علي ال غراش
ندد عدد من العلماء والمثقفين السعوديين ببوادر الفتنة الطائفية ومسبباتها كما رفضوا أي شكل من أشكال الانجرار إليها، سواء بالفعل أو التحريض، أو حتى السكوت عنها، مؤكدين على ضرورة الوحدة الإسلامية أمام هذا الخطر الداهم الذي سينهي كل مكتسبات الأمة ويوقعها في حرب ضروس لن ينجوا منها احد.
جاء ذلك خلال مهرجان خطابي أقيم مؤخرا في صالة الصفا في مدينة صفوى بمحافظة القطيف (شرق السعودية) تحت شعار «الفتنة الطائفية هدم لمنجزات الوطن والأمة» وضم المهرجان مجموعة من المتحدثين أكدوا بأن الفتنة الطائفية هي موضوع الساعة، وأن اللعب “بالفتنة الطائفية” يعتبر أخطر تهديد للأمة الإسلامية، محذرين من خطر انتقال الحالة التي يعيشها العراق من فتنة طائفية بغيضة حاليا إلى شعوب الدول المجاورة. مشيرين إلى ان الأمة ابتليت بمرض الطائفية نتيجة الفتاوي التكفيرية والتعصب الأعمى والجهل وتدخل الأعداء. مؤكدين على حرمة دم المسلم وماله وعرضه، وإرساء ثقافة حقوق الإنسان من خلال التعالم الإسلامية، والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان التي تنشد كرامة الإنسان والحفاظ على حياته.
وتأتي أهمية هذا المهرجان الخطابي إلى أهمية الموقع والمشاركين والوقت حيث أقيم في المنطقة الشرقية التي تحتضن اكبر مخزون للطاقة (النفط والغاز) واكبر منتج ومصدر لهذه الطاقة للعالم، ووجود المدن الصناعية المصاحبة للصناعة النفطية. كما تحتل مكانة مهمة بالنسبة للسعودية حيث يعتمد اقتصادها على البترول وكذلك للعالم الذي لا يستغني عن هذه الطاقة. وهذه المنطقة تعتبر موطنا أصليا لشيعة السعودية وتحتضن اكبر تجمع سكاني للشيعة على السعودية ودول الخليج. وبالتالي تعتبر المنطقة الشرقية الأكثر تأثرا وقلقا من تراشق ونمو واندلاع الفتنة الطائفية على مستوى منطقة الخليج مما يؤدي إلى التأثير على صناعة الطاقة المهمة محليا وعالميا, إذ إن هذه المنطقة شهدت توترا طائفيا في الثمانينات من القرن الماضي خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية كانت له سلبيات كبيرة. وما هذا المهرجان إلا خطوة إستباقية تنبيهيه من أهالي المنطقة ومن علمائها ومفكريها لخطر الطائفية البغيضة.. ولكي لا تتكرر الأخطاء السابقة التي خلفت آثار سيئة لغاية اليوم.
و حضر المهرجان مجموعة كبيرة من رجال العلم والمثقفين في السعودية ودول الخليج.
الشيخ يوسف المهدي (عالم دين بارز) حذر خلال كلمته أن اللعب “بالفتنة الطائفية” لأهداف سياسية، التي تؤجج حاليا التوتر والتصعيد الطائفي في العراق سيؤثر على كل المجتمعات المجاورة بشكل سلبي، ونحن لسنا استثناء من ذلك، لأننا اكتوينا منها قبل ذلك، ولا زلنا نذوق طعم مرارتها، منذ الحرب العراقية الإيرانية التي لعب فيها مفسدون على الوتر الطائفي، وتأججت المشاعر التي ظلت إلى يومنا هذا. حتى أنها بقيت جمرا تحت الرماد، وإذا ما تجددت الدعاوى الطائفية سيستعر من جديد لهبها، إلا أن هذه المرة لن تنحصر في مكان واحد بل ستتسع وتتشعب لتطال الجميع.
وأشار المهدي إلى الظروف والتهديدات التي تواجهها الأمة الإسلامية في الوقت الراهن، بان الأمة ابتليت بمرض الطائفية الذي بدأ يستفحل في العراق ولبنان، وإرادة البعض ليشمل باقي الدول الإسلامية وذلك عبر بعض الفتاوى التكفيرية والتعصب الأعمى البغيض، موضحا أن الفتنة الطائفية حدثت بسبب خارجي وداخلي، فالتخطيط لهذا الخلاف والتنازع والفرقة والتفتيت الذي تعيشه الأمة كان بتخطيط أجنبي تنفيذا لسياسة فرق تسد، وكان التنفيذ الداخلي من قبل بعض الجهال والمعاندين في هذه الأمة.
وقال الشيخ المهدي: إن القتل والتهجير على الهوية الطائفية أو العرقية جريمة يجب إدانتها من قبل الجميع، بل العمل على وقفها قبل أن تستعر في المنطقة بأكملها. فالوقوف مع طرف ضد آخر لن يؤدي إلى نصرة ذلك الطرف بل إلى مزيد من القتل والتهجير والتشريد. فالنصرة الحقيقية هي في إخماد النار لا سكب الزيت عليها، والإيمان أن الأهداف السياسية الوقتية التي تتحقق عبر “الفتنة الطائفية” سرعان ما تتحول إلى كارثة حقيقية تنهك البلاد والعباد.
ومن الحلول التي طرحها لهذه المشكلة الطائفية، “التأكيد على وحدة الأمة وتماسكها، (كما أوضح ذلك الرسول (ص) في دعوته وتأكيده على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة)، معتبرا ذلك من أهم مبادئ الإسلام ومقاصد الشريعة السمحاء, والحرص على تنمية الفكر التعددي وإشاعة روح التسامح بين جميع الفرقاء، وتجريم التفكير والتحريض على الكراهية، والتأكيد على حرمة دم المسلم وماله وعرضه، وتبني مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وشدد على تفعيل آليات الحوار والتواصل بين الجميع.
من جانب آخر أرجع الشيخ نمر النمر (عالم دين بارز) أسباب الفرقة و التنازع إلى أمرين : “الجهل وإتباع الهوى”، وقال أن الإستكبار والعناد والتمسك بالباطل يصدرون عن ذلك. مؤكدا على ضرورة الالتزام بمبدأ حرية الاختيار التي كفلها ديننا الحنيف وجميع الأديان السماوية، والقوانين الوضعية في العالم. وأكد النمر على ضرورة تجاوز العقد النفسية، ووجوب إدانة الافتراءات والفكر التكفيري المقيت، وتفعيل آليات التواصل والحوار الثقافي ليشمل كافة الشرائح الاجتماعية لخلق الألفة والطمأنينة بين الجميع. مشيرا إلى أهمية التمسك بحرمة دم المسلم وماله وعرضه وإرساء ثقافة حقوق الإنسان من خلال التعالم الإسلامية، والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان التي تنشد كرامة الإنسان والحفاظ على حياته. وفي الختام أكد النمر على ضرورة إشاعة ثقافة التسامح بين المسلمين، وتنقية المنابر العلمية وإصلاح المناهج التعليمية ووجوب اقتلاع فتيل الفتنة المذهبية البغيضة واستبدالها بثقافة التسامح والتآلف.
ومن جهته أكد بيان منظمي المهرجان على عدد من النقاط، في مقدمتها، أن التعددية قدر الإنسان ومصدر ثراء وتكامل للأمة حيث يغني الأمة بخصوبة الأفكار والآراء، والانطلاق من جوامع الأمة الواحدة والمصير المشترك، والتأكيد على أن التنوع المذهبي تاريخي لدى المسلمين ولا يمكن حذف أو إزالة أي مذهب من المذاهب.
ali_slman2@yahoo.com
*الدمام