ثمة ما يشبه دفقة مفاجئة من الأدرينالين تجري في عروقنا هذه الأيام. فبعد سنوات من الخمول والتكرار، يبدو المشهد السياسي الفلسطيني مرشحا لتطوّرات جديدة يصعب التنبؤ بما ستسفر عنه من نتائج.
يدور الكلام، الآن، عن إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد. ورغم أن الفلسطينيين أكدوا عدم العودة إلى طاولة المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان، إلا أن التصريحات الصادرة من رام الله، والتصريحات المضادة الصادرة من تل أبيب، تُعتبر نوعا من التفاوض، بحكم ما تنطوي عليه من إشارات، وتلميحات، وإجراءات مضادة، يحاول الطرفان من خلالها اختبار النوايا، واستكشاف حجم وطبيعة ردود الفعل المحتملة.
وفي جميع الأحوال فإن لهذا التراشق في المواقف والتصريحات منطقه الخاص، بمعنى قابليته للتراكم، وخلق ديناميات جديدة، ربما لم تكن متوّقعة من جانب الطرفين. وهذا ما يجب أن نخشى منه، لكي لا نقع في مصيدة صنعناها بأنفسنا كما حدث في مرّات كثيرة سابقة.
الأكيد، الآن، أن “عملية السلام” المألوفة، والمعروفة على مدار سنوات كثيرة مضت، لم تعد مُقنعة، وأن الطرف الفلسطيني يشعر بضرورة تغيير قواعد اللعبة. وهذا، في نهاية الأمر، معنى الكلام عن إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، ومعنى الذهاب إلى مجلس الأمن.
والأكيد، أيضا، أن إسرائيل لا تقبل نقل المجابهة مع الفلسطينيين من طاولة المفاوضات الثنائية، حيث تملك مختلف أوراق الضغط، إلى أروقة المحافل والمؤسسات الدولية حيث يمكن مجابهة ما لديها من أوراق الضغط بما لدى الفلسطينيين من قدرة على الاستفادة من قرارات الشرعية الدولية، ومن تفهم وتعاطف ومساندة أطراف مختلفة في الإقليم والعالم.
وقد عبّر الإسرائيليون عن رفضهم لخروج الفلسطينيين على قواعد اللعبة من خلال تهديدات صريحة ومبطنة على رأسها بسط السيادة الإسرائيلية على المناطق الاستيطانية في الضفة الغربية، وإلغاء اتفاقات أوسلو، بما فيها الاتفاقات الاقتصادية.
ما لم يقله الإسرائيليون أنهم لن يعيدوا احتلال الضفة الغربية، ليس لأنها واقعة تحت الاحتلال، بالفعل، ولكن لأن إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل إنشاء السلطة الفلسطينية لا يعتبر خيارا مغريا بالنسبة للإسرائيليين، لأنهم لن يتمكنوا من تسديد الفاتورة السياسية، والاقتصادية والأخلاقية للاحتلال.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين فإن بقاء الحال على ما هو عليه لم يعد خيارا مجديا، وبالتالي أصبحوا أقرب إلى التفكير في خيارات حتى وإن كان من بينها حل السلطة الفلسطينية نفسها. وهي مغامرة لم تعد محفوفة بكثير من المحاذير كما كان الشأن في سنوات مضت. فالمخاطر التي تكتنف استمرار الوضع على حاله تبدو أكثر قسوة وأبعد أثراً.
هذه السيناريوهات والسيناريوهات المضادة تفتح الباب أمام احتمالات غير متوّقعة. وإذا كانت الاحتمالات غير المتوقّعة ذات جاذبية خاصة في الأدب، فهي ليست كذلك في السياسة، بمعنى أن على الفلسطينيين أن يزنوا خطواتهم ومواقفهم بميزان الذهب. وهذا يستدعي أمرين:
أولا، التمسك بالخروج على قواعد اللعبة، وعدم التعامل مع أمر كهذا كمناورة تفاوضية يمكن التراجع عنها. لقد طُرح موضوع إعلان الدولة قبل عشر سنوات، وينبغي في الوقت الحاضر التفكير في الموانع التي حالت دون ذلك في حينه، وما إذا كان الوضع تغيّر بالفعل، أم أن العقبات السابقة ما تزال قائمة.
ثانيا، اختبار طبيعة السيناريوهات البديلة قبل البدء بتنفيذها على الأرض. فإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد يعني، ضمن أمور أخرى، اختبار هذا البديل من خلال مشاورات ثنائية مع الدول الفاعلة في الإقليم والعالم، لحشد أكبر قدر ممكن من الدعم والتأييد، وإلا تحوّلت خطوة كهذه إلى مجرد قفزة في الهواء.
وبالقدر نفسه، فإن الشروع في أمر كهذا على الأرض يستدعي التكهن بردود الفعل الإسرائيلية المحتملة، وما يخلقه الواقع من ديناميات، بما فيها احتمال حل السلطة الفلسطينية، والدخول في مجابهة مكشوفة مع الاحتلال، وما ينجم عنها من مضاعفات، فقد يجد الإسرائيليون في خيار الصوملة بديلا أقل تكلفة من الاحتلال المباشر. وفي هذا الصدد، ربما حان الوقت لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، بطريقة تعيد إليها زمام المبادرة، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وباعتبارها مرجعية عليا للسلطة الفلسطينية بالفعل لا بالقول.
التحرّك في هذا الاتجاه لن يجيب على أسئلة من نوع توحيد الصفوف، والمصالحة لكنه كفيل بخلق أجواء جديدة ستطرح، بالتأكيد، إجابات مختلفة عن السائد والمتداول هذه الأيام.
أخيرا، مع دفقة الأدرينالين تلتهب المشاعر، ويزداد الميل إلى البلاغة، وهذا ما يجب تفاديه بكل طريقة ممكنة. إن استخدام هراوة غليظة لا يتناقض مطلقا مع ارتداء قفازات حريرية ناعمة. وفي جميع الأحوال السياسة الصحيحة لا تعني القفز في المجهول، ولا تعني الإقدام على مجازفات غير محسوبة، بل تعني تقديم الثمن المناسب، في الوقت الصحيح، لتحقيق هدف واضح وصريح. نحن في مأزق، والإسرائيليون في مأزق، أيضا. ولن نتمكن من تحقيق الفوز بالضربة القاضية، بل بالنقاط.
Khaderhas1@hotmail.com
الفوز بالنقاط لا بالضربة القاضية..!! هذا بيان كان لي الدور الاساسي في تأليفه وتكرمت بنشره (كمقال !) صحيفتين عربيتين , عشية خطاب اوباما للعالم الاسلامي في القاهرة , والجدير ذكره ان الفقرة المتعلقة بحماس جاء بها احد الزملاء (اليهود) وان اكثر من ثلث الذين وقعوا عليه آنذاك (50 الف) يهود ايضا .. باعتقادي ان هذا المخرج الواحد الوحيد للشعب الفلسطيني من حالة اليأس والضياع والمراهقة السياسية ذات العواقب الدموية : RECOGNIZE THE PALESTINIAN STATE NOW This week President Obama will finish his meetings with the leaders of the region and will be ready to address the Arab and the Muslims… قراءة المزيد ..