يرفع رئيس الجمهورية ميشال سليمان الاستحقاق الرئاسي من كونه استحقاقا شخصيا وسياسيا الى مصاف الاستحقاق الدستوري الذي يجب أن يؤسس لمرحلة جديدة تخرج البلاد من مرحلة تداعي الدولة الى مرحلة النهوض بها.
قد لا ينجح الرئيس في ما يبتغيه، قبل مغادرة قصر بعبدا، وبعد ست سنوات من تحمل مسؤولية الرئاسة الاولى، لكنه يظهر في سلوكه ومواقفه منذ مدة، أنه يخرج من موقع الجلوس في الوسط بين متخاصمين، نحو موقع استنقاذ الدستور والمؤسسات بعدما اثخنتهما حدة الصراع الداخلي وتداعيات الازمة السورية على ثوابت الدولة والكيان.
كان اعلان بعبدا الخطوة التأسيسية في هذا المسار، لاسيما التمسك بخيار عدم التدخل اللبناني في الشؤون السورية، وتثبيت سياسة النأي بالنفس التي كانت اقرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تجاه الازمة في سورية. تشبُث الرئيس سليمان بهذا الخيار عبّر عن موقف منسجم مع الدستور وشروط العلاقة بين الدول، كما شكل موقفاً نابعاً من قناعة لدى اغلبية اللبنانيين، ترفض انخراط اي طرف لبناني في هذه الازمة.
لا يخفي الرئيس سليمان امام زواره محاولة ابتزاز تعرض لها، ولا يزال، للدخول في بحث “التمديد” مع بعض القوى السياسية. وهو، الى رفضه المبدئي لهذا الخيار، يدرك في قرارة نفسه ان طريق التمديد يمر في تمديد شروط استمرار الازمة وبالتالي الانهيار المتمادي للدولة، دون ان يعني ذلك بالضرورة ان انتخاب رئيس جديد سينهي الأزمة.
لذا فإن ما يسعى اليه هو وضع عربة الاستحقاق الرئاسي على سكة الحل اللبناني، وليس سكة التمديد. فأي رئيس جمهورية، واياً كان هذا الرئيس المنتخب، فهو سيبدأ حكمه من حيث انتهى سلفه لجهة المواقف السيادية وحماية الدستور.
فقوة اعلان بعبدا لا تتأتى من القدرات العسكرية التي يمتلكها الرئيس، بل من قوة الدستور والقانون المؤسس عليها هذا الاعلان، ومن كونه ينطلق من معايير وقواعد موضوعية لا يمكن لأي مسؤول في الدولة ان يرفضه، كما تتأتى قوته من كونه صار احد الوثائق المعتمدة لدى الجهات الدولية المختلفة، لدى مقاربتها للازمة اللبنانية.
إنطلاقا من كل هذه المقدمات، وجهة تمديد الازمة ستظل هي الخيار الملائم لاستمرار التدفق نحو القتال في سورية. ذلك ان معيار الدخول في اي حلّ لبناني لا يمكن ان يغفل هذه القضية، بل لا يمكن لأي رئيس او حكومة ان يشرعنا التدخل العسكري في سورية… من هنا قد تبدو الفرصة لتجاوز مثل هذه الاشكالية كامنة في “التمديد”، ما دام ان القتال في سورية بالنسبة لحزب الله مسألة وجودية. وبالتالي فإن التمديد سيظل مطلبا مضمرا ويجري العمل على تحقيقه من قبل اصحاب المصلحة، اما بدفعه في الرئاسة الاولى من دون تبنيه علنا من قبل حزب الله. كأن يتبناه رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وقوى 14 آذار، فيما يعترض حزب الله بلطف لا يخل بتأمين النصاب في التعديل الدستوري والانتخاب، وإما الفراغ في الرئاسة الاولى مع ضمان استمرار حكومة تصريف الاعمال او حكومة جديدة بشروط قوى 8 آذار، اي حكومة عاجزة عن التوافق في الشأن السوري.
هذان الاحتمالان يقف دونهما حتى الآن موقف رئيس الجمهورية الرافض للتمديد ودعوته للالتزام بالدستور، والجهد الذي تبذله بكركي لاعادة الاعتبار لهذا الاستحقاق، وعبره لموقع الرئاسة الاولى كحام للخصوصية اللبنانية وعنوان للفاعلية المسيحية ومشاركتها في صوغ الدولة وتحصينها. لذا يأتي تشكيل الحكومة او عدم تشكيلها مؤشر الى ما يمكن ان تتجه اليه البلاد. فتشكيل حكومة (996) لايبدو متاحا بل مرفوضا من قبل قوى 14 آذار، فضلا عن ان تجاوز بعض عراقيل التشكيل والوصول الى مثل هذه الحكومة لا يوفران بالضرورة ضمان عقد جلسة انتخاب الرئيس، وقد يكون الفراغ الرئاسي هو النتيجة الوحيدة.
والحال هذه فإن الذهاب نحو حكومة “جامعة غير سياسية” يبقى، رغم العراقيل التي تواجهه، افضل وسيلة لدفع الاطراف، على اختلافها، للتعامل بجدية اكبر مع انتخاب الرئيس الجديد. خصوصا ان معظم القوى الممثلة في البرلمان ستشعر بغبن تمثيلها في مثل هذه الحكومة، وستسعى الى الا يطول عمرها بالفراغ الرئاسي.
باختصار فإن الحكومة الحالية او حكومة 996، إحداهما ستكون الوصفة السحرية لتقويض الاستحقاق الرئاسي بالفراغ او التمديد. ذلك ان القوى المتحكمة بهما، وفي خضم الازمة السورية، لن يضيرها، لا بل يلائمها، الفراغ الرئاسي. اي غياب المسؤولية امام الشعب وازاء المجتمع الدولي. وهذا ما يتطلبه القتال في سورية كشرط لاستمراره من دون اعتراض رسمي او ازعاج.
alyalamine@gmail.com
البلد