الديمقراطية ”شكليات” أيضاً! وقد حرص الكويتيون، لمناسبة افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الأمة، على إظهار تعلّقهم بتلك “الشكليات” التي تعطي الكويت نكهتها الفريدة في المشرق العربي.. بعد الإنحدار الذي تعانيه الديمقراطية اللبنانية منذ يومٍ أسود في أيار ٢٠٠٨.
افتتاح دورة مجلس الأمة، الذي حضرتُهُ لأول مرة، يتميّز بحضور أمير البلاد (لمرّة وحيدة عملاً بمبدأ “فصل السلطات”) لإلقاء خطابه أو ما يسمى “النطق السامي”. وهو تقليد ربما يكون مستوحىً من تقليد بريطاني قديم، سوى أنه أصبح “تقليداً كويتياً” منذ ستينات القرن الماضي حينما سبقت الكويت دول الخليج الأخرى في اعتماد واحدٍ من أفضل الدساتير المستنيرة في المنطقة. في “النطق السامي” حدّد الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح السياسات العامة للبلاد، إنطلاقاً من قوله، ببلاغة عربية (تعريفها “ما قلّ ودل”!) لم تعد مألوفة في “الأدبيات السياسية”: “لقد ظلّت الكويت دار أمن وأمان، وواحة رخاء واستقرار، ينعم أهلها بالحرية والتراحم، وسط محيط تستعر فيه نيران الحروب الأهلية، والصراعات الطائفية والعرقية، تخوضها جماعات وتنظيمات مسلحة، أشاعت الفوضى والإرهاب، ونشرت الخراب والدمار، وتسببت في سقوط مئات آلاف القتلى والمصابين، ونزوح آلاف المشردين من ديارهم”.
بعد هذا التقديم المعبّر، حرص صباح الأحمد على إبراز ثلاثة عناوين: الوحدة الوطنية (التي تجلّت بمشاركة “السنّة” في تقبّل العزاء بجريمة تفجير مسجد الإمام الصادق)، والعلاقة المتينة مع دول “مجلس التعاون” ومع السعودية تحديداً، والدعوة الملحّة إلى التنبّه إلى “مخاطر النَمَط الإستهلاكي في مجتمعنا، وتزايد الإنفاق الحكومي الإستهلاكي الذي لا طائل منه ولا عائد، وذلك على حساب مجالات التنمية والإستثمار في الإنسان الكويتي”- في ضوء انخفاض أسعار النفط عالمياً بحوالي ستين بالمئة.
مرزوق الغانم: “العودة إلى نطاق الدستور”
في لقاءٍ مع رئيس مجلس الأمة الشاب عشية افتتاح دورة مجلس الأمة، حرص مرزوق الغانم على الإشارة إلى أن “الديمقراطية لها سلبيات” وإلى اعتقادٍ سائد، في منطقة الخليج خصوصاً، بأن الديمقراطية هي المسؤولة عن “تأخير التنمية” في الكويت.
في اعتقاد مرزوق الغانم، الذي سبقه إلى رئاسة المجلس خالُهُ المرحوم “جاسم الخرافي”، أن “المشكلة ليست مجلس الأمة بل طريقة استخدامه” لخلق أزمات متكررة، وأن الحلّ هو بـ”إعادة الأمور إلى نطاق الدستور”. ماذا يعني ذلك؟ “دستورنا ينصّ على فصل السلطات مع تعاونها. هكذا أراد الآباء المؤسّسون”!
هذه الإشارة إلى “إعادة الأمور إلى نطاق الدستور” مهمة. فهي تذكير بأن أمير البلاد هو الذي يختار رئيس الحكومة ويعيّن الوزراء في النظام الكويتي، في حين يختص البرلمان بوظيفة المراقبة والمحاسبة.
وذلك هو جواب رئيس مجلس الأمة على سؤال صحفي حول تشريع وجود أحزاب سياسية في الكويت. فبرأيه أن وجود الأحزاب لن يغيّر كثيراً طالما أن قرار تعيين الحكومة ووزرائها حق من حقوق رئيس الدولة، أي أمير البلاد.
على خطى خاله “جاسم الخرافي”، يفاخر مرزوق الغانم بـ”تعاون السلطتين” الذي انتج ٤١ قانوناً عاماً خلال الدورة السابقة، وهو عدد غير مسبوق في تاريخ الكويت.
لكن، ماذا عن “الدور الرقابي” للبرلمان؟ يقول مرزوق الغانم أن “الإستجوابات ليست المعيار”! ومع ذلك، فالإستجوابات ضرورية “شرط أن تكون من داخل الدستور”.
وفي هذا الصدد، يقترح الغانم “آلية جديدة” للإصلاح ومكافحة الفساد، وهي الإنطلاق من تقارير هيئة قضائية أساسية هي “ديوان المحاسبة”. وقال الغانم: “حالياً، نستدعي ديوان المحاسبة للإدلاء بملاحظاته أمام النواب، وبحضور الوزير المختص في كل حالة”.
هذه “الآلية” يمكن أن تكبح ميول بعض النواب إلى تقديم استجوابات يمتزج فيها الشآن العام باعتبارات شخصية أحياناً.
ماذا عن الخلاف حول ”مجلس الصوت الواحد”؟ يرد مرزوق الغانم بأن السلطة الثالثة أي ”المحكمة الدستورية” أصدرت حكمها المُلزِم في الموضوع وأبطَلَت مجلس أمة سابقاً. والآن “بات مفروضاً الإلتزام بحكم المحكمة الدستورية”.
وينتهي مرزوق الغانم إلى أن رئاسة مجلس الأمة قامت بـ”استفتاء” الكويتيين حول أولوياتهم، فجاءت مشكلة “الإسكان” في الطليعة. كما يذكّر بإصدار جريدة “الدستور” اليومية لتقريب عمل “مجلس الأمة” من الناس.
ولأن الديمقراطية بشكلياتها أيضاً، فقد دعانا موظفو مجلس الأمة للتعرف إلى الإضافات الكثيرة الجارية على مبنى المجلس، وأبرزها إضافة مكاتب بحيث يصبح لكل نائب مكتب يعمل به، وقاعات محاضرات.
والملاحظة الوحيدة السلبية في هذا الصدد هي نظام الصوت الذي يتطلب تحسينات، على الأقل لنقل الخطب بصورة أكثر وضوحاً إلى شرفات ”المدعوين”.
خرجت الكويت من محنة الأزمات المتلاحقة، و”الحراك” الذي لم يتقدم باقتراح بنّاء واحد. وحان الوقت للنظر في ”الإصلاحات” المطلوبة في البلاد. وأهمها قد يكون إصلاح نظام التعليم، وترقيته إلى المستوى الذي تتيحه إمكانات البلاد المالية. وربما ينبغي هنا أن يضع الكويتيون ”عينهم” على سنغافورة كمثال أعلى لما يمكن أن تفعله دولة صغيرة في مجال التعليم والأبحاث. ولو فعلوا، فسيعودون إلى ماضٍ كانت فيه الكويت رائدة التعليم، ونشر الكتب، والصحافة في منطقة الخليج كلها.
وكذلك هموم البيئة، والحدّ من ”الإستهلالك الخيالي للكهرباء والمياه”. فالكويت ليست خارج هذا الكوكب الذي بات يشعر بوطأة الإستهلاك البشري على المناخ والبيئة. وأخيراً، وليس آخراً، “المبالغة” في التوظيف الحكومي، المُدِرّ للرواتب، على حساب التوجّه للقطاع الخاص الذي يبرع فيه الكويتيون.