العرب والحوار الامريكي الايراني المرتقب: شركاء ناجزون دفاعا عن الدور والموقع والتاريخ

0

“الشفاف”- خاص

ما من احد لا يستطيع القول بان التقارب الامريكي الايراني قد وصل الى نقطة متقدمة. وكل المؤشرات توحي بأن الحوار المباشر بين الطرفين بات قاب قوسين او ادنى، وان كلا الطرفين يعمل على ترتيب اوراقه وملفاته قبل لحظة الحقيقة التي سيتواجهان فيها والتي ستشكل منعطفا جديدا ومهمّاً على الصعيدين الاقليمي والدولي، وتحولا انتظره العالم منذ ثلاثة عقود.

الغزل، او بالاحرى، الشوق المتأجج بين الطرفين وصل الى نقطة التفجر، وبات من الصعب على كليهما تحمل الاستمرار بلعبة التواصل عبر الوسطاء والمراسيل الذين يحاولون استغلال دورهم وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لأنفسهم. خصوصا وان الصديقين اللدودين يدركان النقاط الكثيرة التي تجمع بين مصالحهما الاقليمية وحتى الدولية. وان واشنطن قد وصلت الى قناعة بأنه اذا لم ترد الدخول في مواجهة عسكرية ضد النظام الايراني تكون نتائجها فرض معادلة جيوسياسية جديدة في المنطقة إحدى نتائجها المباشرة تفكيك ايران، هذا في حال كانت نتائج الهجوم العسكري مضمونة ولم تساعد في تعزيز النظام الايراني، فان عليها الاعتراف بتلاقي هذه المصالح مع طهران، خصوصا اذا ما ارادت واشنطن وضع قطار الخروج من الازمات والصعوبات التي تواجهها في الشرق الاوسط على السكة التي تساهم في وصوله الى النقطة المبتغاة.

الخطوة الامريكية الاولى في مخاطبة ايران حملت الكثير من الاشارات على وجود فهم جديد داخل اروقة البيت الابيض والخارجية الامريكية. فقد كانت المحطات الكلامية والسياسية التي تضمنتها رسالة الرئيس الامريكي باراك اوباما للتهنئة بمناسبة عيد النوروز (السنة الفارسية) كثيرة الوضوح والدلالة على هذا الفهم الجديد:

اولا: اختار اوباما التوجه الى القيادة الايرانية في رسالته ولم يتوجه للرئيس محمود احمدي نجاد، اي للجهة التي تملك القرار، مرشد النظام السيد علي خامنئي. ولم ينتظر اوباما ولا إدارته كثيرا لتلقي الرد الايراني الذي رسمه بعد يوم واحد المرشد خامنئي من مدينة مشهد (شرق ايران)، على الرغم من ان اوباما امتنع حتى الآن عن الرد على رسالة التهنئة التي وجهها له احمدي نجاد بمناسبة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الامريكية.

ثانيا: تحدث اوباما في رسالته عن “قيادة الجمهورية الاسلامية”، وهي المرة الأولى تقريبا التي يصدر فيها مثل هذا الكلام عن سيد البيت الابيض في مخاطبة النظام الايراني، ما يعني ان الادارة الديمقراطية قد بدأت بتطبيق سياسة جديدة تجاه ايران تقوم على الاعتراف بالنظام الذي انبثق عن الثورة الاسلامية عام 1979 بعد اسقاط النظام الملكي. وان هذه الادارة قد تخلت عن مبدأ ساد على مدى ثلاثة عقود بضرورة العمل على تغيير هذا النظام. وبالتالي فان هذه الخطوة تُعتبر محاولة جديدة لاستيعاب المتغيرات الحاصلة في ايران والدور الذي اجترحته هذه الدولة لنفسها طوال هذه الفترة اقليميا ودوليا من خلال وقوفها بوجه كل المخططات التي هدفت للنيل منها. فقامت بمد اذرعها الى مناطق في الاقليم خارج حدودها، واسست مراكز نفوذٍ لها بات من الصعب تجاوزها او العبور عنها في اي حل او معادلة سياسية يريد اي من الاطراف تسويقها في المنطقة.

وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة الامريكية قامت، وعلى مدى العقود الماضية، بتعزيز حضورها العسكري المباشر في الشرق الاوسط والخليج – تحت غطاء دولي – بذريعة تحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين. وبعدها، وبذريعة محاربة الارهاب بعد تفجيرات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001، توسع هذا التواجد العسكري من البوابة الافغانية لترسم معه واشنطن معالم الشرق الاوسط الكبير الذي يمتد من باكستان الى المغرب في شمال افريقيا. وتوضحت هذه الصورة اكثر في العام 2003 مع سقوط العاصمة العراقية بغداد.

وما لا تنكره الادارات الامريكية ان كل هذه الخطوات العسكرية لقواتها في الشرق الاوسط الكبير لم تكن لتتحقق من دون التعاون الايجابي، او ما يعرف بموقف “الحياد الايجابي” الذي اعتمدته طهران من هذه الخطوات، والتي راهنت على توريط واشنطن في هذه المستنقعات ما يساعد على تأجيل او ابعاد شبح اي عملية عسكرية محتملة ضدها.

ويمكن القول ان ايران نجحت نسبيا في تحقيق هذا الهدف، من دون ان يسقط كلا الطرفين – الايراني والامريكي – من حساباته الخيار العسكري في حال وصلت الامور الى طريق مسدود ولم تُجدِ نفعا العقوبات الاقتصادية التي من المتوقع ان تكون في المستقبل اكثر تشددا وبمشاركة اوسع من كل الاطراف الدولية بما في ذلك روسيا والصين. من هنا فان خيار اللجوء الى التفاوض المباشر لدى الادارة الامريكية يشكل محاولة للخروج من عنق الزجاجة العسكرية في العراق وافغانستان، والذي اضيف اليه تراجع قوة الردع الاسرائيلية بعد حربي تموز لبنان 2006 وغزة في ديسمبر 2008. وهو ما استغلته طهران وتحاول قطف ثماره للحصول على اعتراف امريكي ودولي بدورها وموقعها واستثمار الاوراق التي طالما احتفظت بها لتنفيذ اجندتها الاقليمية والنووية.

وفي هذا السياق، يبدو ان اللاعب العربي او النظام العربي لم يستطع اقتناص الفرصة ليشكل شريكا أساساً في رسم الخارطة السياسية للمنطقة او الشرق الاوسط الكبير من خلال التقدم بورقة مبادرة السلام العربية 2002، مستبعدا الجار الايراني عن هذا المسار كما فعل في مؤتمر السلام في مدريد عام 1992، اعتقادا منه بان الازمة الفلسطينية أزمة عربية وان الدول العربية هي الوحيدة التي تملك الحق في التفرد بحلها مع الفلسطينيين. لكن ايران التي كانت تواجه عزلة دولية قاسية لم ترُق لها هذه التطورات وعملت بمبدأ المثل الايراني “الذبح بالقطن”، واستطاعت لاحقا عرقلة هذه المسارات والتحول، عن طريق فرض واقع جديد عبر حلفائها، الى لاعب مقرر في هذه الازمة. خصوصا وان الجانب الاسرائيلي الذي لم يكن يبدي أي قلق من استمرار الدول العربية في عملية السلام، وبالتحديد بعد خروج العراق من معادلة الخوف الاسرائيلي المضخَّم على الوجود، واعتبر ان وجود ايران خارج هذه المعادلة سيساهم في عدم التوصل الى أي استقرار في المنطقة، لإدراكه ان اللاعب الايراني لن يسمح بأي تهميش لدوره الذي استثمر فيه الكثير من الوقت والجهد والنفوذ. الا ان القلق الذي لا يزال يسيطر على القيادة الاسرائيلية هو حول الدور الذي تريده طهران والذي ستعطيه واشنطن لها، وهل سيكون على حساب دور وموقع تل ابيب في أي معادلة جديدة سترسم للشرق الاوسط الكبير هذه المرة. وهذا ما يفسر التراجع في اللهجة الاسرائيلية من طهران مؤخرا، مع التأكيد على المخاوف من البرنامج النووي الايراني ودعوة الادارة الامريكية للتعجيل في الوصول الى نتائج في حوارها مع طهران وعدم المماطلة واضاعة الوقت التي يبرع فيها الايرانيون.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، اين موقع العرب في هذه المعادلات الجديدة، خصوصا بعد حصول تل ابيب على تطمينات امريكية، خصوصا في ظل اتجاه الامور الى الاعتراف بإيران النووية في المنطقة وان كان بشروط، وهو ما اعلن الإيرانيون رفضهم له؟

هل يكفي إجتماع وزراء خارجية العرب مع الامين العام للجامعة العربية في العاصمة الاردنية عمّان، وتدوين رسالة ليحملها العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني الى الرئيس الامريكي باراك اوباما يؤكدون فيها تمنياتهم بان لا تكون المفاوضات الامريكية الايرانية على حساب دور وموقع الدول العربية في المنطقة؟

من الطبيعي، وبكثير من القسوة، أنه لا الإدارة الامريكية ولا القيادة الايرانية على استعداد لتقديم هذه الخدمة مجانا لاي من الدول العربية. لا بل ان ايران ستحاول، اذا استطاعت، فرض معادلة جديدة لأوزان هذه الدول والعمل على تعزيز ادوار دول جديدة على حساب أخرى تاريخية، أي قطر على حساب السعودية، وسوريا على حساب مصر، في تعاطي واشنطن المستقبلي في المنطقة.

من حق العرب ان يقلقوا من الدور المتنامي لايران في المنطقة، خصوصا اذا ما وصلت المفاوضات بين واشنطن وطهران الى نتائج ايجابية وكانت الاخيرة على استعداد لتقديم تنازلات كثيرة تخدم المصالح الامريكية مقابل ان تحصل على مكاسب تخطط لها. لكن ليس من حقهم ان يقفوا متفرجين ويكتفوا فقط بالمطالبة من دول لها مصالحها وتعمل من اجلها وليس مؤسسات خيرية. وعليها ان تغير معادلة كونها خزانا للطاقة تزود العالم، لتتحول الى شريك فاعل، وان تحفر لنفسها موقعا ودورا.

لكن هل يُنال هذا الامر بالتمني واعلان المواقف، ام بالتأسيس لمسار جديد في التعاطي مع ملفات المنطقة ورفع الصوت والتذكير بانها شريك في هذه المنطقة والعالم بأشكال مختلفة؟

لذلك، واقل الايمان، المطلوب هو تحرك سريع للمجموعة العربية في الامم المتحدة، بالضغط والتهديد، لتلزم الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي مع المانيا ان تكون الدول العربية شريكا عبر ممثل لها تكون له صلاحية الاعتراض والتدخل في أي مفاوضات مرتقبة وقريبة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية لبحث الملف النووي ورزمة المحفزات التي قدمتها هذه الدول لايران في حزيران / يونيو 2006. خاصة وان هذه المحفزات تحدثت بصراحة عن نظام أمني اقليمي وعن دمج ايران في أي تصور لادارة المنطقة. وعندها لن تسمح لأي من الاطراف باعطائها جائزة ترضية على دورها الايجابي والمساعد في ايصال هذه المباحثات الى النتيجة المطلوبة، بأن يمارس الكبار ضغوطا على اسرائيل لتوافق على المبادرة العربية للسلام مقابل الارض والتي لن ترى النور اذا لم تكن مذيلة بالتوقيع الايراني في حال تم التوصل الى تفاهمات نهائية.

وامام القلق العربي من ان يكون الحوار الامريكي الايراني على حساب الدول العربية، فان على هذه الدول عدم الاكتفاء بالرسالة التي سيحملها العاهل الاردني، بل عليها ان تطالب او تفرض على الادارة الامريكية أن تكون مشاركا في هذا الحوار، على الاقل بصفة مراقب او مستمع، حتى لا يعقد الطرفان صفقات على حساب هذه الدول. خصوصا وان الجانب الايراني يعد ملفات واوراق هذه الصفقات ليطرحها امام الطرف الامريكي، الذي سيحمل هذا ايضا ملفاته واوراقه ليعقد مع الجانب الايراني صفقة حولها.

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading