هاجس الفشل الجنسي يطارد الرجل منذ أقدم الأزمنة. ولكن ذلك الهاجس بات، اليوم، من مخلّفات الماضي: فبين الأدوية التي تسبّب الإنتصاب، والعلاجات النفسية، والإضافات الإصطناعية prothèses، بات ممكناً إعادة القوة إلى الأعضاء الأكثر ضعفاً. التحقيق التالي من أعماق علم وظائف الاعضاء وعلم النفس الذكوري. وهو منقول عن ملحق جريدة “لوموند” الفرنسية.
1- الرجل كان دائماً يخشى أن “يبحّ صوته”!
خشي الرجل الفشل الجنسي والعجز الجنسي منذ القِدّم. فقد عُثِرَ في معهد “عشتار” في بابل، بالعراق، على صفائح محفورة نقشت عليها تعازيم للرجولة: “لتعصف الريح، ولترتعش الغابات! لتنساب قوتي مثل مياه النهر، ولينتصب قضيبي مثل حبل القيثارة”.. وفي الـ”ساتيريكون”، الذي يعود إلى عهد نيرون، يصف الشاعر بترون “خجل” إنكولب حينما “تخون” رغبَتُهُ الصبية سيركي. ولكن سيركي “الساخطة” تعود ومعها ساحرة تمرّر خيطاً ملوّناً حول العضو غير المنتصب وهي تردّد “يا برياب، ساعدنا بكل قوتك”. وكان الإله “برياب” يًصوّر وقضيبه منتصب باستمرار: ومنه لفظة “بريابيزم” الطبية الحديثة. ولكننا اليوم لم نعد بحاجة للإستنجاد بالإله للحؤول دون الفشل الجنسي. فحسب الأطباء المتخصّصين في النشاط الجنسي للذكور، سواء كانوا أطباء نفسيين، أم أطباء مسالك بولية، أم أطباء ذكورة، أم متخصصين في علم الجنس، فقد بات ممكنا الآن شفاء جميع انواع الضعف الذكوري تقريباً. وبات ممكناً القضاء على اللعنة التي طاردت الرجال منذ القدم. تتوفّر الآن مجموعة من العلاجات التي تسمح بشفاء كل أنواع الفشل الجنسي، حتى لو كان مزمناً. وبات ممكنا الشفاء من القذف المبكّر. بل، وبات ممكناً معالجة الأشخاص المصابين بالشلل.
ويقول الطبيب النفسي “فيليب برونو”: “إنها لحظة تاريخية. فبين الفشل المؤقت، والعطل المتكرّر الناجم عن أسباب نفسية، وأنواع العجز المرتبطة بأمراض خطيرة مثل السكّري والسرطان، أو التي كنا نعتقد أن سببها هو التقدّم في العمر، فإن الكثير من الرجال كانوا، وما يزالون، يعيشون هاجس إنتهاء حياتهم الجنسية. وحتى وقت قريب، لم يكن هنالك علاج حقيقي، أو عقار مثير للشهوة الجنسية مؤكّد النتائج. ولذا، كان كثير من الرجال يلجأون إلى أدوية مشكوك بها أو خطرة”.
ويروي “فيليب برونو” كيف دخل الإنسان في حقبة جديدة. وهذا الطبيب النفسي هو مؤلّف إحدى الدراسات النادرة عن تاريخ العجز الذكوري (Impuissance masculine, L’esprit du temps, 1994) . وقد شارك حديثاً مع “باسكال بيك” في وضع كتاب حول الفوارق بين الحياة الجنسية للقرود والبشر primates والإنسان. وهو أحد مسؤولي جمعية تضم 500 من أطباء الجنس، والأطباء وغير الأطباء، عقدت في شهر مارس مؤتمراً بعنوان “الزوجان وحياتهما الجنسية”، تخلّله نقاش كثير حول “أعطاب الإنتصاب”.
ويضيف “فيليب برونو”:
“اليوم، لم يعد الأطباء يتحدّثون عن العجز الجنسي. فهذه الكلمة غامضة، ومثيرة للقلق، ولا تراعي مدى تنوّع العِلَل التي تلمّ بالرجولة. أن نقول عن رجل أنه “عاجز” يعني أنه “لم يعد رجلاً”، أي أنه لم يعد كائناً بشرياً كاملاً. إن التعبير يشكل إهانة، كما تعبير “باردة جنسية” للمرأة. نحن نفضّل إستخدام تعبير “إضطرابات الإنتصاب”، متنوّعة الأسباب، ويتطلّب كل منها علاجات مناسبة”.
وينبغي أن نفهم أن لكثير من الرجال الذين يعانون من أعطال جنسية ليسوا عاجزين مزمنين. فمع التقدّم في العمر مثلاً، فإن معظم الرجال يعيشون فترة كُمون أطول بين إنتصابين. وفي سنّ الـ25، تكون هذه الفترة بضع دقائق. ثم تصبح نصف ساعة في سن 35. وتصبح ساعة بعد سن 45. وتصبح يوماً كاملاً بعد 55. ثم عدة أيام بعد 65 سنة. وتصبح أسبوعاً كاملاً بعد سنّ السبعين. إن بعض الرجال الذين تجاوزوا سنّ الأربعين يشعرون بالقلق لأن إنتصاب قضيبهم بات يستغرق وقتاً أطول، فيكتئبون من هذا الإرتخاء العابر، ويمكن أن ينشأ لديهم إنحصار نفسي يقودهم، في النهاية، للإعتقاد بأنهم عاجزون جنسياً. ولكن الواقع هو أنه يتقدمون في العمر فحسب.
ويضيف “فيليب برونو”: الإنتصاب ليس من نوع كل شيء أو لا شيء، وليس دائماً نوعاً من “الإداء”. وينبغي للرجل ألا يشعر بالذعر على الفور، لأن الرجل مجهّز لكي يمارس الجنس حتى سن 80 أو أكثر. إن رجلاً متقدماً في السنّ وفي صحّة جيدة، يظل قادراً على الإنتصاب إذا شعر بالرغبة. إن الكهول يوقفون نشاطهم الجنسي بسبب الأمراض، كالشرايين، أو القلب، أو السكّري، أو الوزن الزائد، وليس بسبب تقدّمهم في العمر. والحال، فقد بات حتى العجوز الذي لا يتمتع بصحة ممتازة قادراً على الإنتصاب في يومنا إذا توفّر له العلاج المناسب”.
وهنالك حالة الرجال الذين يعتقدون أنهم عاجزون جنسياً لأنهم لم يمارسوا الجنس منذ مدة طويلة ويواجهون صعوبات لاستئناف نشاطهم الجنسي. والواقع أن ضعفهم، حسب الأطباء، ناجم عن قلة النشاط الجنسي. وبتنا نعرف اليوم أن قضيب الرجل ينثني إذا لم يتم إستخدامه. إن قلة التمرين تسيء للقضيب الذكوري، وتجعله يفقد حيويّته. وتلك هي “أعراض الأرمل” التي كانت رائجة للغاية في القرن الماضي. فبعد سنتين من التوقّف، يجد الأرمل صعوبة كبيرة في الإنتصاب. والمسألة هنا ليست نقص رغبة بل مسألة “قدرة على الإنتصاب”.
ويقول “فيليب برونو”:
“قبل 30 عاماً، كان الرجل الذي يعاني مثل هذا الوضع يستشير المحلل النفسي أو الطبيب النفسي عبثاً. أما اليوم، فإنه بات قادراً على ممارسة الجنس بفضل الرعاية النفسية والأدوية الباعثة على الإنتصاب. إن العِلل الجنسية كلها، من العجز إلى “الهواجس المسيطرة” obsessions قد تم تحليلها نفسياً في القرن العشرين. وكان العجز الجنسي يُعتبر دائماً نوعاً من إنحصار blocage نفسي مرضي. ولكن ذلك التعريف كان يهمل الجانب الفيزيولوجي في موضوع الإنتصاب. وقد تغيّر ذلك كله في سنوات الستينات من القرن العشرين”.
2- حينما اكتشف جرّاح فرنسي أن الأفيون يبعث على الإنتصاب
ماذا جرى في سنوات الستينات والسبعينات من القرن العشرين؟ حرب فيتنام. فالكثير من الشبّان كانوا يعودون من الحرب مصابين بالشلل، وبالعجز الجنسي. وكان لا بدّ من معالجة أولئك “الأبطال المصابين بجروح”، خصوصاً أنهم غالباً ما كانوا متزوّجين. وصادف أن الستينات والسبعينات كانت حقبة ثورة في الأخلاق أزالت العقبات من أمام الأبحاث العلمية في موضوع الحياة الجنسية. وقام أطباء فيزيولوجيون باختبار علاجات جديدة. وكانت النتائج غير حاسمة. ولكن أهم ما في الموضوع كان خروج مشاكل الإنتصاب من نطاق علماء النفس. وهكذا انتقل التركيز من النفسي إلى الفيزيولوجي، ومن العقلي إلى الأعضاء التناسلية. وفي سنوات السبعينات من القرن العشرين، كانت المستشفيات تكتظ بألوف المصابين في حوادث الطرق، وخصوصاً من سائقي الدراجات النارية. وهؤلاء، في معظم الأحيان، كانوا من الشبّان. وبدأ الأطباء يسعون لاستعادة رجولة هؤلاء المصابين. وبالتدريج، نشأ طب متخصّص بقضيب الرجل حول أطباء المسالك البولية: وهو ما نسميه andrologie (أصلها من andros، أي “الرجل” باليونانية)، وهو يعادل ما يسمى طب “أمراض النساء” gynécologie .
في العام 1980، تسارعت الأمور بفضل إكتشاف مذهل سجّله طبيب متخصّص بالشرايين يعدى “رونالد فيراغ”. وهذا ما حدث:
كان هذا الطبيب يسعى لمعالجة “رجل متين من النورماندي” عمره 48 عاماً ويعاني من عدم الإنتصاب منذ 5 سنوات. ولأنه كان مدمناً على التدخين، ويعني من معدل “كوليسترول” مرتفع، فإن منسوب الدم الذي كان يصل إلى قضيبه كان ضعيفاً جداً. وسعى الطبيب لإحداث “إلتفاف” بين شريان صغير في البطن وعضوه الجنسي، على آمل أن يزيد من تدفّق الدم إلى العضو الجنسي. وحيث أن الشريان الصغير كان ينكمش، فقد حقنه بمادة “البابافارين” papavérine، وهي alcaloïde مشتق من الأفيون، بغية توسيع الشرايين. ولكن النتيجة كانت أن الرجل دخل في حالة إنتصاب على الفور! ولشعوره بالقلق، فقد أقدم الطبيب على تخفيف منسوب الدم، ولكن قضيب المريض ظلّ منتصباً. ولمدة تزيد على الساعتين. ماذا حدث؟
لنترك الكلام لـ”رونالد فيراغ” (Ronald Virag)، الذي ما يزال يمارس الطب في باريس وقد نشر كتاباً للجمهور حول علم وظائف القضيب (Le sexe de l’homme, Livre de Poche): “عندها تساءلت ما إذا كانت المادة التي استخدمتها، وليس الدم، هي التي تسبّبت بردّ فعل الإنتصاب. وهنا قرّرت أن أحقن نفسي بمادة “بابافيرين” في القضيب بواسطة إبرة دقيقة، لكي أتحقّق من الأمر. وعلى الفور، شعرت بانتصاب قوي. أي أن مادة “بابافيرين” تؤثّر في القضيب مباشرةً”.
وحينما نشر “رونالد فيراغ” النتائج التي توصّل إليها في مجلة Lancet الطبّية البريطانية (بعنوان: “Intracavernous injection of papaverine for erectile failure, The Lancet, 23 Octobre 1982) كانت النتيجة ثورة حقيقية في تصوّراتنا العملية لوظيفة القضيب، والجياة الجنسية للرجل، وطرق معالجة إضطرابات الإنتصاب. وحيث أن تجربة الدكتور “رونالد فيراغ” كانت قابلة للتكرار بسهولة، فقد بدأت عشرات الفرق الطبية بالعمل لفهم الآليات الدقيقة للإنتصاب. ويقول “رونالد فيراغ”: “بفضل الأبحاث، فقد فهمنا الدور الأساسي للعضلات الملساء، وكيف يعمل القضيب بطريقة تلقائية، على غرار الأعضاء الأخرى في الجسم، باستقلالية عن المخّ الموجّه، وبالتبعية لكيمياء بيولوجية محددة. وهكذا، طُويت صفحة كاملة”.
والحال، فإذا كانت حقنة بسيطة “إسفنجية” intracavernous لمادة منتشرة على نطاق واسع مثل أحد مشتقات الأفيون كافية لبدء إنتصاب يدوم لساعات، فإن الكثير من الرجال الذين كانوا يُعتبرون عاجزين غير قابلين للعلاج نتيجة أمراض نفسية، بل ومن الرجال المصابين بداء السكّري، أو المصابين بحوادث طرق، أو حتى المشلولين، باتوا قادرين على الإنتصاب من جديد.
ولأول مرة في تاريخ الإنسانية، فقد تم الإنتصار على العجز الجنسي، وبات ممكنا معالجة حالات العطل الجنسي المزمنة أو التي تحدث بين حين وآخر.
وفي الوقت نفسه، بدأت ثورة ثانية، كانت ثورة دوائية هذه المرة. فبفضل الأبحاث التي قامت بتمويلها شركات صناعة الأدوية الكبيرة، بدأت الأختبارات على جزئيات molecules جديدة تؤثر في الكيمياء الحيوية. وبدأ البحث عن دواء بسيط، لا يثير القلق مثل الحِقَن، ويشكّل حلا سحرياً- وأيضاً، منجم ذهب جديداً لشركات صناعة الدواء.
وفي مطلع سنوات التسعينات من القرن العشرين، وبالصدفة، اكتشفت مختبرات Pfizer خواص إنتصاب مفاجئة في مادة لمعالجة الخناق الصدري، هي مادة sildenafil. وفي العام 1998، وبعد سنوات من التجارب، بدأت شركة ببيع “الفياغرا”، وهي أول دواء فعّال يتم تناوله عبر الفم، ليست له مفاعيل ثانوية كبيرة، ويصلح للكثير من حالات العجز الجنسي أو الأعطال الجنسية. وسرعان ما شهد “الفياغرا” طلباً، ومجداً، عالمياً.
يتبع: المرأة تظل أفضل “عقار” للشهوة الجنسية
العجز الجنسي الرجالي انتهى والرجل مجهّز ليمارس الجنس حتى سن 80 أو أكثر
ماهوعلاج العجزالجنسي