دار الحديث في سيارة أحد قادة أجهزة المخابرات في دمشق: “أرى أشياء بالغة الخطورة تقترفها الحاشية العائلية لبشار الأسد”. وأضاف المسؤول الأمني الذي كان يتحدث مع رجل أعمال سوري قابلناه في باريس الأسبوع الماضي: “ولكنني لا أستطيع أن أفاتح الرئيس حولها لأنه سيقول لي: “أنت، إلزم مكانك، هذه الأمور ليست من إختصاصك”. وانتهى مسؤول الجهاز الأمني إلى الإعراب عن “تشاؤمه إزاء الوضع الراهن”.
وتظهر هذه الحادثة أن “الرئيس” لا يعرف كل ما يدور في بلاده، في حين يواجه موجة من الإحتجاجات لم يسبق لها مثيل منذ وصوله إلى السلطة في العام ٢٠٠٠. ولا يعرف مدى فساد إن خالته، رامي مخلوف “مضخة أموال النظام”، الذي يهتف الثائرون ضده في جميع المظاهرات. ولا تحركات شقيقه “ماهر”، قائد الحرس الجمهوري والفرقة المدرعة الرابعة، التي تمثل الأدوات الرئيسية للقمع الدموي ضد المظاهرات المستمرة إبتداء من “درعا”، نقطة إنطلاق الثورة في جنوب البلاد، مروراً بـ”حمص” في الشمال، ومناطق الأكراد، وحتى “اللاذقية” و”بانياس”، معقل الأقلية العلوية التي تحكم دمشق منذ العام ١٩٧٠. وللمرة الأولى، يوم أمس، فقد وصلت الإحتجاجات إلى “حلب”، المدينة الثانية في سوريا.
لكن المعلومات تفيد أن رامي مخلوف وماهر الأسد هما اللذان أقنعا بشار بالإنحياز لـ”المتصلّبين” من أعضاء العشيرة العائلية التي تحكم سوريا. وتم ذلك قبل الخطاب الذي ألقاه بشار الأسد أمام البرلمان في ٣٠ آذار/مارس الماضي. ويؤكد خبير في الحياة السياسية السورية يفضّل عدم نشر إسمه أنه “قبل ساعات من إلقاء الخطاب، قام بشّار بتغيير مضمون الخطاب لصالح الحل القمعي الشامل”. وهذا مع أن مستشارته، “بثينة شعبان”، كانت قبل يومين فقط قد توقّعت علناً رفع حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ ٤٨ سنة- وذلك يمثل المطلب الرئيسي للمتظاهرين. ويضيف مصدرنا: “لكن المتشدّدين أقنعوه أنه إذا ما أظهرت السلطة أية علامة ضعف، فسنصبح جميعاً خلال شهر واحد ضيوفاً في أحد فنادق الدوحة”!
ميليشيات وقنّاصة
منذ ذلك التاريخ، تبذل العشيرة الحاكمة كل جهودها لتحقيق هدف وحيد: الحؤول دون تكرار المسار الذي شهدته تونس ومصر. وأكثر ما يرعب النظام هو خروج الناس من الجوامع بعد صلاة الجمعة.. وفي كل زوايا البلاد، يعمل عملاء ١٧ جهاز إستخبارات للحؤول دون أي تجمّع:. ويقول أحد سكان دمشق: “يقومون بجمع بطاقات هوية المصلّين على مدخل “الجامع الأموي” في دمشق. ثم يسمحون بخروج ٣ أو ٤ أشخاص كل مرة، ويقفلون الباب حتى يتفرّقوا. ولا يهمّهم إذا كان الأمر سيستغرق ٥ ساعات قبل أن يخرج الجميع من المسجد”.
وفي المحافظات، تم توزيع عصي خشبية على أعضاء النقابات التي يسيطر عليها البعث. ولا حدود لابتكارات أجهزة الشرطة السرية. فحينما تبدأ مجموعة من الشباب بالهتاف، ضد النظام، فإن مجموعة من عملاء الشرطة تنضم إليها لتردد نفس شعارات المعارضة قبل أن تبدأ بإطلاق شعارات مؤيدة للنظام، وذلك في حين يقوم عملاء آخرون باعتقال الشبان المحتجّين,
الدور الأساسي للبرجوازية السنّية
ويقول طالب تحدّثنا إليه بالهاتف في دمشق أن “الناس في دمشق متوتّرون جداً. وهم يلازمون بيوتهم”. ومع ذلك، فالعاصمة لم تتحرّك بعد. ويقول رجل الأعمال السوري الذي تحدّثنا إليه أنه “إذا كانت السلطة ما تزال ممسكة بالوضع، فالفضل يعد إلى شبكات المصالح الإقتصادية التي نسجها “رامي مخلوف” و”فراس طلاس” (إبن وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس) لصالح بشّار مع كبار العائلات التجارية السنّية في دمشق وحلب”. إن هذه الأغلبية الصامتة هي التي تمسك مفاتيح مستقبل النظام بمواجهة الثوار- وأعدادهم بالألوف- وبمواجهة المعارضة التقليدية التي بدأت تكشف عن وجهها. وحسب الرقم ٢ السابق في جهاز الإستخبارات الخارجية الفرنسية، “آلان شوي”، فإن “بشار يقول لهم: “إنتبهوا جيداً، إذا ما سقطنا نحن، فسيتم ذبحكم معنا”.
لقد سعى الرئيس السوري، تحت وطأة الضغوط، إلى تصحيح مسار الأمور. وكان رئيس حكومة قطر، الدولة العربية الوحيد الصديقة لسوريا، قد زار دمشق حاملاً رسالة من أمير قطر مفادها أن عليه أن “عليك أن تفعل كل ما هو ضروري، وإلا فإنك لن تفلت من المنطق العام” للثورات العربية. وتحت وطأة التنديد الصادر عن واشنطن وباريس ولندن، خفّفت السلطة السورية قبضتها قليلاً، ولكن عبر تقديم التنازلات بالتقسيط، وفقاً لرؤياها الأمنية للبلاد.
يضيف الخبير السوري: “بالنسبة لبشار، فإن المجتمع السوري يتألف من ٣ فئات: الأكراد، والإخوان المسلمين، والبقية، أي المقموعين الذين نسيطر عليهم بالقوة. وقال بشار لنفسه: “سأعطي الجنسية للأكراد”، معتقداً أن ذلك سيكفي لتهدئتهم. و”سأسمح للمنقبات بدخول الحامعات”، من أجل تهدئة الإسلاميين. أما البقية، فسنتعامل معهم كالعادة، أي عبر أجهزة الأمن”! ولكن، حتى الآن، لم ينفع شيء: لا التنازلات الصغيرة، ولا العصا. والأخطر أن الشارع بدأ يهاجم رموز عشيرة الأسد. ففي “درعا”، قام المحتجون بحرق صورة حافظ الأسد، كما أحرقوا صورة بشار أمام نادي ضباط حمص. وفي المدن المختلطة، مثل اللاذقية وبانياس “ضاق السنّة ذرعاً من العيش تحت سلطة إبن الأسد الفلاني أو “العلوي الفلاني”، كما يقول ديبلوماسي سابق.
ما يزال الوقت مبكراً لمعرفة ما إذا كان نظام بشار الأسد سيسقط. ويمكن للأسد أن يعوّل على عدم وجود أي تدخّل خارجي، وعلى خوف إسرائيل، والأردن كذلك، من أي تغيير في السلطة السورية. وهذا، حتى لا نشير إلى مخاوف الأقليات المسيحية والدرزية. ولكن مصدرنا الديبلوماسي يقول أنه “طالما ظلّ بشّار غير مقتنع بأن للإحتجاجات جذوراً سياسية، فإن التمرّد سوف يستمر. ثم يشير إلى الحلقة المفرغة التي يواجهها الرئيس السوري: “إذا ما تصدّى للجذور السياسية للإحتجاجات، فإن المتظاهرين سيطالبونه بالرحيل، كما فعلوا، قبله، ببن علي ومبارك”.
وحدة العلويين غير المضمونة
لكن، منذ عشر سنوات، فإن كثيرين من السوريين، الذين كانوا يكنّون التقدير لرئيسهم، كانوا يتوقّعون منه أن يقوم بـ”انقلابٍ على النظام”. ويقول سوري يعرف بشّار عن قُرب: “كنت أتمنّى لو أنه في خطابه في ٣٠ آذار/مارس خاطبنا قائلا: “يا شعبي العزيز، هذا هو اليوم الذي طالما حلمتُ به، لقد أعطيتموني أخيراً إمكانية الحركة”! ثم يضيف: “للأسف، فإن بشّار ليس قادراً على إلقاء مثل هذا الخطاب. فهو مرتبط جداً بالنظام، كما أنه لا يملك الشخصية للازمة للقيام بمثل هذا الإنقلاب. والواقع أن بشّار الأسد وصل إلى السياسة بالصدفة. ففي العام ١٩٩٩، حينما تمّ استدعاؤه من لندن حيث كان يكمل دراسة طب العيون، كان مفترضاً ان يظل في موقع “مساعد قائد” لبعض الوقت إلى جانب والده حافظ. ولكن حافظ الأسد مات في العام ٢٠٠٠. وفي سن ٣٨، وجد الطبيب الشاب نفسه في المعمعة. إن والده هو الذي صنع النظام البعثي. وبات بشّار سجين ذلك النظام. وهكذا قام بإدارة التركة العائلية بالوكالة، وظل شاعراً بأنه مدين لأعضاء العشيرة الآخرين: شقيقه ماهر، وشقيقته “بُشرى”، زوجة “آصف شوكت”، رئيس الإستخبارات العسكرية البالغة القوة في حينه، ووالدته “أنيسة مخلوف”، التي تقوم بكل ما بوسعها لخدمة أقاربها.
بعد إضطرابات فترة ٢٠٠٥-٢٠٠٦، التي أعقبت الضغوط التي تعرّضت لها سوريا بعد اتهامها باغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، نجح الرئيس بشار الأسد، أخيراً، في أن يظهر وكأنه القبطان الوحيد للباخرة السورية. ففرض زوجته “أسماء” على أمّه، التي انتقلت إلى الجبل العلوي حيث يرقد زوجها. أما في الأزمة الحالية، فإن بشّار عاد ليصبح واحداً فقط من عدد من الشركاء في “هولدينغ الأسد”.
ويشدد المصدر الديبلوماسي على أن “العدو الرئيسي للنظام هو بشّار نفسه، والأخطاء التي يرتكبها كل يوم”. ويعتقد بشّار الأسد أنه الآن يكسب وقتاً، ولكن هل الوقت لصالحه فعلاً؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه أعيان الطائفة العلوية، ورؤساء أجهزة المخابرات كذلك. وهم، جميعاً، يرغبون في الإحتفاظ بالسلطة. على الأقل للحؤول دون تصفيات الحسابات التي ستعقب سقوط عائلة الأسد. ولكن، هل سيقبلون بالإنتحار من أجل عائلة الرئيس؟ إذا ما تدهور الوضع أكثر، فإن إمكانية الإنفجار من الداخل لا تعد مستبعدة كلياً.
مترجم عن جريدة “الفيغارو” الفرنسية
العشيرة الأسدية أمام تحدّي الشارع السوري
http://www.youtube.com/results?search_type=videos&uploaded=w&uni=3&suggested_categories=25%2C29&search_query=%D8%AC%D9%88%D8%AF%D8%AA+%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF++%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%85%D8%8C+%D8%AF%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D8%8C