وفق الباحث الإيراني مهدي خلجي، فإننا إذا اعتبرنا القرآن خطابا، أو كلاما شفهيا، فسوف لن نجد فيه أي تناقض، في حين تتحقق فرضية التناقض من خلال اعتبار القرآن مصحفا (أي نصا مكتوبا). فالنص وكأن شخصا قد كتب كتابا من بدايته حتى نهايته. في حين أن القرآن هو خطاب، أو مجموعة من الكلام الشفهي، قيل خلال فترة تتجاوز العشرين عاما وفي ظروف مختلفة، لذلك سوف لن نشهد أي تناقض فيه. وما يتراءى لنا بوجود نصوص متناقضة يتأسس إنطلاقا من اختلاف الظروف التي قيلت خلالها الآيات، لكنها لا يمكن أن تكون متناقضة.
يرى خلجي بأن المفكر الجزائري/ الفرنسي الراحل محمد أركون، هو من روّاد فهم القرآن باعتباره خطابا وكلاما شفهيا. بينما المفكر المصري الراحل نصر حامد ابوزيد يعتقد بأن أركون على الرغم من رؤيته الخطابية تلك لكنها تحمل طبيعة واحدة لشكل العلاقة: طبيعة أنا (المتكلم) – أنت (النبي) وأنتم المؤمنون. فشكل العلاقة التي يطرحها القرآن، وفق أركون، كما يقول خلجي، ينتمي إلى أنا المتكلم وأنت المخاطَب أو أنتم المخاطَبون.
يقول ابو زيد بأن ذلك قد يكون هو النوع الغالب على شكل العلاقة، لكنه ليس النوع الوحيد في ظل تباين الخطاب القرآني. وعليه، لا يُمكن أن نسمع صوتا واحدا من القرآن، بل أصواتا مختلفة. فالصوت “المقدس” لا يخرج دائما من ضمير المتكلم “أنا”، بل يخرج في كثير من الأحيان من ضمير الغائب “هو”. ففي الخطاب التعبدي يُشار إلى الأمر المقدس بضمير “أنت”، لكنه يتبدل إلى كلام إنسان يخاطب الله بحثا عن الهداية، فيصبح نوعا من الحوار المباشر الذي يعكس الطبيعة الخطابية للقرآن. وحينما نتصور بأن الآيات القرآنية هي كلام وحياني خرج من لسان النبي في ظروف مختلفة، سوف لن نجد فيه تناقضا، ولن نعتبره مصدرا لأحكام نهائية في ظل الطبيعة التاريخية للقرآن.
یشیر ابو زيد إلى أمثلة عديدة بوصفها حصيلة تلك النظرة. أحدها هو زواج الرجل المسلم من إمرأة كتابية أو العكس. وبما أن جزءا من الكلام الشفهي في القرآن هو عبارة عن حوار، فالمؤمنون كانوا يسألون النبي، فيما هو يرد عليهم بلسان الوحي. فهم يسألونه في مسائل مختلفة، كتلك المتعلقة بشرب الخمر ولعب القمار ونوعية الطعام والصدقات والحروب في الأشهر الحرم، وكانت بعض إجابات النبي ردا على سؤال واحد متباينة، لأنها كانت تعكس الرد على سؤال في إطار ظرفين مختلفين. من هنا طرح الفقهاء، المؤمنون بـ”النص”، بحث الناسخ والمنسوخ والعام والخاص من أجل معالجة تلك التباينات.
يشير ابو زيد إلى آيات في سورة المائدة تتساءل عمّا هو مباح، فتشير إلى مشروعية الأكل والزواج من أهل الكتاب. لكن الفقهاء يعتقدون، حسب ابوزيد، بأن ذلك التشريع قد تم نسخه بالآية 221 من سورة البقرة التي منعت المؤمنين من ان يتزوجوا من نساء المشركين. ويستشهد ابوزيد بقول ابن رشد في “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”، الكتاب الثامن، باب النكاح، الجزء الثاني، بوجود رؤيتين في الفقه حول هذه الجزئية: الأولى تقول بأن آيات سورة المائدة التي تشرع لزواج المسلم من إمرأة من أهل الکتاب هي أحكام خاصة، وبالتالي هي تعتبر خارج إطار الحكم العام الذي يحرّم زواج المسلم من إمرأة مشركة. أما الرؤية الثانية فتقول بأن الآية في سورة البقرة نسخت حكم آيات سورة المائدة، وبالتالي فإن زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية يصبح غير جائز. أي أن الفقهاء هنا يعتبرون القرآن “نصّاً” ومرجعا قانونيا ولا يمكن أن يقبلوا وجود تناقض أو تباين بين آياته.
لکن وفق ابوزيد، إذا استطعنا التمسك بالطبيعة الخطابية الكلامية الشفهية للقرآن، حينها نستطيع أن نخرج من إطار النسخ والتخصص، وسيتشكل أفق أوسع أمام أعيننا، وسوف نستطيع القول بأن سورة البقرة هي عبارة عن خطاب منفصل عن خطاب سورة المائدة. فالخطاب في سورة البقرة هو حول الانفصال عن المشركين، أي هو يدعو المسلمين إلى عدم التدخل في أمور المشركين في مقابل عدم تدخل المشركين في أمور المسلمين. لكن الكلام في سورة المائدة هو حول تعايش المسلمين مع أهل الكتاب. أي أن المسلمين سألوا النبي مجددا وفي ظروف جديدة مغايرة عن حكم مسألة كانوا يعرفون إجابتها، لكنهم لا يعلمون بأنه هل الحكم سيتغير أم سيبقى كما هو في ظل تغير الظروف. ففي الظرف الجديد المغاير، عاش المسلمون مع اليهود في المدينة، وانطلاقا من ذلك حث خطاب الوحي المسلمين هذه المرة على التعايش مع أهل الكتاب وعلى الزواج منهم ودعاهم إلى أن يأكلوا من طعامهم.
باعتقاد ابو زيد، فإن سؤالا هنا يفرض نفسه: أي قاعدة يجب أن تهيمن على المسلمين وفق فهمهم للقرآن؟ هل هي قاعدة التعايش أم قاعدة الابتعاد والانفصال؟ هل يمكن تحقيق التعايش من دون تحقيق المساواة والتعاون في الحياة العادية وفي المأكل وفي الزواج؟ هل اللامساواة بين الرجل والمرأة، في ظل شروط التعايش التي تقتضي المساواة بين الناس، ممكنة؟ وفي ظل شروط الحياة الحديثة، والتي تتفاوت فيها الظروف عن السياق الذي نزلت خلالها الآيات، هل يستطيع الله أن يغض البصر عن التغييرات الاجتماعية التي حصلت، وأن يكلّف الناس بأحكام لا تتماشى مع ظروفهم الإنسانية والتاريخية؟
وفق ابو زيد، يجب إعادة فهم الأصل والفرع في الخطاب القرآني. فالله لم يضع فرقا بين الرجل والمرأة حينما تعلق كلامه بالعبادات. لكن، حينما وصل الخطاب إلى الشأن الاجتماعي، ظننّا بأنه كلام تمييزي. فالخطاب القرآني الذي يشير إلى الظروف الاجتماعية، للمرأة، على سبيل المثال، يتعلق بسياق نزول الآيات. في حين لابد أن یکون مبدأ الكلام مرتبطا بالآيات التي تتحدث عن الحالة التعبدية للرجل والمرأة والتي لا يوجد في ثناياها أي تمييز بينهما. فالآيات المتعلقة بالظروف الاجتماعية هي الفرع. فلو كان النبي موجودا اليوم ويستطيع المسلمون أن يوجهوا إليه أسئلة تتعلق بظروف حياتهم ويطالبونه بحكم يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فإن الله ومن دون أي تردد كان سيحكم بتأييد المساواة.
يقول ابو زيد بأن المسألة تتلخص في السؤال التالي: هل نحن نعترف بحرية الإنسان؟ فإذا لم يعترف الشخص الذي يمارس عملية تأويل الكلام القرآني بأصل الحرية الفردية للرجل والمرأة، أي الحرية وفق إطارها الحديث، ولم يعترف بحق الإنسان في اختيار دينه، فإن طريق الخروج من أفق الذهنية المتشددة سيكون مسدودا، لأن هذه الذهنية مستعدة أن تضحي بالقرآن لصالح فكرها الظلامي التاريخي، وستمنع أي تعايش سلمي بين المسلمين والآخرين، وترفض الشراكة مع الشعوب الأخرى في إطارها المدني.
كاتب كويتي
Fakher_alsultan@hotmail.com
القرآن بوصفه خطابا (2-2)الاخ وليد وانا ايضاً لااعرف الاخ فاخر وخلافي معه فكرياً وليس شخصياً وانا يشرفني ان اتعرف عليه وان نكون اصدقاء وانت كذلك ، اخي وليد ذكرت في تعليقك الاخير كلام ليس له علاقة بالموضوع ١- انت قلت ( وانا واثق ان الله سيحشره في الجنة وناقديه سيحشرهم في الظلام ) وانا فهمت ذلك قياساً على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجة الصحابي عثمان بن مظعون عنهما قالت انه في الجنة : وما ادراك انه في الجنة ؟ والله اني لرسول الله ولا ادري مايفعل الله بي غداً ، لا تتأ لّوا على الله ، وسألتك… قراءة المزيد ..
القرآن بوصفه خطابا (2-2) الى الأخت أم سلمو لا تسيئي الظن بالكاتب، وانا ليس هو. انا لم أتشرف بمعرفته. ولم التقيه، ولم أعرف أنه كويتي الّا حينما قرأت تعليقات المقال. لم أكتب بأسمي المستعار، وأيميلي مكتوب فوق تعليقي. ولم أتكاتب معه ولم اتبادل معه الرسائل والايميلات. أما دخول الجنه فقد فهمتيه أصولياً وحرفياً يا أم سلمو ، لم تستقبلي ذلك بقلب أمّ، بل بقلب فقيه متعنّت.. وبأسلوبِ رجل يتخفى خلق الامومه… لندعو للأستاذ فاخر معاً أن يدخل الجنة بعد عمرٍ طويلٍ مديد بسبب أفكاره الأصلاحيه التي تردّ الأعتبار لديننا وتاريخنا وليشارك الأسلام التنويري الذي فتح ختمه الرسول ، ليشارك معنا… قراءة المزيد ..
القرآن بوصفه خطابا (2-2)ياابني يارقم ٣ انا من جيل امك او ربما جدتك ومانسيته انا انت الان تتعلمه وانا انتقدت الكاتب على اللغط الذي وقع فيه وربما اراد ان يدافع عن نفسه باسم مستعار كما افعل انا هنا اما اذا كان قد اوكل اليك مهمة الدفاع عنه فهذه نقطة ثانية عليه لقول الشاعر : اذا كنت مرسلاًفي حاجة …. فأرسل حكيماً ولا توصه ، اما اذا كان هذا العمل تطوعاً منك فهذا اسمه تصرف الفضولي او الحشري او ( كثير الغلبة ) فعدم المؤاخذة من انت حتى تثق بدخوله الجنة ؟؟؟؟ ام انك تجسد قول الشاعر : يقولون هذا جائز… قراءة المزيد ..
القرآن بوصفه خطابا (2-2)هذه هي المرة الأولى التي اتنبه فيها الى أن فاخر السلطان كاتب كويتي .. ظننت أن أهل الكويت سيفخرون بهذا الرجل الذي يلخّص أزمة فهمنا للأسلام، والتي تجعل الأسلام بعيداً عن الأطار الحضاري لعصرنا. فالكاتب يضع أصبعه على موقع الألم: “فإذا لم يعترف الشخص الذي يمارس عملية تأويل الكلام القرآني بأصل الحرية الفردية للرجل والمرأة، أي الحرية وفق إطارها الحديث، فإن طريق الخروج من أفق الذهنية المتشددة سيكون مسدودا، لأن هذه الذهنية مستعدة أن تضحي بالقرآن لصالح فكرها الظلامي التاريخي.” والكاتب يوضح بالدقه أن من يفسر القرآن يجب أن يقف بجانب فكر القرآن الأنساني المتسامح المتعايش والحضاري… قراءة المزيد ..
القرآن بوصفه خطابا (2-2)ياأسفي عليك يافاخر …. هل انت من الامة التي وصفها الله عز وجل بقوله 🙁 كنتم خير أمّة أخرجت للناس ) هل هذا هو ردّالجميل لله سبحانه وتعالى على اكرامه لهذه الامة ؟ هل بهذه الصفاقة والسماجة تتعامل مع كلام الله العظيم ؟ لينطبق عليك قوله تعالى ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون ) بماذا ستجيب الله يوم القيامة على هذا الافتراء ؟ ارجع الى النت واقرأماقاله اركون بنفسه عن موقف الغرب منه رغم كل الخدمات التي قدمها لهم عن تشويه وتحريف للقرآن الكريم ،… قراءة المزيد ..
القرآن بوصفه خطابا (2-2)
يافاخر لقد بدأت مقالك بقولك : وفق الباحث الإيراني …. يرى خلجي …… يقول أبو زيد …… يشير أبو زيد …… يشير أبو زيد ……. لكن وفق أبو زيد …. باعتقاد أبو زيد …… وفق أبو زيد …… يقول أبو زيد ….. ، وعليه أرى بأنه كان من المفروض أن توقع المقال ليس بقولك : كاتب كويتي ؟؟؟؟؟؟ بل : كاتب أبو زيد .