يعرف كثير من أصدقائي وقرائي أن حساسيتي في الأساس أدبية، أي منفعلة أكثر مما هي فاعلة، وكان علي أن أرضى بها، لولا أن النفس أمارة بالسوء، كما هي أمارة بالسوء نفوس كثيرين ممن يتصدون للشأن السياسي أو الإداري، ولكن قدراتهم ومواهبهم تكاد أن تكون محصورة في اللعب السياسي… أو غيره مما يستقبح التصريح به من طمع أو جشع أو حب الجاه (السلطة) والمال الذي «ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل» أي بشكل تلقائي، كما هو في المأثور عن رسول الله (ص). غير أن الضرر الذي يترتب على عدم رضاي بالأدب شأناً خاصاً قد يحقق لي فرادتي، وتعاطي للشأن السياسي أو كتابتي في السياسة بمعناها العام واليومي، هو أقل بكثير من الضرر الذي يترتب على تعاطي العاجزين أو المدخولين سياسياً في نواياهم وأهدافهم، لأن ضرري هو عليّ أولاً وعلى بعض من يتبعونني من دون ملكة نقدية… بينما الآخرون ضررهم عام على الوطن والمواطن، على الماضي والحاضر والمستقبل، لأنهم يعيقون الدولة التي هي وظيفتهم، ويخلون بعقد الإجارة مع الشعب الذي منحهم ثقته في التنفيذ، أو صوته في التشريع والمراقبة، على أساس دستوري يجعل مجلس النواب حاكماً على الحكومة لا محكوماً لها، ويجعله أمامها لا وراءها، ويجعله صاحب القول الفصل في تأليفها واسقاطها على أساس المساءلة والمحاسبة، وبالأرقام لا بالخطابة. وعليه فإنه يمثل الشعب والأمة، لا طائفته او عرقه او حزبه أو الإنشقاق الحاصل أو الذي سوف يحصل في حزبه، القديم أو الجديد… وهو أيضاً ممثل الشعب لا الزعيم ويمكنه أن يمثل الزعيم (نصف الإله) في مجالات أخرى.
عوداً على بدء، اعترف بأنني والحمد لله، لم أستطع أن أكون كاتباً سياسياً صحافياً محترفاً، وظلت حساسيتي الأدبية واللغوية تتسلل وتجعلني أمزج بين الذاتي والموضوعي وبين السردية والتقريرية، ما جلب لي اعتراضات كثيرة وثناء كثيراً.
مع بداية شهر رمضان قررت أن أبدأ بوضع حد لتصحري وجفافي الروحي، فقررت أن أكتب مشاعري، لا أسئلتي السياسية ولا أسئلة الآخرين لأنها لا جواب عنها، خصوصاً في العراق الذي أحبه، وعليه فكأني على موعد مع التوبة والغفران فماذا أصنع وماذا أكتب؟
للحديث بقية
* السيّد هاني فحص، رجل دين وكاتب لبناني