شكراً لهذه السيدة “الفاضلة” التي أقنعتنا بأن أفكار أحمد البغدادي “التنويرية” ما تزال “تقض مضاجعهم” حتى بعد غيابه! البغدادي الجميل ”
باق وأعمار الطغاة قصار”.
*
أصبح الدكتور أحمد البغدادي، المولود يناير (كانون الثاني) 1951، في ذمة الله بعد رحيله في أغسطس (آب) 2010، وبمناسبة هذا الرحيل يحلو للبعض أن يبالغ في تقييمه ويصوره كأنه من شهداء التنوير ضحايا ما اصطلح على تسميته: «التشدد الإسلامي». ولولا هذه المبالغة وشبيهاتها لما تحركت لدي تداعيات كنت أفضل كبحها، لكن الحق أحق أن يتبع، وتوضيح مسألة أن فكر الدكتور لم يكن هو المسؤول عما لاقاه من أي أذى لاحقه واجب من يعرفون الفرق الكبير بين حرية الرأي وتجاوزات السب والقذف والتباهي بالإساءة إلى مقدسات الناس وتسفيه تاريخهم وحضارتهم.
كانت المجموعة اللادينية الفتانة، الفنانة في إقصاء الآخرين ومبدعة الاستبداد الفكري، قد غضبت أشد الغضب حين منع الدكتور نصر أبو زيد من دخول الكويت لتلبية دعوة المنتدى الثقافي للتنوير، المسؤول عنه في وقتها الدكتور أحمد البغدادي، ولم يكن الدكتور أحمد البغدادي قد اشتهر في مصر بأقواله الاستفزازية الخارجة عن سياق التفكير، الذي يمكن أن نختلف معه ونحترم فرصته في الطرح، مما جعل توصيفه بـ«التنويري» تمر على الكثيرين، وأنا منهم، لولا أنني عرفته أولا من مقال عنوانه «أما لهذا التخلف من نهاية؟»، كتبه حضرته ووجدته في بريدي الإلكتروني مرسلا 10\9\2009 من قارئ متعجب: «من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا!»، وكان سبب التعجب والعجب هو ما سماه البغدادي «سعي وزارة التربية المنهجي لتدمير التعليم الخاص»، ذلك لأن وزارة التربية الكويتية أخطرت المدارس الخاصة بنوعيها العربية والأهلية وذات المنهج الأجنبي بضرورة زيادة حصص التربية الإسلامية وتخصيص حصص لتحفيظ القرآن وتجويده، واحتجاجا على ما زعم بأن المدارس الخاصة ستكون مجبرة على تغيير التوزيع الزمني لحصصها، قال أحمد البغدادي إنه تعمد إدخال ابنه مدرسة إنجليزية حتى يحميه من «تخلف» مناهج وزارة التربية وإنه يرى أن الموسيقى وتنمية الذوق الفني أهم من تحفيظ القرآن ودروس الدين، وإنه لا يرغب في أن يهدر فلوسه على تدريس الدين، وإنه يريد أن يتعلم ابنه اللغات الأجنبية، فهي، على حد قوله بالنص، «خير له من اللغة العربية الميتة»، كما أنه لا يريد لابنه أن يجود القرآن ذاكرا سبب ذلك بهذه الكلمات: «فأنا لا أريده إماما ولا مقرئا في سرادقات الموتى» إذ «باختصار شديد أريد أن يكون لي في المستقبل ابن أفتخر بعلمه وعقله وليس بتخلفه الفكري». وبالطبع لم يجد الدكتور أحمد البغدادي، المسؤول عن المنتدى، ختاما لهياجه اللاديني سوى صيحته، القاطعة بجهله رغم كل ما يحمله على كتفيه من شهادات جامعات أوروبا وغيرها، «إنه من المستحيل أن تتحصل المعرفة من الدين»!
وقتها خطر لي احتمال جناية أحمد البغدادي على نصر أبو زيد وأنه المتسبب في منع نصر أبو زيد من دخول الكويت، فمن شأن سمعته، وما عرف عنه من أقوال مسيئة للدين وللغة العربية والحضارة الإسلامية على جملتها في بلاده وبين مواطنيه، أن تؤذي ضيوفه وتضفي عليهم صفة الذين أحلوا قومهم دار البوار.
الأمر الذي لم يظهر عيانا بيانا للرأي العام، الذي تابع دائرة اللطم والتنهيد على ما جرى للدكتور نصر أبو زيد في مطار الكويت، هو أن وليد الطبطبائي، النائب المحترم في البرلمان الكويتي تم منعه من دخول الأراضي المصرية وجرى له في مطار القاهرة ما جرى تماما للدكتور نصر حامد أبو زيد في مطار الكويت، وكان النائب وليد الطبطبائي قد جاء إلى مصر ملبيا دعوة من جهة معلومة الشأن محترمة الأهداف والتوجهات، ومستوفيا كل الإجراءات اللازمة للمسافر القادم من الكويت زائرا لمصر.
وعاد الرجل من سكات إلى بلاده مندهشا لكنه غير مفتئت على أحد، وقال احترمت قرارهم وإن لم أعرف سببه. يعني لم يلوح أحد باتهامات وتعريضات بمستوى لغة ومنطق ما كتبه البعض، في حكاية منع نصر أبو زيد، أن «المنع تم بناء على ضغط من النواب الإسلاميين رضخت له الحكومة الكويتية وهذا يدل على هشاشة النظام السياسي في الكويت وكل الدول العربية..» إلخ إلخ!
أما مفردة «التخلف»، التي يحلو لللادينيين التنابز بها في الفارغة والملآنة، فهي لا تتبدى بمدلولها جلية إلا عليهم ومعها «الفتانون» و«التبويريون»!