المفكر السوري صادق جلال العظم لا يكف عن طرح أسئلة وإثارة مواقف إشكالية في عالم الفكر والثقافة والسياسة، مقولته الأخيرة “العلوية السياسية” أيضا أثارت جدلا صاخبا. حول ذلك وبمناسبة حصوله على ميدالية غوتة حاورته DW عربية.
“النقد الذاتي بعد الهزيمة” “نقد الفكر الديني” “ذهنية التحريم”، إنها بعض عناوين كتب المفكر والفيلسوف السوري صادق جلال العظم، الذي يثير الجدل والنقاش حول مواقفه والأسئلة الإشكالية التي يثيرها بطرقه أبوابا محظورة في عالم الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع. ومؤخرا أثارت مقولته وطروحاته حول “العلوية السياسية” جدلا واسعا ونقاشا صاخبا، وخاصة بين النخب السياسية الفكرية السورية وبالدرجة الأولى المعارضة منها.
وتقديرا لأعماله ومساهماته الفكرية ودفاعه عن قيم الديمقراطية وسيادة القانون وحرية الفكر والتعبير وحقوق الإنسان، منحه معهد غوته جائزته “ميدالية غوته” لهذا العام. وبمناسبة حصوله على هذه الجائزة الألمانية الرفيعة، التقته DW عربية وسالته عن حال اليسار العربي اليوم والهويات التحت وطنية وانتكاسات الربيع العربي بالإضافة إلى الشاعر الألماني غوتة وإسهاماته، وكذلك الغائب الحاضر الشاعر السوري أدونيس كان له نصيب من الحوار.
DW عربية: كيساري، كيف ترى حال اليسار العربي اليوم؟ وأين انتهى المطاف بهذا اليسار أمام صعود الإسلام السياسي؟
صادق جلال العظم: يمكن أن نصنف اليسار العربي اليوم إلى ثلاث مجموعات، أولا: البقية الباقية من الأحزاب الشيوعية العربية بعد إنتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي وبعد تحول الصين الى دولة رأسمالية صاعدة. ليس لأي من هذه البقايا المشتتة والمنقسمة على نفسها أية برامج جدية معروفة اليوم أو مواقف متماسكة من التحولات العنيفة التي تمر بها المنطقة العربية. انطباعي هو أن الميل الغالب عند هذه المجموعات هو الشك والربية والتحفظ إزاء الربيع العربي في أفضل الأحوال والعداء في أسوئها. البقايا المتناثرة من الحزبين الشيوعيين السوري واللبناني هي خير مثال هنا. ثانيا: الكتلة الأصغر من اليسار العربي حافظت على ولائها لطروحات الحرب الباردة واعتمدتها برنامجاً صالحا للمرحلة الحالية. نزعت هذه الفئة باتجاه الالتحاق بقوى الجهاد الإسلامي العالمي والمحلي مثل القاعدة وحزب الله والطالبان ومؤخرا داعش. ثالثاً: الكتلة الأكبر من اليسار العربي تراجعت عن الطروحات المميزة لمرحلة الحرب الباردة وأحزابها وانسحبت الى خط الدفاع الثاني في مواجهة الظلامية الدينية القروسطية الزاحفة وذلك عبر تبني برنامج يستند إلى فاعلية المجتمع المدني وقيمه، وفي طليعتها قيمة المواطنة والدفاع عن شرعة حقوق الانسان وحقوق المواطن والمواطنة والدفاع عن علمانية الدولة وعن الحريات العامة والشخصية وماشابه.
تنظيرك لـ”العلوية السياسية” وضرورة إنهائها، فتحَ الباب على مصراعيه لجدل واسع وصاخب. ألا يقود هذا الحديث إلى مزيد من الكراهية الطائفية في سوريا وتأجيج نارها؟
أرحب بالنقاش الواسع والجدال الصاخب اللذين نتجا عن مقولة “العلوية السياسية”. إن فتح باب النقاش والسجال حول هذه المسائل على مصراعيه ضروري ومفيد للثورة السورية ولسوريا عموماً. فالغرض من طرحها هو التقاط جانب هام وحاسم من الواقع السوري الراهن على مستوى التجريد الذهني. هذا مطلوب لأني لاحظت أن المناقشات العلنية للثورة السورية تتأبى التطرق إلى مشكلات الطائفية والمذهبية والإثنية والأكثرية والاقلية، خوفاً من صب الزيت على النار. في حين أن أحاديث الجلسات الخاصة والمناقشات المغلقة لا تدور إلا حول هذه المواضيع.
أما الواقع المطلوب التقاطه فيمكن تحديده عبر التجربة الذهنية التالية: هل بإمكانك أن تتصور سيادة الوضع التالي في مصر: رئيس الجمهورية قبطي إلى الأبد، قائد الجيش قبطي إلى الأبد، أُمراء ضباط القوات المسلحة في غالبيتهم أقباط وإلى الأبد، رؤوساء الفروع الأمنية والشرطة وقوات حفظ النظام أقباط كلهم وإلى الأبد، المناصب الحساسة والعليا وصاحبة القرار في مفاصل الدولة كلها بيد نخب من الأقلية القبطية؟ هل بإمكانك أن تتصور كذلك، احتكار هذه المناصب والوظائف كلها في تركيا مثلاً من جانب نخب كردية أو علوية حصراً وإلى الأبد؟ هذا الوضع غير القابل للتصور في مصر وتركيا هو القائم في سوريا منذ عقود طويلة. هذا هو المعنى الأول للعلوية السياسية وهذا هو السبب في استحالة استمرارها مهما كرّر رموزها عبارة “إلى الأبد” وحاولوا تكريس طقوسها.
ذهب البعض إلى أنه ومنذ قدوم الأسد الابن إلى الحكم أصبحت هناك “علوية اقتصادية” تضاف إلى السياسية، والبعض ذهب بعيداً إلى حد الحديث عن محاولات جرت لـ “علونة المجتمع” هل أخرجت العفريت من قمقمه؟
لا محتوى جديد في هذه المقولات، بل تأتي من باب الإشارة إلى مفاعيل العلوية السياسية منظوراً إليها من زوايا اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية. تبقى كلها مشتقة من المقولة الأساس: “العلوية السياسية”. لهذا السبب شبهتُ العلوية السياسية بالاستثناء العجيب الأخر وهو “المارونية السياسية” في لبنان، والتي سقطت بفعل الحرب الأهلية هناك وتم تكريس سقوطها في إتفاق الطائف.
لا أعتقد أن الحديث عن العلوية السياسية وما تفرع عنها من “علويات” تقود بالضرورة إلى المزيد من تأجيج نار الكراهية الطائفية في سوريا. فالتعبئة الطائفية والمذهبية والإثنية في سوريا اليوم وصلت إلى أعلى درجاتها، وما من حديث حول العلوية السياسية أو غيرها يمكن أن يزيد أو ينقص من مستوى هذه التعبئة وهذا الشحن. في الثورة السورية جناح ثأري يريد الانتقام من الطائفة العلوية ذاتها، وليس من العلوية السياسية ومؤسساتها المعروفة فقط. ومن أجل سوريا المستقبل، يجب التأكيد دوماً أن المطلوب هو الإطاحة بالعلوية السياسية وليس بالطائفة العلوية، تماما كما حدث في لبنان. حيث تمت الإطاحة بالمارونية السياسية وبقيت الطائفة المارونية سالمة سليمة تقوم بدورها الطبيعي في حياة المجتمع اللبناني، علماً أن “المارونية السياسية” عاشت وهماً شبيهاً بوهم “سوريا الأسد” إلى الأبد، أي: المارونية السياسية هي لبنان إلى الأبد، ولبنان هو المارونية السياسية إلى الأبد.
كيف يمكن أن يكون “الحل العادل” للأزمة السورية؟ هلا وضعت “خارطة طريق” لإنقاذ سوريا أو ما تبقى منها؟
لا أعتقد أن أحداً اليوم يدعي العلم بذلك. علّمتني تعرجات صيرورة الثورة وتحولاتها ومفاجاءاتها ولحظات صعودها وهبوطها الابتعادَ عن رسم خرائط طريق إلى “الحل العادل” أو “غير العادل” أو حتى التقدم بتصورات مسبقة عن الحل. سيبرز الحل تلقائياً من سياقات الثورة وبعد الإطاحة بالعلوية السياسية، وبرموزها البشرية والمؤسساتية، تماما كما جاء الحل في لبنان نتيجة طبيعية لصيرورة الحرب المديدة والشرسة هناك. سيحدث ما يشبه هذا في سوريا بغض النظر عن مستوى عدالة الحل الآتي ومداه.
على صعيد المثاليات يتطلب “الحل العادل” أن تظهر شخصية قيادية تاريخية بقامة نيلسون مانديلا لترسي حلاً عملياً بمستوى معقول من العدل والإنصاف، أو أن تتصرف الأكثرية في سوريا تصرف “أم الصبي” الحقيقية في قصة الملك سليمان، فتقدم التضحية اللازمة لحماية ابنها من الانشطار إلى شطرين أو أكثر. تكمن المشكلة أن القامات التاريخية الشبيهة بمانديلا، لا تظهر إلا مرة واحدة كل مئة سنة، وأن تصرف سليمان وأم الصبي الحقيقية، يتطلب مستواً رفيعاً جداً من الحكمة غير متوافر لنا في الوقت الحاضر. مع ذلك فإن المفيد في المثاليات هو أن البشر يحاولون تقليدها أو التشبه بها أو الاقتراب منها إلى هذا الحد أو ذاك. ولا أعرف ما إذا كان أي من ذلك سيؤثر على طبيعة الحل الآتي في سوريا وعدالته.
هل أتى الربيع العربي بالهويات ما تحت وطنية من طائفية ومذهبية وإثنية ومناطقية؟
في المرحلة الأولى من الربيع العربي، أي مرحلة “ميدان االتحرير” في عواصم مثل القاهره وتونس وصنعاء وبنغازي، بدا للوهلة الأولى وكأن هويات وطنية مدنية وشبه مدنية جامعة قد تبلورت بما فيه الكفاية لتدخل مجال الفعل التاريخي في تشكيل مستقبل أفضل للبلدان العربية المعنية. إلا أن تطور الأحداث أخضع هذه الظاهرة الجديدة والواعدة إلى امتحان صعب بيّن مدى هشاشة الظاهرة ومدى تدني درجة قصورها وعدم نضجها حتى اللحظة، في الحياة العربية المعاصرة. بعبارة أخرى لم يولّد الربيع العربي أية هويات أو عصبيات تحت وطنية وتحت مدنية، بل كشف الغطاء- من حيث لا يريد- ليس عن وجودها فقط، بل عن فاعليتها المستمرة فينا كعرب أحياء اليوم. نقول باللغة الدارجة أن الربيع العربي رفع “غطاء الطنجرة” فجأة، ففاضت بهذا العفش المتخلف كله والمكبوت تاريخيا لا أكثر على ما يبدو. وعلينا أن نتأمل في ذواتنا الفردية والجماعية المسألة التالية: في اللحظة التي يذهب فيها الديكتاتور من أمثال معمر القذافي وصدام حسين وعلى عبدالله صالح …..الخ لا نجد في عمق حياة مجتمعاتنا إلا ما نراه يحدث اليوم من عنف واقتتال ودمار وخراب في العراق واليمن وليبيا وسوريا، ولا تخرج ظواهر حضارية من أحشاء هذه المجتمعات وقاعها أفضل من داعش وحالش والزرقاوي والبغدادي أو ظواهر أفضل من خطابات النصرة والجولاني أو أفضل من ميليشيات الحشود والأحزاب الإلهية الطائفية الصافية.
فور الإعلان عن منحك الميدالية، انتشرت اتهامات لك بـ “عدم الأصالة” وبأنك تنتج “مفرقعات كلامية”… وبأنكماركسي سطحي، وغيرها من الاتهامات القاسية. كيف ترد عليها؟
لا أعرف تماماً كيف أرد عليها. أتساءل على الطريقة الشامية: هل هي “غيرة أم حسد أم ضيقة عين؟” على كل حال، جاء هذا النوع من التجريح وللمرة الأولى بعد إدخالي مقولة “العلوية السياسية” في صلب مناقشات الثورة السورية وسجالاتها. ولا بد أن تكون المقولة قد مست عصباً حساساً عند الجميع حتى أثارت هذا المقدار من الضجة والصخب. وكما نقول باللغة العامية” “يلي تحت باطو مسلة، بتنخزو”. لذا أترك الشتامين لنخزات مسلاتهم.
جاء في حيثيات منح الميدالية بأنك تساهم في “حرية التعبير وسيادة القانون والديمقراطية وتعزيز التفاهم بين العالمين العربي والإسلامي وأوروبا الغربية”. كيف ترى مساهمتك في هذا المجال؟
شرف كبير لي، وفخر أكبر أن تكرمني الجمهورية الاتحادية الألمانية بهذا الوسام، وأن تقترب خاتمة فاعليتي في الحياة الثقافية العربية على وقع الاحتفال بتقليدي ميدالية غوتة.
أبدأ كلامي بالتذكير بكتاب المفكر السورى الراحل بوعلى ياسين حول “الثالوث المحرم” في ثقافتنا العربية السائدة أي: الدين والسياسة والجنس. يتركز إسهامي هنا في أني كسرت الثالوث المحرم هذا وخرقته على الأصعدة الفكرية والنقدية والاجتماعية والسجالية وبصورة مباشرة لا مراوغة فيها أو لف ودوران حول الموضوع هرباً من مسه مباشرة. يعتبر هذا بحد ذاته تكريساً عملياً وبالممارسة لحرية الفكر والتعبير ولديمقراطية النقاش والسجال في المجتمع.
من ناحية أخرى، ساعد نشاطي الكتابي باللغتين العربية والانكليزية (بالإضافة إلى الترجمات إلى لغات أخرى) في توريط أوروبا في القضايا الفكرية والثقافية المطروحة اليوم على بساط البحث والنقاش عربياً وإسلامياً: الأصالة والمعاصرة، التراث والتجديد، النقل والعقل، العلم والدين، الجهاد والإرهاب، الاستشراق والاستغراب، الغزو الثقافي والتحديث وغيرها. كما ساعد في توريط الفكر العربي وبعض الإسلامي عموماً في قضايا معاصرة حيوية وضاغطة: المجتمع المدني، العلمانية، الإصلاح الديني، النص والتأويل، حقوق الإنسان والمواطن، الديمقراطية، الحريات العامة، حرية الفكر والضمير والتعبير وما إليه. ربما كان إسهامي الأفضل في المساعدة على تعزيز قيمة حرية التعبير عموماً، هو دفاعي العملي والصريح عن سلمان رشدي وروايته “الآيات الشيطانية” وتفنيدي فتوى الخميني بقتله.
هل تعرضت للشاعر غوتة في دراساتك وحياتك الأكاديمية؟ وكيف ترى دوره في الوصل بين الشرق والغرب وخصوصا ديوانه “الديوان الشرقي الغربي”؟
يرجع اهتمامي الفكري والأدبي والأكاديمي بغوتة إلى تخصصي بتاريخ الفلسفة الأوربية الحديثة وتدريسه خاصة في بيروت ودمشق. وجدت بالخبرة العملية أن أفضل مدخل لمعنى الحداثة الأوربية وروحها وتطبيقاتها على المستويات كافة هي ملحمة غوتة الهائلة “فاوست” وبخاصة القسم الأول والأشهر منها.
لا بد أن أشير هنا أيضاً إلى ظاهرة غريبة أخرى تتمثل في أن النقاش العالمي الصاخب الذى فجره ادوارد سعيد في كتابه “الاستشراق” عن علاقات الشرق بالغرب وعلاقات الغرب بالشرق لم ترد فيه أية معالجات جدية لديوان “غوته” على الرغم من أن عنوانه يحمل منذ البداية ثنائية شرق-غرب الموضوع الأساس والأشهر في سجالات مسألة الاستشراق خلال الربع الأخير من القرب الماضي.
“الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقي التوأمان”، كيف ترى ما ذهب إليه روديارد كبلنغ في ضوء حالة الاستقطاب الراهنة بين الشرق والغرب؟
أعتقد أن عصرنا الحالي تجاوز مسألة شرق-غرب ومشكلاتها وتناقضاتها. في حياتنا الراهنة حضارة واحدة عملياً بصفاتها وخصائها وتطلعاتها الكلية في كل مكان تقريبا. وتندرج تحتها وضمنها تشكيلة هائلة من الثقافات واللغات والتراثات والمجتمعات بخصوصياتها المميزة والمتمايزة وأمزجتها الفردية وحميمياتها المغروسة. التقط غوته إرهاصات هذه الواقعة المتطورة بطرحه للمرة الأولى فكرة Weltliteratur، أي نشوء أدب عالمي وربما عولمي ينضاف إلى آداب الثقافات المتنوعة ويتجاوزها.
بدأت دربك وأدونيس في نفس المرحلة التاريخية ومن نفس المنطلقات تقريباً، إلا أنكما افترقتما وها أنت تحوز نفس الميدالية، التي حازها أدونيس عام 2001. كيف تقيم مساهمات أدونيس؟
بلا أدني شك فإن أدونيس أهل لميدالية غوتة كشاعر كبير وطاقة هائلة ليس في الثقافة العربية المعاصرة وحدها، بل في جميع مجالات التفاعل الثقافي والأدبي والفكري دولياً وعالمياً.
متى افترقتما؟ ولماذا؟
دخلت مع أدونيس وضده في سجالات نقدية بداية من مطلع ثمانيانت القرن الماضي حتى اليوم. جاءت تلك السجالات نتيجة للخيبة التي أصابتني وللخذلان الذي أرّقني حين بدأ أدونيس بالتنظير للخمينية القروسطية ولعقيدة ولاية الفقيه، بعد سنوات مديدة من نضال مشترك من أجل تثبيت قيم الحرية والإبداع والتغيير والمساواة والعلمانية والموضوعية والعقلانية في حياة الاجتماع العربي وثقافته. طبعاً لم أسكت على هذا الهجران الأدونيسي المفاجئ للقيم المذكورة لصالح خطاب تلفيقي أدونيسي طارئ، يعتذر لظلامية طائفية شمولية لا ترى إلا نفسها في هذا العالم، ولقروسطية دينية استبدادية زاحفة. وتعمقت خيبتي وازداد ألمي وقلقي حين لاذ أدونيس بصمت مدوٍ على امتداد عقد كامل استغرقته الفضيحة الأدبية العالمية التي فجرتها رواية “الآيات الشيطانية” بخاصة بعد إصدار الخميني الفتوى التلفزيونية الشهيرة بقتل سلمان رشدي على الفور. لم يسمع أحد في خضم هذه المعمعة الثقافية-الأدبية-السياسية الكبرى بدفاع لأدونيس عن حرية الضمير والتعبير، أو عن حق الكاتب في الحياة، أو عن كرامة الأدب وحرمة الثقافة أو عن عدالة الدعوة إلى القتل الفوري عبر التلفزيون لإنسان وروائي، بلا أي قانون أو تهمة أو محاكمة أو دفاع.
هل افترقتما بعد الثورة السورية فراقاً لا لقاء بعده؟
أثار موقف أدونيس السلبي جداً من ثورة الشعب السوري على الاستبداد الأسدي والطغيان العسكري-الأمني لغطاً هائلاً ضده ونقمة عارمة عليه. وليس في هذا كله أي جديد، لأن أدونيس اليوم ليس إلا امتداداً لانقلابه الطائفي على ماضيه الحداثوي-التنويري لصالح ولاية الفقيه ومماشاة حكم آيات الله الديني القروسطي في إيران باستبداده الفاقع. يرواغ أدونيس كثيراً، لأنه يؤكد بالنسبة لسوريا الثورة تحديداً وللربيع العربي عموماً، “أن الديمقراطية لا تتحقق ما دام الدين هو مرجع القيم”، ولكنه يصمت كلياً في الوقت نفسه، عندما يتعلق الأمر ذاته بإيران الإسلامية وآيات الله ومرجعية قيم دولتهم وحكمهم.
بدلاً من تبادل الاتهامات بالطائفية والسجال على صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزة، هل أنت مستعد لمناظرة علنية وجهاً لوجه مع أدونيس؟
كنت على استعداد لذلك، لكن بعد أن قرأت المقابلة البائسة التي نشرتها صحيفة “السفير” مع أدونيس مؤخراً قررت العكس. كيف أناقش جدياً وجهاً لوجه شاعراً كبيراً يصف بشار الأسد بـ”الرئيس المنتخب”، ثم يتهم الشعب السوري بأنه “هاجر” طوعاً عن أرضه ووطنه دون أن يرف له جفن؟!