القَيَم الجديدة للفرنسيين: المساواة والتسامح والعمل والسعادة، والدين خامساً والسياسة أخيراً

3

الأغلبية الساحقة من الفرنسيين لا تتقبّل سرقة سيارة أو الغشّ في تعبئة إستمارة الضرائب أو تعاطي المخدرات، ولكنها تتقبّل الطلاق، والإجهاض، والمِثلية، وحق المريض بمرض مستعصٍ في إنهاء حياته. ويعتبر 9 من أصل 10 فرنسيين أنهم “سعداء” في حياتهم، ولكن ثلثي الفرنسيين يعتبرون أن السلطات الحكومية “لا تعمل بصورة حسنة”.

ويعتبر 9 من أصل 10 فرنسيين أنهم “فخورون بأن بكونوا فرنسيين”، وبالمقابل تراجع العداء للأجانب. وبالتفصيل، 41 % فقط يطالبون بإعطاء الأولوية للمواطنين (على حساب الأجانب) في فرص العمل (مقابل 52 % في 1999)، وانخفضت نسبة الذين لا يريدون “جاراً من سلالة أخرى” من 9 % في 1999 إلى 3 % حالياً، وانخفضت نسبة الذين لا يرغبون في الغجر (“النَوَر” بتسمية عربية شائعة) كجيران لهم من 40 إلى 24 %، ونسبة الذين لا يريدون جيراناً من اليهود من 6 إلى 3 %.

ولأول مرة منذ 30 سنة، فقد أصبح مطلب “المساواة” (57 %) أهم من مطلب “الحرية” (40%) في نظر الفرنسيين، وذلك رغم خُطَب الرئيس ساركوزي ضد “نزعة المساواة بأي ثمن”.

بالمقابل، فإن شعار “العمل أكثر” الساركوزي يجد قبولاً لدى الفرنسيين، ولو أن معظمهم لا يعتبرون أن الهدف منه هو أن “يربحوا أكثر”. 78 % من الفرنسيين يعتبرون أنه ينبغي للمرء أن يعمل “من أجل تطوير قدراته بصورة وافية” (وهذا ينطبق بصورة خاصة على “الكوادر” أكثر منه على العمال اليدويين). ويعتبر 73 % (مقابل 56 % في 1999) أن “العمل هو واجب إزاء المجتمع”… وربما بسبب زيادة البطالة في العام الحالي بسبب الأزمة العالمية، فقد ارتفعت إلى 42 % (مقابل 34 % في العام 1999) نسبة الذين يوافقون على أن “العمل ينبغي أن يتمتّع بالأولوية، حتى لو تسبّب بتقليص الوقت المتاح للترفيه”.

ما سبق هو بعض خلاصات إستقصاء رأي بعنوان “فرنسا عبر قِيَمها” نشرت خلاصاته جريدة “لوموند” اليوم. وأهمية هذا الإستقصاء هو أنه الثالث منذ العام 1981، أي أنه يتكرّر (على مستوى فرنسا، وعلى مستوى أوروبا كلها) كل 9 سنوات (1981) 1990، 1999، 2008). ويغطي الإستقصاء تطوّر عقليات الناس في جميع النواحي تقريباً: من الحياة الخاصة إلى العلاقات مع السياسة ومع المؤسسات العامة، ومن التغييرات على مستوى الأسرة إلى التغيرات في العلاقة مع العمل أو الدين. ومن النشاطات الترفيهية إلى العلاقة مع المال..

على العموم، إستقصاء الرأي الجديد يظهر مجتمعاً فرنسياً أكثر تجزؤاً، مع بقاء “النزعة الفردية”على حالها دون زيادة أو نقصان.

الأسرة والعمل والأصدقاء والمسرّات أكثر أهمية من الدين والسياسة

سلّم القِيَم الفرنسي، حسب الأهمية، هو الأسرة، وهي القيمة الأولى لدى الفرنسيين (97 %)، ويليها العمل (94 %)، والأصدقاء والعلاقات الإجتماعية (90 %)، و”المسرّات” (84 %)، ثم الدين (45 %، مقابل 42 % فقط في العام 1990)، والسياسة (38 %، مقابل 32 % في 1990).

أحد الظواهر الملفتة للنظر في إستطلاع الرأي هي زيادة نزعة “التفرّد” لدى المواطن الفرنسي، وذلك ليس بمعنى “الفردية” المألوف، بل بمعنى زيادة تأكيد المواطن على إستقلاليته، وعلى قدرته على توجيه عمله بدون تأثّّر بالغير وبدون إكراه. ويعتبر المشرفون على الإستقصاء أن تراجع “إشباع الكاثوليكية” للمجتمع الفرنسي، أي زيادة “علمنة المجتمع”، مسؤولة بنسبة كبيرة عن هذا التأكيد المتزايد لاستقلالية الفرد. وربما كذلك “سقوط الإيديولوجيات” (يمكن، ربما، إعتبار هذا التطوّر معاكساً تماماً لتطوّر بعض المجتمعات العربية والإسلامية إلى مزيد من “الخضوع للفتوى” لتقرير السلوك الشخصي. أي أنه معاكس تماماً لـ”فتاوى الهاتف”، ولدور قناة مثل “الجزيرة” (ومثلها القنوات السعودية “الوهّابية”) في إخضاع الفرد لأخلاقية يرسمها مشايخ السلاطين، سواءً الشيخ القرضاوي أو غيره.

يمكن للقارئ مراجعة مقالات لوموند بالفرنسية التي وضعنا لها رابطاً في الصفحة الفرنسية، أو على:

[http://www.lemonde.fr/societe/infographie/2009/04/24/comment-evoluent-les-valeurs-des-francais_1185178_3224.html
->http://www.lemonde.fr/societe/infographie/2009/04/24/comment-evoluent-les-valeurs-des-francais_1185178_3224.html

]

لكن، ما هو سلمّ القِيَم للمواطن العربي؟

ببساطة، نحن لا نعرف!

أولاً، لأن إستقصاءات الرأي الحرّة ممنوعة، أو غير مرغوبة، في معظم الدول العربية. وثانياً، لأن إستطلاع الرأي يقوم على مبدأ أن للمواطن “رأياً”، وهذه مسألة “فيها نظر” عربياً، إما بسبب الإستبداد العام، أو لأنه قد لا يكون “من حق الأقليات” مثلاً أن تبدي “رأياً”، إلخ..

من جهة أخرى، فغياب إستطلاعات الرأي الحقيقية لا يسمح حتى بقبول “فرضية” أن الدين يحتلّ المرتبة الثانية أو الأولى أو الثالثة في سُلَّم القيم العربي! ففي غياب إستطلاعات الرأي، والإنتخابات السياسية أو حتى “المحلية” الحرة، وفي غياب الصحافة الحرّة (مواقع الإنترنيت السياسية، بما فيها “الليبرالية” المزعومة، تابعة لسلطات أو أمراء..)، فلا توجد أداة واقعية لتطبيق مبدأ “قُل لي ما هي قِيَمَك، لأقول لك من أنت”!

هذا يعني أنه ليس مؤكّداً أن تكون المجتمعات العربية متّجهة إلى مزيد من “التديّن” أو إلى مزيد من “الأصولية”. ببساطة، نحن لا نملك الأدوات العلمية لقياس تطوّر القِيَم العربية، وبينها لقياس “مكانة الله في المجتمع العربي الحديث”!

من جهة أخرى، لا يرد “التعليم” (بالمعنى المدرسي أو الجامعي) ضمن أولويات القِيَم الفرنسية، وهو مشمول بنسبة 84 % التي تغطيها كلمة “الترفيه” أو “المسرّات”.. الأرجح أن “التعليم” سيكون ضمن أولويات سلّم القِيَم العربي مع “تزايد الأمّية” (وليس تناقصها) في عدة مجتمعات عربية (حتى لبنان)، ومع انهيار أو تدهور نظم التعليم العام في بلدان كثيرة (بينها سوريا ومصر وليبيا والجزائر.. وحتى بعض مناطق لبنان).

نقطة أخرى مهمة: أيّها أهم في القِيَم العربية المعاصرة: الحرّية أم المساواة؟ مرة أخرى، لا نعرف!

هل “السلام”، مثلاً، قيمة عليا عن العربي المعاصر؟

ما هي مرتبة “فلسطين” في سلّم القِيَم العربية؟

[orange fonce] في المستقبل، ينوي “الشفّاف”، لأنه الموقع السياسي العربي شبه الوحيد غير المموّل بـ”الدولار العربي”، أن يتطّور باتجاه إجراء إستطلاعات معمّقة للرأي. وهذا سيتوقّف على مدى الدعم المالي الذي يحصل عليه “الشفّاف” من قرّائه، أي من المواطنين العرب. وهذا الدعم غير كافٍ حتى الآن!

في هذه الأثناء، فإن ذلك هو المقصود من إفساح المجال لـ”تعليقات القرّاء”. “الشفّاف” يشجّع قراءه على نشر وجهات نظرهم، وهو ينشرها كلها إلا حينما تتجاوز حدود التخاطب اللائق. كل رأي مهم، وكل رأي يستحق التعبير والنشر..!
[/orange fonce]


سنكون ممتنّين لكل القرّاء الذين سيشاركون، عبر تعليقاتهم على هذا المقال، في “إستطلاع رأي عربي إفتراضي” حول قَيَمنا المعاصرة.

أيها القارئ، ما هو سلّم أولوياتك؟

3 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد سعد الدين
أحمد سعد الدين
15 سنوات

القَيَم الجديدة للفرنسيين: المساواة والتسامح والعمل والسعادة، والدين خامساً والسياسة أخيراً
الحرية ، المساواة ، الثقافة ، السعادة ، السياسة

زكي الدهوي
زكي الدهوي
15 سنوات

القَيَم الجديدة للفرنسيين: المساواة والتسامح والعمل والسعادة، والدين خامساً والسياسة أخيراً
تجاوبا مع دعوة الشفاف لقرائه , استأذن بتحديد القيم التي أظن أن لها الأولوية في الاهتمام:
العمل , الحرية السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ,العلم ,الصحة,الترفيه, الأصدقاء.

وائل الياس
وائل الياس
15 سنوات

القَيَم الجديدة للفرنسيين: المساواة والتسامح والعمل والسعادة، والدين خامساً والسياسة أخيراً
فكرة رائعة جداً، و سلم أولوياتي هو التالي :
الأسرة،حرية،مواطنة،تعليم،عمل، أصدقاء،ترفيه،سياسة،دين

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading