احتفل لبنان بالعيد السبعين للاستقلال على وقع احداث طرابلس ذات الطابع المذهبي وفيما الكآبة تعمّ بيروت بفنادقها شبه الخالية. واحتفلت دولة الامارات العربية المتحدة بالعيد الوطني الثاني والاربعين على وقع فوز دبيّ بتنظيم معرض “اكسبو 2020”.
لا منافسة بين بيروت ودبيّ أو بين بيروت وأبوظبي العاصمة الاماراتية التي تعجّ بالحياة، ولكن بطريقتها الهادئة المميّزة. لا منافسة بين مدينة وأخرى في العالم نظرا الى أن النجاح يتسّع للجميع. هل من منافسة بين باريس ولندن مثلا… أم ان تطوّر باريس هو تطور للندن أيضا والعكس صحيح؟
كلّ ما في الامر أن هناك من يسعى بالفعل الى خير مدينة وبلد وهناك من يصرّ، عن سابق تصوّر وتصميم على تدمير مدينة عمرها خمسة آلاف سنة اسمها بيروت ومعها كلّ البلد بغية تسهيل عملية السيطرة عليه. انه باختصار الفارق بين ثقافة الحياة التي تسود في دولة الامارات وثقافة الموت التي يوجد من يطبّل لها في بيروت.
الانكى من ذلك، أن المطبلين لثقافة الموت والسائرين في ركاب المروّجين لها يستكثرون على اللبنانيين الشرفاء المطالبة بوضع حدّ للسلاح غير الشرعي الذي في يد ميليشيا مذهبية تخدم مشروعا على علاقة بكلّ شيء باستثاء لبنان المزدهر القادر على احتواء أبنائه ورعايتهم!
في السنة 2013، هناك في لبنان من يعمل على تدمير بيروت وطرابلس وكلّ مدينة لبنانية وشلّ كلّ مرافق البلد. من يفعل ذلك يمتلك هدفا واضحا كلّ الوضوح يصبّ في نشر البؤس في الوطن الصغير.
ولذلك، هناك تركيز ليس بعده تركيز على عزل بيروت عن العالم العربي نظرا الى أنها قلب لبنان وشريان الحياة فيه. من يستهدف بيروت يستهدف كلّ مدينة لبنانية، بما في ذلك طرابلس وصيدا اللتين تعانيان بطريقة أو بأخرى من ثقافة السلاح المزروع في محيطهما.
طرابلس تعاني من استثمار النظام الطائفي في سوريا في الجيب العلوي الذي اسمه بعل محسن. وضع النظام السوري أهل بعل محسن في غيتو معاد لمحيطه بعدما فقد القدرة على الهيمنة على طرابلس وأهلها عبر أجهزته الامنية والقمع والارهاب وتشجيع منظمات سنّية متطرفة.
بفضل ثقافة الموت التي يحاول “حزب الله” نشرها في كلّ ارجاء لبنان وصولا الى الجامعة اليسوعية في بيروت، يخسر لبنان يوميا أفضل شبابه. يخسر كلّ الفرص التي توفرّها له الظروف الاقليمية. يخسر حتى بيروت التي أعدّها رفيق الحريري، بعد اعادة الحياة الى وسطها، لتستقبل بقلب مفتوح كلّ الفرص المتاحة وتستفيد منها الى أبعد حدود هي وأهلها وكلّ لبناني.
يحزن اللبناني على بيروت ويفرح بما حققته دبي التي صار مطارها يستقبل عشرات ملايين المسافرين في السنة والتي يعيش فيها مواطنون من نحو مئة وخمسين جنسية مختلفة. في بيروت، لا يحسن اللبنانيون التعامل مع بعضهم بعضا وهم يختلفون على كيفية التعاطي مع السوريين الذين يتدفقون على البلد هربا من نظام لا همّ له سوى اذلال شعبه وقتله بكلّ الوسائل. لا يحسن اللبنانيون التعاطي حتى مع الفلسطينيين المقيمين في المخيمات منذ ما يزيد على ستين عاما والذين ظَلموا البلد الذي استقبلهم بعدما قبلوا، في مرحلة معيّنة، أن يكونوا مطيّة للنظام السوري في سعيه الى وضع يده على لبنان.
صارت دبيّ احدى وجهات السياحة العالمية ومقرا لشركات عالمية. هيّأت نفسها لذلك. أقامت فنادق وبنية تحتية متطورة. في بيروت، تكاد أن تكون الفنادق فارغة، في حين البنية التحتية في حال يرثى لها. قد يصل وقت لا يعود فيه سياح في لبنان سوى عناصر “الحرس الثوري” الايراني!
في دبي ودولة الامارات هناك أمن وأمان ودولة القانون والقضاء الذي يحمي كلّ مقيم على الارض الاماراتية. في بيروت شريعة الغاب التي باتت تقف حاجزا دون مجيء أي خليجي الى لبنان. بات طموح بيروت، لولا اصرار أهلها على تحدي ثقافة الموت والسهر في المطاعم والملاهي، أن تتحوّل الى بغداد صغرى او مدينة شبيهة بالبصرة التي صارت شوارعها تثير الشفقة بعدما كانت في الماضي، أحدى أجمل المدن العربية واكثرها حياة…
لماذا تصعد دبيّ وتتراجع بيروت؟ السبب يعود بكلّ بساطة الى أن في لبنان من يؤمن بالاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية وتعميم البؤس والفوضى الامنية والفساد بهدف تغيير طبيعة النظام اللبناني، عن طريق الدعوة الى مؤتمر تأسيسي، وتكريس عاصمة لبنان مدينة ايرانية على المتوسط.
هل ينجح مثل هذا المشروع المبني على جعل بدعة “الشعب والجيش والمقاومة” في اساس كلّ بيان وزاري؟
يفترض باللبنانيين التنبه الى المخاطر التي تحيق ببلدهم…في حال كانوا لا يريدون فقدانه. عليهم الا يلوموا الاّ انفسهم. عليهم التطلع الى دبيّ كمثل أعلى، ان من ناحية امتلاك الرؤية أو التخطيط أو المشاريع الانمائية…أو تعميم ثقافة احترام القانون والابتعاد كلّ البعد عن السلاح، أي نوع من السلاح.
الاكيد أن هناك من يسعى الى جعل بيروت مدينة رافضة لاهلها وللعرب المقيمين فيها أو الذين تعوّدوا على تمضية عطلة فيها.
يكمن كلّ الفارق بين بيروت ودبيّ ولبنان ودولة الامارات، في أن قادة الدولة الشابة يستطيعون تحمّل المسؤولية ويصرّون على القول أن نجاح بلدهم كان بفضل سواعد ابنائه وسواعد العرب والاجانب المقيمين فيه. في لبنان، يسعى المسؤولون الحاليون، على رأسهم وزراء الحكومة الحالية ورئيسها، الى التهرب من المسؤولية ورفض تسمية الاشياء بأسمائها بدءا بالاعتراف أن اثارة الغرائز المذهبية لا يقود سوى الى الخراب. يرفض هؤلاء الاعتراف بأنّ السلاح في يد هذه الميليشيا المذهبية أو تلك، خصوصا سلاح “حزب الله”، ليس سوى الطريق الاقصر الى تفريغ لبنان من اللبنانيين وغير اللبنانيين.
هذا يعني، عمليا أنه بات على لبنان واللبنانيين البدء بالتصدي للمشروع الايراني الخطير قبل التفكير في بلوغ ما بلغته أبو ظبي أو دبيّ من رقيّ وتقدّم واللحاق بهما. الفارق بين بيروت ودبيّ تختزله كلمة واحدة. انها كلمة الدولة. في الامارات دولة تبني وتتطلع الى المستقبل.
في لبنان لا وجود لدولة ما دام السلاح غير الشرعي يصنع رئيس لمجلس الوزراء، كما الحال مع رئيس الوزراء الحالي المستقيل من دون أن يستقيل. لن تقوم قيامة لهذه الدولة ولبيروت ولطرابلس قبل الانتهاء من السلاح غير الشرعي الذي يهدم ولا يبني. يهدم فقط مع نقطة على السطر.