الارهابي المصري الأحمق أيمن الظواهري زعيم ما يسمى بتنظيم القاعدة خرج علينا مؤخرا من جحره في أحد الكهوف التي يختفي فيها كالجرذان منذ مقتل سلفه أسامة بن لادن ليعلن عبر فيديو مسجل عن تأسيس فرع لتنظيمه الدموي البائس في الهند وبنغلاديش وبورما تحت إسم “تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية”، وذلك على نسق “القاعدة في بلاد شبه الجزيرة العربية” و”القاعدة في بلاد المغرب العربي” و”القاعدة في بلاد الرافدين” و”القاعدة في القرن الإفريقي” الخ. ولم ينس الظواهري أن يبين أهداف الفرع الجديد لتنظيمه المتهالك وهو بحسب قوله “إقامة الخلافة الاسلامية في شبه القارة الهندية، وانقاذ المسلمين من القمع والظلم، وتوحيد الامة الاسلامية على الجهاد”.
المراقبون توقفوا طويلا أمام هذا التطور متسائلين عما دفع الظواهري للخروج بإعلانه المذكور في هذا التوقيت بالذات؟
الإجابة من وجهة نظرنا بسيطة! فالرجل يتوسل اليوم الأضواء بأي طريقة، بعدما انحسرت عنه تلك الأضواء بخروج المدعو “أبوبكر البغدادي” على رأس تنظيم داعش الذي فاقت جرائمه ووحشيته وتطرفه وهمجيته كل جرائم ووحشية القاعدة وطالبان وأخواتهما في بلاد العرب والمسلمين إبتداء من بالي الاندونيسية إلى جنوب الصحراء الافريقية. فوسائل الإعلام الدولية والاقليمية لم تعد منشغلة كثيرا بـ “القاعدة” بعدما فقدت مؤسسها الأصلي بن لادن قتلا على أيدي القوات الامريكية في عام 1911، وبالتالي خفــَتَ وهجها ولم يعد لها ميدانا تتحرك فيه إلا الدول المنفلتة أمنيا مثل باكستان واليمن والصومال. وهي ــ أي وسائل الإعلام ــ تفضل أنْ تلاحق أعمال داعش الجبانة وتعري وحشيتها وتكشف عن المتواطئين معها لأنها حديث الساعة حول العالم.
والظواهري من ناحية أخرى يسعى إلى تأليب الهنود المسلمين ضد حكومتهم المنتخبة الحديثة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، مستغلا ما يشعر به بعض هؤلاء من قنوط ويأس بسبب خروج حزب المؤتمر من السلطة في نيودلهي لصالح حزب يتهمونه بقتل الآلاف منهم في اضطرابات ولاية غوجرات الدموية في عام 2002.
وهو من ناحية ثالثة يريد افتعال أزمات جديدة بين القوتين النوويتين في شبه القارة الهندية (الهند وباكستان) عبر استمالة بعض الجماعات الاسلامية التي قل حماسها لجهة المشاركة في عمليات تنظيم القاعدة وراحت تبحث عن بديل يحقق لها نزعة الانتقام والعنف والتدمير مثل جماعة جيش محمد، ولاشكار طيبة، وطالبان باكستان وأشباهها المتطرفة في بنغلاديش من تلك المناوئة لحكومة الشيخة حسينة واجد. فهذه الجماعات كانت دوما تتحرك ما بين الجارتين الهندية والباكستانية وتقوم بعمليات دموية، يتلوها تدهور العلاقات بين البلدين أكثر مما هي متدهورة منذ تقسيم الهند البريطانية، والظواهري يريد اليوم إعادة جمعها تحت مسمى جديد ودفعها مجددا نحو عمليات ارهابية كي تـُلقي كل دولة اللائمة على الاخرى فتحتقن الاجواء بينهما.
السؤال المطروح هو: هل سينجح الظواهري في مسعاه الخبيث هذا؟
في اعتقادي ــ وهو اعتقاد يشاركني فيه الكثيرون من متابعي الشئون الهندية ــ أن الظواهري لن ينجح وسوف تصاب خططه بفشل ذريع لأسباب كثيرة: فهو لا يستطيع استعادة الاضواء الاعلامية المسروقة منه ومن تنظيمه بسبب التسليط المكثف عالميا واقليميا على داعش وزعيمه البغدادي، لاسيما وأن هناك تحركا وجهدا دوليين لوقف النمو السرطاني لهذا التنظيم بكل الوسائل.
وهو لا يستطيع أن يكسب المناصرين والاتباع ضمن عشرات الملايين من مسلمي الهند، مثلما فعل بن لادن في باكستان وأفغانستان حينما استغل انتماءه إلى بلاد الحرمين الشريفين التي يتبرك البعض في هذه البلاد برجالها وينصتون لهم لمجرد أنهم أتوا من هناك. فالهنود، بسبب انفتاح بلادهم واستقرارها وتقدمها العلمي وتمتعهم بهامش واسع من الحريات، أكثر وعيا من نظرائهم في باكستان وأفغانستان دون أدنى شك.
أما إستمالة المسلمين الهنود إلى خزعبلاته وأهدافه الطوباوية فيقف دونها ما هو معروف بصفة عامة عن الإنسان الهندي المسلم من وسطية واعتدال، واعتزاز بهويته القومية ونظامه الديمقراطي والتعددي وحرياته المكفولة دستوريا، وانشغاله بتحسين مستواه المعيشي عبر العمل الدؤوب والخلق والابتكار وتحصيل المعارف والعلوم النافعة. وآية كل هذا أنه لم يـُسمع عن أي تشكيل إرهابي هندي مسلح يمارس العنف عبر الحدود أو ينخرط مع الجماعات الإرهابية الدولية. وبطبيعة الحال فإن هذا لا ينفي عدم وجود بعض المتطرفين الهنود الذين غـُسلت أدمغتهم بفعل الاحتكاك بالآخر أو العمل في مجتمعات إسلامية شديدة المحافظة، فاستغلتهم التنظيمات الاجنبية المتطرفة وقودا لعنفها أو استغلتهم أجهزة المخابرات الباكستانية كعملاء لها لضرب مواقع هندية حساسة، ولاسيما داخل ولاية كشمير المتنازع عليها، أو داخل عاصمة الهند الاقتصادية (مومباي) على نحو ما جرى في عام 2008 على أيدي من سموا أنفسهم بـ”جماعة المجاهدين الهنود” لكن هؤلاء ليسوا سوى قلة، أو لنقل شواذ القاعدة.
وبالمثل فإن خلخلة النظام السياسي الهندي وإسقاطه عبر الضربات والعمليات العنيفة أمنية “ظواهرية” ليست سهلة التحقيق، بل هي من المستحيلات. فالظواهري قد يحقق مثل هذه الأمنية في باكستان حيث النظام مترنح، والمتاعب الاقتصادية متفاقمة، والاضطرابات الطائفية مشتعلة، وصراع الساسة المدنيين مع العسكر لا يتوقف، والدولة طبقا لبعض المراقبين فاشلة، والتجاذبات القبلية والجهوية ملتهبة، ناهيك عن أن له فيها أتباعا مسلحين على الأرض من بقايا طالبان وغيرهم. لكن أنْ يحققها في الهند فمن المحال وتنطبق عليها عبارة “عشم إبليس بالجنة”، خصوصا أن الحزب الحاكم اليوم في نيودلهي جاء الى السلطة بأغلبية كاسحة. وهذه الاغلبية غير المسبوقة في تاريخ البرلمانات الهندية المتعاقبة تتيح لها بكل سهولة تمرير تشريعات حول قرارات وإجراءات أمنية وعسكرية مشددة لحماية الهند وشعبها المسالم من القتلة والارهابيين من أمثال الظواهري وأتباعه ممن يريدون التلاعب باستقرار هذه البلاد الصاعدة والحاقها بالدول المنكوبة ومنع حكومتها الجديدة من ترجمة خططها الاقتصادية والتنموية الطموحة إلى شواهد على الارض.
الأمر الآخر الذي لا بد من الإشارة إليه هو أن الظواهري بات لا يمثل إلا حفنة قليلة من المغرر بهم، وبالتالي فمهما أصدر البيانات وسجل أشرطة الفيديو فلن يكون له مجيب يستطيع تغيير الاوضاع على الارض.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh