياسية والاجتماعية التقليدية للقبيلة، وبالتالي هم، من حيث يدرون أو لا يدرون، أحد العوامل المساهمة في تعزيز الصورة القبلية العشائرية في الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت. ورغم أن التحرك الإصلاحي لهؤلاء قد يفضي على المدى البعيد إلى إضعاف تأثير صورة الحياة القبلية على الوضع السياسي، وعلى حصول تحولات إيجابية متعلقة بتطور الديموقراطية في الكويت، إلا أن ما يجب أن يُلتفت إليه في هذا الإطار، هو قدرة الأشخاص المنتمين إلى القبائل على إصلاح وضعهم القبلي قبل الالتفات إلى إصلاح الوضع السياسي العام وصولا إلى تعزيز الديموقراطية، إذ لا تنفع الدعوات لإصلاح النظام السياسي العام فيما النظام الاجتماعي القبلي الخاص لا يزال بعيدا عن الإصلاح والتغيير. فلا يمكن الدعوة لإصلاح سياسي من دون معالجة اجتماعية، أي لا يمكن التعويل على نجاح الدعوات الإصلاحية السياسية العامة فيما هي تستمد علّتها من الوضع الاجتماعي المريض ديموقراطيّاً. فقد آن الأوان لشباب القبائل أن يلتفتوا إلى إصلاح وضعهم السياسي والاجتماعي القبلي القائم على “المحرمات”، قبل أن يطالبوا بإصلاح النظام السياسي القبلي العام. فالولاء للديموقراطية والدستور الديموقراطي، ومواجهة الولاءات المستندة إلى “المحرمات” القبلية، هو أساس الإصلاح.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com
الكويت و”الربيع العربي” والقبلية نؤيدك في ماتقول ان كنت فهمتك صحيحا بأن القبيلة عائق في سبيل اصلاح النظام الديمقراطي ولكن ايضا من من ليسوا من القبائل بالمعنى الاجتماعي لديهم مرجعيات اخرى كما القبيلة و الانتماء لها يعوق مسيرة الاصلاح ايضا والعملية الديمقراطية المتأسسة اصلا على الاديان والطوائف او المال ايضا عوائق شديدة على مسار الاصلاح الديمقراطي . في الحقيقة لايوجد بالكويت ديمقراطية بالمعنى الصحيح للكلمة حيث الاحزاب والبرلمان على اسس الدولة المدنية والحاكم و الرئيس والوزارات السيادية لازالت من نصيب الاسرة الحاكمة فعن اي ديمقراطية نتحدث؟ نعم اسس برلمان للصراخ والعويل والمماحكة لاكنني لاارى وضعكم بأفضل مما لدى الاخرين .… قراءة المزيد ..