تعرض الزميلان بشار الصايغ وجاسم القامس المحرران في الزميلة ‘الجريدة’ مساء امس الاول لعملية اعتقال من قوى الامن، اشبه ما تكون ب ‘الخطف’، على مرأى ومسمع من الناس امام مقر الزميلة ‘الجريدة’ في شارع فهد السالم في العاصمة، وبينما استمر احتجاز الصايغ، جرى الافراج عن القامس ظهرا.
بدأت القصة مع تلقي الزميل الصايغ ‘معلومات’ عن وجود نية لاعتقاله من قبل مباحث امن الدولة اثناء ممارسته لعمله في ‘الجريدة’ مساء امس، وعلى اثر ذلك رافقه الزميل القامس الى سيارته المتوقفة امام مبنى الجريدة وبحوزته كاميرا. وما ان هم الاثنان بركوب السيارة حتى أتى رجلان بملابس مدنية للصايغ لاعتقاله، فالتقط القامس لهما صورة اثناء الاعتقال فتم اعتقاله ايضا.
هكذا اعتقلوهما
ويروي الزميل القامس تفاصيل اعتقاله قائلا: ‘ما ان التقطت الصورة حتى انقض علي ستة رجال امن بملابس مدنية من خلفي من دون ان اراهم، مطالبين بأخذ الكاميرا. ومع رفضي وتمسكي بها ومطالبتي اياهم بابراز الهوية، قال احدهم ‘معاك مباحث امن دولة، مو شغلك بالهوية’ واخذوا بدفعي لادخالي احدى السيارات التي اتوا بها وكان عددها 3 سيارات بغية اعتقالي، فقاومتهم، وكان مشهدا اشبه بمشاهد الخطف للعصابات في الافلام الاجنبية على مرأى ومسمع من الناس، الا انني في النهاية استسلمت لهم وتم اعتقالي’.
واضاف انه واثناء وجودنا في السيارة طلب مني رجل الامن الضخم الجالس بجانبي ان اعطيه هاتفي النقال، واعطيته اياه فأخذ يعبث به، بعدها سألني ‘أين الصورة’؟ فقلت له انها ليست في الهاتف بل في الكاميرا، وانت طلبت الهاتف، فسألني ‘انت حمار؟’ وصفعني على رأسي واخذ مني الكاميرا وكل حاجياتي وهي المحفظة ومفتاح السيارة والهاتف والكاميرا، وطلبوا مني عد النقود الموجودة للتأكد من وجودها عند خروجي، وقبل الوصول الى مبنى امن الدولة في جنوب السرة، جردني احد افراد الفريق من قميصي ووضعه على وجهي حتى لا ارى الطريق، وقلت له ان مبنى امن الدولة معروف للجميع. فرد علي بان هذه اجراءات الادارة.
في غرفة التحقيق
ويكمل القامس بالقول ‘مع دخولنا الى الادارة سمعت صوت نباح للكلاب خارج السيارة، وما ان دخلت – معصوب العينين – لاحد المباني ارتديت قميصي مواجها لاحد الحوائط ووضعوا لي عصبة عين اخرى ثم اقتادوني الى غرفة التحقيق التي كان فيها حسب تقديري 5 اشخاص اخذوا يصرخون ويصفعون، وقالوا لي ‘اذا كنت تعتقد ان هذه هي حرية الصحافة، فنحن سنعلمك ما هي حرية الصحافة’، وواصلوا صفعاتهم، ثم اتوا بعصاة ومسحوها على كتفي قائلين ‘الحين نعلمك حرية الصحافة’، وضربوا يدي بها عدة ضربات وعادوا للصفعات فيما لا تزال عيناي معصوبتين لا ادري بمن حولي، مضيفين ‘ان طلعت وتكلمت راح نجيبك من فراشك وانت نايم’.
ويضيف ‘ثم سألوني عن سبب التقاطي للصورة، فاجبت باني صحافي وهذا هو عملي، فسألوا عن سبب وجود الكاميرا معي، فقلت لهم انها معي دائما بحكم العمل. فسألوا عن سبب مقاومتي لرجال الامن عند اعتقالي، فقلت انني لم اكن متأكدا انهم رجال امن لاني لم ار الهوية. فصفعني احدهم وقال ‘متأكد ما شفت الهوية؟’ قلت له، لم ار الهوية، فصفعني مرة اخرى، وقال ‘ما قالوا لك انهم مباحث؟’، اجبته بالايجاب فقال ‘خلاص عيل، يعني شفت الهوية’ وصفعني، فقلت بيأس.. ‘اللي تشوفه’.
واوضح القامس انه علم من حديث المحيطين به اثناء التحقيق ان اعتقال الصايغ قد يكون ناتجا عن احد التعليقات التي بها مساس بالذات الاميرية الواردة في منتديات موقع الامة من شخص مجهول الهوية. علما بان الصايغ هو من يدير هذا الموقع. ولمح من احاديث الضباط ان الصايغ كان متعاونا في محاولة الكشف عن ذلك الشخص عن طريق ال IP Address
‘تهمة’ كبيرة!
وبين القامس انه وفي كل مرة يقال لي ان من امامي هو ضابط التحقيق ويجب ان اجيب عن اسئلته، فتتكرر الاسئلة مع بعض الإهانات منها ‘يعني يكون سبق صحفي.. احنا نراويك السبق الصحفي.. يعني يكون حرية صحافة’، ولفت الى حديث احدهم الذي قال ‘محد مخسبق هالديرة الا انتو، ما تقدرون هالديرة اللي صرفت عليكم وسوتكم، احنا كويتيين وقاعد نؤدي عملنا.. انت مو كويتي وتحب ديرتك؟’ فاجبته بالايجاب، فقال ‘ليش تعرقل عمل اجهزة الامن، هذي تهمة كبيرة’.
واضاف: ‘اعتقد انه اثناء التحقيق معي سمعت صوت زميلي بشار يدخلونه لغرفة مجاورة، وقد حرصوا على صفعي بقوة اثناء ذلك رغبة – في ما يبدو – لاخافة بشار’.
وتم اقتياد جاسم بعد ذلك معصوب العينين لمبنى آخر، اتضح انه مبنى السجن. وقال ‘ادخلت لزنزانة انفرادية قياسها 3 امتار * مترين، وبها صنبور مياه وحمام ومكان للاستحمام وفراش. وجلست هناك لعدد من الساعات حتى اخذت مرة اخرى لتحقيق آخر طال لنحو ثلاث ساعات مع عدد من الضباط، وبدا تحقيقا غير رسمي، حيث غلب عليه طابع الحوار في شتى الامور، وكانوا في تلك الاثناء ودودين على غير التحقيق في المرة الاولى واعطوني الشاي والسجائر. وكانوا يسألون اسئلة متنوعة، كان منها اسئلة عائلية وخاصة، كما سألوا عن رأيي فيما يجري في الساحة السياسية، وشرحت لهم – بناء على رغبة احدهم – السجال الذي دار في جلسة مجلس الامة بين النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع الشيخ جابر المبارك والنائب سعدون حماد عندما ادعى حماد انه قد تمت مراقبته من قبل رجال الأمن، كما شرحت لهم الأحداث الأخيرة بين رئيس مجلس النواب الأردني عبدالهادي المجالي والنواب الكويتيين لاعتقادي ان هذه هي القضية التي اعتقلوا بشار بسببها، خصوصا انه كان ضمن الوفد الإعلامي الكويتي ويملك تسجيلا لما دار. ثم بدأ تحقيق رسمي سجلت فيه أقوالي مع أحد الضباط، سألني فيه عن رأيي في الساحة السياسية، ورأيي في حل مجلس الأمة، ثم سألوني عمن يعجبني من النواب. وعن دراستي في الولايات المتحدة الأميركية. وحينها قال لي ضابط التحقيق ‘يعني لغتك الإنكليزية زينة؟’ وأجبته بالإيجاب، فقال ‘نبيك تشتغل عندنا في الترجمة شرايك؟ Part Time والراتب نتكلم فيه بعدين’. فأجبت ‘إن شاء الله نخلص ونشوف’، فأكمل وكأني لم أقل شيئا ‘لكن على شرط، أن تجيب لنا أخبار من الجريدة’، فقلت له ‘ما يجوز، يعني هل ترضون أنقل أخبار الترجمة اللي عندكم للجريدة؟’، فقال ‘شكلك تحب محمد الصقر – في إشارة لمالك جريدة ‘الجريدة’ – فأجبته ‘والله هو خوش إنسان’. ثم أتى المحقق بحبر وطلب يدي اليسرى ليأخذ بصماتي، وقال لي انني سأبصم على أقوالي، علما بان عيني معصوبتان ولا أدري ما بصمت عليه. وسألتهم بعد ذلك عن الإجراء المتبع قبل أخذي مجددا للزنزانة، فقالوا لي إن مديري الإدارة سينظرون في قضيتي صباحا ويقررون بشأنها، وتم اقتيادي بعد ذلك للزنزانة من جديد وفك العصبة عن عيني. وكانت الساعة حينها ما بعد منتصف الليل، وحاولت النوم لكني لم أستطع، وكان رجال الأمن في كل حين يأتون لسؤالي عن اسمي ويسألون المعتقلين الآخرين عن أسمائهم، فعلمت ان زميلي بشار في الزنزانة التي بجانبي، بالإضافة إلى صديقه مهلهل المضف’.
تعهد للأمن!
وفي اليوم التالي تم اقتيادي مرة أخرى معصوب العينين إلى مبنى التحقيق، فكان ضابط التحقيق ذاته هناك وقال لي إنني سأكتب تعهدا يقضي بعدم التعرض لرجال الأمن أو عرقلة عملهم، بالإضافة إلى تعهدي للحضور إلى إدارة أمن الدولة متى ما طلب مني ذلك. وتم تسليمي حاجياتي كاملة باستثناء الكاميرا التي قالوا لي ان آتي بعد يومين لاستلامها، وأعطاني كلمات عن الوطنية وأهمية الحفاظ على أمن البلاد، ثم اقتادني أحد الأفراد إلى باب يؤدي إلى خارج المبنى. فكنت طليقا، وأوقفت سيارة أجرة ركبتها إلى مقر عملي في ‘الجريدة’، لأكتشف ان لا أحد يدري بأمر اعتقالي، سوى اعتقال زميلي بشار.
من جهة أخرى أوضح أحد أقارب الصايغ انه، وفي منتصف ليلة أمس الأول، تم تفتيش منزل الصايغ وغرفة نومه من دون إذن من النيابة.
القبس
هكذا حال العرب: من توغل لآخر في بئر البدائية
ربما يكون العرب السادرين في ظلام قارتهم – الكابوس – الوحيدين الذي ما يزالون يصرون على هذا النوع الفريد جدا من ” إدارة ” شؤون الحياة والأحياء.. وبهذه الرواية ” الشيقة” تتوفر مجتمعات المعمور المتقدمة، على نموذج “حي يُرزق” لسجل البشرية الغابر، حينما كانت الاختلافات بين الناس “تُحل” بطريقة راديكالية: أي آكل ومأكول..
الرواية إياها تؤكد، أيضا، أن طريق الألف ميل، أمام تحول إيجابي في بلاد العرب، ما زال دونه شق القتاد.. وأن أحجام التضحيات المطلوبة جسيمة وجسيمة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.