خاص لـ”سيريا بوليتيك”
ينشر “سيريا بوليتيك” سلسلة مقالات، أرسلها إلى موقعنا مسؤول سياسي سوري سابق، تقاعد من عمله منذ سنوات طويلة، ويتحدث فيها عن قضايا مثيرة يتم كشفها للمرة الأولى كما يعتقد هو شخصيا. وإذ ينشرها “سيريا بوليتيك” ( بعد بعض التحرير اللغوي لها) فإنه لا يتبنى محتواها نهائيا نظرا لأنه لا يمكن التأكد من صحة ما يأتي ذكره في هذه المقالات من مصادر أخرى.
وإليكم الحلقة الأولى:
الروس لا يمسكون بقوة بموقفهم تجاه الوضع في سوريا لأنهم يكرهون السوريين أو لأنهم أغبياء، بل هم يدركون خطورة خروجهم من سوريا إلى الأبد. أنا أعرف جيدا أن الروس لعبوا دورا رئيسيا في صنع السياسة الخارجية السورية حتى عام 1999 وهذا ما سأرويه لكم في مقالة أخرى.
لكن ما أعرفه شخصيا أن الروس حاولوا منذ بدأت مرحلة ما تسمى بالربيع العربي أن يبحثوا في دمشق عن فريقهم الروسي وكانت مفاجأتهم مذهلة وصاعقة بأنه لم يجدوا أحدا منهم، فإما هم تقاعدوا أو أخرجوا من مناصبهم منذ سنوات. كان الروس يعرفون ببداية خروج فريقهم السياسي من دمشق منذ عام 1999 ولكن لم يتوقعوا أن تصل الأمور إلى حد تطهير وجود هذا الفريق بشكل كامل من أكبر شخص فيه إلى أصغر شخص.
ولكي لا يحصل خطأ بفهم ما أعنيه أقصد بالفريق الروسي في دمشق ليس شخصيات روسية وإنما هم مجموعة من المسؤولين السوريين، الذي عملوا منذ 1974 إلى 1999 على صناعة ملفات السياسة الخارجية السورية ولم يكن لهم أي علاقة بالوضع الداخلي للبلاد، وهؤلاء هم سوريون طبعا ولكن كان اسمهم الفريق الروسي لأن معظم تدرب في موسكو منذ السبعينات إما في دوائر استخباراتية أو عسكرية روسية، وقد نجحوا فعلا فهم بقوا مجهولين في الشارع السوري وقسم كبير في الشارع الغربي، باستثناء قلة قليلة منهم، وبشكل فردي وليس بشكل فريق الروس في دمشق، وهؤلاء كانوا مهندسي السياسة الخارجية السورية وهم الصف الأول في ذلك، وأما ما تسمعونه من أسماء لمسؤولين سوريين في الأمن والحزب والجيش وغيره على أنهم في الصف الأول فهؤلاء جميعا كانوا يعملون داخليا، وأما فريق الروس فقد كان للسياسة الخارجية فقط وليس عبر وزارة الخارجية وإنما عبر مكاتب خاصة بهم ( وهذه حكاية أخرى نفرد لها مقالا أخر)، حتى أن إيران عرفت ببعضهم في فترة من الفترات، ولم تكن مرتاحة لهم ولكن حصل ما يريحها عام 1999 ولهذه قصة وحكاية أخرى في مقال أخر أيضا.
نعم بحث الروس عن ذلك المسؤول الذي تخرج من المخابرات العسكرية الروسية فلم يجدوه، وبحثوا عن ذاك العبقري المجهول الذي تدرب في جهاز (كي جي بي) فوجوده متقاعدا يعيش في بيته في قرية نائية، وبحثوا عن ذاك وذاك .. أدرك الروس كيف أن تدمير هذا الفريق الكبير الذي بدأ منذ سنوات كان بداية الطريق والرحلة نحو ضرب السياسة السورية البراغماتية خارجيا وحصول نزيف فيها لتخسر الحلفاء والأصدقاء ومن ثم عزلة النظام الذي شاهد ما يحصل مبكرا ولم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى هنا، خاصة وأنه شهد كيف استبدل هذا الفريق بفريق آخر ( نسرد له مقالا أخر أيضا).
الحلقة الثانية : اليوم سأكشف عن حدث كبير للمرة الأولى يتم الحديث عنه، والمستقبل سوف يؤكد أن كل كلمة أقولها صحيحة تماما.
إنه انقلاب عام 1999. نعم سوف يستغرب قارئ هذه الرسالة، لأننا لم نسمع بكلمة انقلاب طيلة العقود الأربعة الماضية، ولم يتحدث أحد عن هكذا انقلاب.
إنه انقلاب صامت، حصل بهدوء، وتكتيك، وبعيدا عن الإعلام، وتم تنفيذه على مراحل.
طريقة الحكم، خلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأنا أتحدث حصرا عن الملف الخارجي، كانت تطبخ من قبل أسماء معظمها مجهول، ويهدف في النهاية لاتباع سياسية براغماتية قوية تبقي سوريا قلب الشرق الأوسط واللاعب الرئيسي وألا تكون خاضعة اقتصاديا أو سياسيا لأي دولة أخرى في المنطقة بما فيها إيران، بل كانت تهدف لإقامة علاقة متوازنة بين أكثر طرفين متناقضين في المنطقة وهما السعودية وإيران، والحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الغربية.
طبعا طريقة الحكم سوف أكتبها لكم لاحقا وأوضح لكم أن جميع ما كانوا يسمون بمسؤولي الصف الأول في سوريا عمليا كانوا من مسؤولي الصف الثاني والثالث، وربما كانوا الأول داخليا، لكن على الصعيد الخارجي لم يكونوا كذلك.
العميد (ا.م) هندس السياسة الخارجية السورية في إيران، والسعودية، ومصر، ولبنان، وكان يمسك بجميع الملفات الحساسة في المنطقة، منذ عام 1976 إلى نهاية التسعينات، وجميع الأسماء التي يتم ذكرها في صحف لبنانية، أو في كتاب السيرة الغربيين والصحف الغربية والعربية، لم تكن كذلك. لم يكن تابعا لأي جهاز أمني.
العميد ( م.س) كان يمسك بملفات عسكرية كبيرة وكانت قدراته ومهماته فاقت أكبر الرتب العسكرية في الجيش، ولم يكن تابعا لأي جهاز أمني.
العميد (ع.ع) أو الذي كان يعرف باسم “الأخطبوط” في الدوائر الضيقة في سوريا، وحاول كبار المسؤولين لقاءه في الثمانينات والتسعينات، ولكنهم فشلوا، فالرجل مجهول الشكل، وكانت مهمته الرئيسية مراقبة أي تجاوزات خارجية يقوم بها كبار رجال الاستخبارات، وهو الذي كشف بعض هذه المحاولات أدت إلى إبعاد اللواء (م.خ) واعتقال اللواء (ب . ن) لاحقا، فقد كان حافظ الأسد يعتبر تدخل رجال الأمن في ملفات السياسة الخارجية، أو اي ملفات خارجية، دون علمه، من الكبائر.
هذه أسماء ثلاثة، من بين أسماء أخرى من “الفريق الروسي”التي سنذكرها في حلقات أخرى، وهؤلاء جميعا تدربوا على يد جهاز الاستخبارات جهاز (كي جي بي) في أوائل السبعينات.
الثلاثة لم يكن لهم أي ولاء للسياسة الإيرانية في المنطقة، أو غيرها من الدول العربية، وكانوا يميلون لاتباع سياسة التوازن في العلاقات.
كلنا شركاء
في عام 1999 كانت المرض يشتد على الرئيس السابق حافظ الأسد، وهو ما استغله جيدا العميد (ب.س) الذي قفز مستغلا القرابة الكبيرة بعائلة الرئيس، علما أن الرئيس السابق كان قد همشه تماما. كان هذا الضابط خلال السنوات التي سبقت مرض الأسد الأب يسعى جاهدا للتقرب من “الفريق الروسي” أو أن يحظى بوضع مثلهم، ولكن لك لم يحصل، وهو ما أدى إلى مرارة كبيرة في نفسه، خاصة إزاء العميد (ا.م).
هنا أشير إلى أن الفريق الروسي لم يكن مهتما بجمع المال، واستغلال مواقعهم لإجراء صفقات الفساد، وهذا أمر مهم جعلهم يترددون في التقرب من أي مسؤول سمعته الداخلية ارتبطت بالفساد والصفقات.
بدأت عملية الانقلاب بطبخ النار تحت العميد (ا.م) الذي وجد نفسه يواجه رؤوسا كبيرة جدا في الداخل، لسبب بسيط هو أن وضع خطا فاصلا بينه وبين هذه الرؤوس، فهو عقل استراتيجي يعمل لصالح الأمن القومي السوري، وهم يلعبون بالمال. آصف شوكت كان الشخص الوحيد، إضافة إلى بعض ضباط الحرس الجمهوري، وقف إلى جانبه لأنه كان مستقلا في خياراته إلى حد بعيد وكان من الصعب أن يعمل تحت جناح أحد، ومع ذلك خسر (ا.م) وخرج، وتباعا خرج الآخرون من فريقه لصالح (ب.س) الذي بدأ بإعادة رسم الوضع الداخلي من خلال ديكور المثقفين والمجتمع المدني الذي تبين لاحقا أنه مجرد ديكور، ثم صعد معه أخرون ليضعوا أيديهم في السياسة الخارجية مثل الضابط (ه) الذي أصبح يدير ملفات في الأمن القومي والسياسة الخارجية، وقيادة السفينة السورية شيئا فشيئا على الأمواج الإيرانية.
إن الفريق الروسي في سوريا قبل انقلاب عام 1999 عمل من أجل الأمن القومي السوري، وكانت موسكو تنظر إلى دمشق كامتداد استراتيجي لها في الشرق الأوسط دون أن تفرض أو تتمكن من فرض أي صراعات أو أجندات على دمشق، ولكن فريق ما بعد 1999 راح يخرج سوريا من وضعها الاستراتيجي ويدفعها لأحضان صراعات إقليمية – بلا فوائد سياسية- وإنما كانت الفوائد تصب فقط في حساب دولة واحدة في المنطقة لا يهمها أن تكون سوريا امتدادا استراتيجيا أكثر من كونها ورقة للتفاوض الدولي.
ترقبوا المزيد عن هذا الانقلاب وحلقات أخرى عن قضايا أخرى مرتبطة.
( كلنا شركاء) : الرموز ( ا م ) هو العميد المتقاعد منذ عام 2000 اياد محمود وهو كاتب هذه السلسلة وفقاً لمصادر معلوماتنا المؤكدة والرموز ( ب س ) هي للواء بهجت سليمان و اللواء ( ب ن ) هو اللواء بشير النجار و اللواء ( م خ ) هو اللواء محمد الخولي والضابط ( ه ) نعتقد ان المقصود به هو اللواء هشام اختيار والعميد ( م س ) هو كما نعتقد العميد محمد سليمان -ابو كامل
كلنا شركاء