تقديم
قبل ايام من موعد الانتخابات الفرعية في كورة لملء المقعد الذي شغر بوفاة النائب فريد حبيب، سال حبر كثير يستحضر ما مـرّ على الكورة من احداث منذ العام 1975، وكان اللافت ان هذه الاحداث، تم استحضارها بطريقة مبتورة، افتقرت الى ابسط قواعد الموضوعية والواقعية في قراءة الاحداث التاريخية.
والمستغرب في القراءات، التي تناولت هذا الشأن الكوراني، محاولة تنزيه طرف دون الآخر، وإعطاء صك براءة، وتطويب هذا القضاء، لحزب دون سواه.
اما الاكثر استفزازاً لمشاعر المواطنين اللبنانيين، فهو ما قيل عن أن ترشيح النقيب فادي كرم، من اميون، عن قوى 14 آذار، وحزب “القوات اللبنانية” شكل إعلان حرب على الحزب السوري القومي الاجتماعي! وكأن الحزب المذكور، لديه صك تمليك بأميون وسواها من قرى الكورة، وكان يمارس طوال فترة الحرب الاهلية، التبشير بالمحبة والسلام ناشرا حواجز الورود على طرقات الكورة وبين اهلها! أو كأن تنظيم “المردة” كان عناصره رسلا يبشرون بالغفران ومباركة اللاعنين على مذهب السيد المسيح…….
“القومي” في الكورة
شكل الحزب السوري القومي الاجتماعي “حالة” في قضاء الكورة، إلا أنها لم تكن يوما حالة عسكرية. بل أخذت بعدا ثقافيا ايديولوجيا وسياسيا، وصولا الى تشكيل الحزب عصبا لطائفة الروم الارثوذكس. وعرف من القوميين النائب السابق المرحوم الدكتور عبدالله سعاده، وعبدالله حيدر وعبدالله قبرصي وسواهم الكثير من القوميين الذين انتشروا في القرى بحيث يصح القول ان كل قرية في الكورة أخرجت للناس سوريا قوميا.
الهاجس الامني، لم يغلب على قوميي الكورة، فكانت مراكزهم العسكرية في القضاء، تضم عناصر غريبة، عن القضاء، من عكار والهرمل خصوصا، مع تواجد اقلية من ابناء الكورة في هذه المراكز، الامر الذي دفع بالنائب الراحل عبدالله سعاده الى إنتقاد ما وصفه بالممارسات الغريبة عن عادات أهل القضاء وتحديدا الميليشيوية منها.
دفعت الكورة ثمنا لخيارات الحزب السوري القومي على مستويين، الاول، الانقسامات الحزبية وصراعات الاجنحة، داخل الحزب، والثاني، ثمن سياسيات الحزب وتحالفاته على المستويين الداخلي والاقليمي.
عام 1985 كان عام الانقسام القومي بين شقين: الاول، او ما سمي بـ”جناح المجلس الاعلى” وهم من انصار عميد الدفاع السابق محمد سليم الذي قضى اغتيالا على يد انصار الحزب الرسمي بعد ان وضع يده عليه الرئيس الحالي اسعد حردان.
الانقسام في الكورة انعكس سيطرة عناصر “المجلس الاعلى” على ساحل الكورة في مواقع “دده” و”بترومين” و”المطل الاخضر” وصولا الى بلدة “القلمون”، التي تعتبر الامتداد الطبيعي لساحل قضاء الكورة، في حين بقي الحزب الرسمي، في مدينة “أميون” وجوارها.
الانقسام اخذ طابعا عسكريا دمويا على جري العادة لدى الحزب القومي. فاغتيل منفذ الكورة “خليل فارس” من بلدة “بتعبورة” على يد جماعة الرئيس حردان.
ثم تطور الخلاف الى انقضاض لجماعة حردان مدعومين من الجيش السوري على رفاقهم في المجلس في ثكنة “فيع”، وفي ثكنة “دده”، حيث دخلهما العناصر القومية الموالون لحردان بشاحنات عسكرية سورية مغطاة، فقتلوا في “دده” سبعة رفاق من المجلس الاعلى، وفي “فيع” قتلوا إثنين، في حين تمكنت قيادات من “المجلس الاعلى” من الفرار
في اتجاه قضاء البترون لتؤمن انتقالها من هناك الى اماكن أكثر أمناً، او الى خارج لبنان.
معارك “المردة”- القومي”
وبعد ان استتب الامر لجماعة حردان في الكورة، اصبحوا يشكلون الاداة السورية بامتياز، حيث تم تكليفهم بعد “مؤتمر لوزان”، بتأديب “المردة” والرئيس الراحل سليمان فرنجية، نظرا للمواقف التي اعلن عنها فرنجية في لوزان والتي لم تتطابق كليا مع الموقف السوري.
اندلعت المعارك بين المردو والقوميين، فكان ان بادر عناصر “القومي” الى الاطباق على عامود إرسال محطة تلفزيون “لبنان الحر الموحد من إهدن” والذي كان مزروعا في بلدة “فيع”، فأوقفوا إرسال محطة فرنجية التلفزيونية ونشروا حواجزهم على طول الطريق الممتد من “كفرحزير” الى “كوسبا” وعملوا على خطف الزغرتاويين المارّين. كما نصبوا منصات إطلاق صواريخ “غراد” في “جبل تربل” وقصفوا بلدة “زغرتا” بـ 1٢ صاروخا، مرغمين “المردة” وفرنجيه على قبول الشروط السورية لضبضبة انتشار “المردة” في الكورة وحصره في القرى المارونية. فضلا عن تسهيل القوات السورية حينها للقوميين إقامة حاجز عسكري مسلح في منطقة “المدفون” في البترون لمواجهة حاجز “البربارة” الكتائبي.
في “بشمزين” اعدم عناصر القومي 3 شبان ميدانياً بحجة انهم يتعاملون مع “المردة”.
أما ابرز الذين سقطوا من الحزب القومي في معارك الكورة، القائد العسكري السوري القومي، عاطف الدنف، (ثائر)، بطل عملية الفرار الكبير من معتقل انصار في الثامن من آب من العام 1983 على رأس مجموعة تضم حوالي 30 معتقلاً على الرغم من الحراسة المشددة.
الحزب السوري القومي نعى لاحقا القائد الدنف على أنه “إستشهد في 15 تموز 1984 في معركة تحرير طرابلس”، !!! حسب ما ذكر على صفحة الموقع الرسمي للحزب السوري القومي الالكتروني،
http://ssnp.net/content/view/11732/
إذ إقتضت ضرورات التحالف مع المرده لاحقا التنكر للموقعة التي سقط فيها الدنف في المواجهة مع المرده.
إلا أن الخلاف بين “المردة” والقوميين لم يدم طويلا، حيث بادرت القوات السورية الى تطويب “المردة” بإسم النائب الحالي سليمان فرنجية مبكرا، وكان يطلق عليه حينها تسمية “سليمان الصغير”، لتمييزه عن جده الذي كان ما زال على قيد الحياة حينها، ولصغر سنه. وتم إقصاء عمه “روبير فرنجيه” عن قيادة “المردة” والعمل السياسي بعد أن رفض التعاطي مع القوميين. فأظهر “روبير فرنجية” اعتراضه على آداء السوريين والقوميين بالتحاقه لاحقا بالعماد عون.
رفعت الأسد و”حلف الأقليات”
وبعد تطويب الحزب القومي بإسم النائب الحالي اسعد حردان، والعمل لشق “القوات اللبنانية” ودعم ايلي حبيقة فيها، الزمت السلطات السورية كل من فرنجية وحبيقة والحردان على التحالف في ما بينهم. ولأن فرنجية كان حينها الطرف الاضعف والاكثر طراوة العود، فقد سلم القوميين بناء على طلب السوريين ارشيف “المردة”، الذي كان السوريون يطالبون به، خصوصا محضر لقاء الجبهة اللبنانية في اهدن، والذي حضره رفعت الاسد شقيق الرئيس السوري بشار الاسد، وعرض حينها على الجبهة اللبنانية إقامة حلف للأقليات يضم العلويين في سوريا والمسيحيين في لبنان والاسرائيليين!
الكورة وقعت ايضا تحت تأثير نفوذ القوميين. فكانوا يمارسون دورا ميليشيويا أسوة بسائر الميليشيات فهجّروا من هجّروا، ممن لا يوافقهم رأيهم السياسي، كما انهم دخلوا النسيج الاجتماعي للقضاء، وصولا الى التدخل في زيجات العناصر، بحيث كان المسؤولون القوميون يشيرون على عناصرهم بالزواج من هذه “الرفيقة” او تلك من عكار او البقاع، او سوى ذلك من المناطق.
الكورة ايضا دفعت ايضا ثمن سيطرة “المردة” على القضاء بدعم من القوات السورية، ولم يكن “المردة” ارحم على أبناء الكورة من القوميين.
معارك بدايات الحرب: اسباب ومسببات
باكورة الممارسات التي بدأها عناصر “المردة” كانت عام 1976، حين قرعت الاجراس في القرى المسيحية عامة في كل لبنان، وتنادى المسيحيون لاسترجاع بلدة “شكا”، التي دخلتها حينه ما يسمى بـ”القوات المشتركة” من فلسطينيين واحزاب يسارية وجند الله، بقيادة فواز آغا، وما يسمى بـ”حركة 24 تشرين” التابعة لفاروق المقدم، جميعهم انضووا تحت قيادة “لواء اليرموك الفلسطيني”، بقيادة الحاج اسماعيل، الذي دخل الى شكا، آخذا في طريقه قرى وبلدات “وجه الحجر” و”حامات” في قضاء البترون، وأقام الحاج اسماعيل مقر قيادته في بلدة “حامات”.
هجوم شكا، كان وسيلة للضغط على الكتائب والجبهة اللبنانية لفك الحصار عن مخيم تل الزعتر. إلا أن هذا الهجوم حصد مئات القتلى من المسيحيين في شكا والقرى البترونية، فضلا عن الارتكابات الاخرى، التي طاولت النساء كما قيل وقتها.
هجوم شكا، لم يعمر طويلا، فبعد أقل من 48 ساعة، بدأ الهجوم المضاد الذي شارك فيه الجيش اللبناني، بقيادة حنا سعيد وقتها، وقائد فرقة المدفعية ميشال عون، وقادة ميليشيات الكتائب امين وبشير الجميل، وشبل عيسى الخوري، قائدا عسكريا للواء بشري العسكري، حيث قتل عيسى الخوري في اميون. وشارك فيه “المردة”، بقيادة النائب طوني فرنجيه، وما سمي حينها بـ”لواء عكار” وجميع أقسام الكتائب في المناطق المجاورة للكورة والبعيدة عنها.
الهجوم المضاد ترافق مع انسحاب اللواء الفلسطيني، من الكورة نحو طرابلس، من دون حتى إبلاغ سائر المسلحين من يساريين وسواهم. فقاتل هؤلاء لتأمين انسحابهم، وسقطت الكورة بيد القوات المسيحية في اقل من يومين.
الدخول الثاني لـ”المردة” الى الكورة كان في اعقاب مقتل النائب طوني فرنجيه، حيث انتشر عناصر “المردة” من زغرتا في اتجاه البترون مرورا بالكورة خلف الجيش السوري، وكانت لهم ما كانت من ردات فعل إنتقامية على كل من اشتبهوا او لم يشتبهوا بتورطه في مقتل النائب فرنجيه.
وممارسات “المردة” في الكوره لا يمكن ذكرها، دون إغفال قيامهم بهدم منزل النائب السابق فؤاد غصن في كوسبا، إثر إنتخاب الرئيس بشير الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية. ومع ان النائب غصن شارك في جلسة الانتخاب، واقترع للرئيس الجميل، إلا أن النائب المرحوم الاب سمعان الدويهي، شارك في جلسة إنتخاب الرئيس بشير الجميل بدوره، من دون ان يجروء “المردة” ان يتعرضوا لمنزله في زغرتا او في اهدن، وهو استمر يتردد على مسقط رأسه، في حين ان غصن تم تهجيره.
وفي حين استمر التواجد العسكري الكتائبي والمسيحي، في الكورة اقل من سنة ونصف والسنة، فإن هيمنة “المردة” استمرت منذ العام 1978 حتى العام 1985، تاريخ حملة التأديب القومية للرئيس فرنجيه، ليستمر بعدها نفوذ “المردة” في القرى المارونية في القضاء.
اما سيطرة القوميين، الميليشيوية، فلم تغب يوما عن الكورة وهي مستمرة الى اليوم.