اسرائيل- فى جرائمها ضد الانسانية التى ارتكبتها ضد الفلسطينيين فى غزة- تمثل بطش الغزاة فى اكثر صور هذا البطش عنفا ودموية ولا انسانية. ويجب علينا امام هذا الغزو غير الاخلاقى ان لا نعفى الغزاة من المسئولية القانونية الدولية والاخلاقية ويجب العمل الجاد على فضحهم عالميا و محاكمة المسئولين منهم عن المجازر ضد المدنيين من الرجال والنساء والاطفال. لايصح لاحد ان يجد عذرا لاسرائيل ويلقى باللوم على حماس- فرغم اختلافى فى الاساس مع حماس ونهجها الدينى وخطابها السلفى وهدفها فى اقامة الدولة الدينية التى هى النموذج الواضح للإقامة خارج العصر وعدم القدرة على قراءة الواقع الا ان هذا لايمنحنى –ولايمنح غيرى- مبررا لإلقاء خطيئة المجازر على رأس حماس فالمسئول الاول عن كل خطيئة هو مرتكبها وفاعلها.
مع المسئولية الاساسية الملقاة على عاهل الغزاة فى حالة غزة لا بد لنا ان نبحث عن العوامل التى جعلت مثل هذه المذابح المتكررة التى يرتكبها الغزاة ضد الفلسطينيين والعراقيين وغيرهم من العرب امرا ممكنا ومتكررا على مر عدد من القرون منذ دخول الغزاة الى المنطقة. ان الغزاة لايستطيعون غزو وذبح واستعباد الا من هم اضعف منهم فما الذى ادى الى الضعف العربى على مدى عدة قرون ومنذ العصور الوسطى؟
احد اهم اسباب المأساة هو ان ( امة “اقرأ” لاتقرأ) كما قيل. ولست اقصد فقط ان مايقرب من نصف العرب اميون لايقرأون ولكن اقصد ايضا ان الذين يقرأون منهم لايحققون الغرض الاول من القراءة وهو الفهم والاستيعاب. ومنها قراءة الواقع وفهم عناصر تركيبه وقواه الفاعلة وقراءة التاريخ واستيعاب دروسه، وقراءة احتمالات المستقبل القريب والبعيد واستشراف امكاناته والتخطيط لتشكيله.
وسبب عدم قدرة العرب على القراءة بهذا المعنى اى قراءة الواقع والتاريخ والمستقبل هو وجودهم- حضاريا- فى زمن آخر غير الزمن الذى يرصده التقويم الحالى اى بداية القرن الحادى والعشرين- فمن يتفحص الواقع العربى الحالى والعقلية العربية الحالية لابد ان يستنتج ان العرب ومنهم المصريين يعيشون حضاريا فى حوالى القرن الخامس عشر الميلادى وهذا واضح اساسا فى تفكيرهم وفى مزاجهم الوجدانى وسيكولوجيتهم المجتمعية افرادا وجماعات.. دولا ومؤسسات.
وحين ينظر من يقيم فكريا وثقافيا ووجدانيا فى القرون الوسطى حوله اليوم ويحاول ان يقرأ الواقع المحيط به لابد ان يعجز عن القراءة السليمة له فهو بلا شك سيبصر الطائرات والسيارات والموبيلات والانترنت وسيتعلم كيف يضغط ازرارها فتتحرك ولكنه حتما يعجز عن استيعاب نمط التفكير الذى يقبع خلف هذه الادوات ونهج ومنطق الفكر الذى ابدع قوانينها وحولها من معادلات رياضية الى ماكينات واداوت حسية. فعقله مازال موجودا فيما قبل العلوم الحديثة ومنطقها وفلسفاتها.. مازال مقيما فى العصر السحرى الذى كان يرى فى كل عناصر الكون قوى خفية غامضة تحركها من وراء الغيب قوى اكثر خفاء وغموضا لايعرف عنها سوى مايعرف الاطفال عن اسرار الكون.
لايمكن لمن يعيش خارج العصر ان ينتصر على من سبقه بخمسة قرون فى مسيرة التطور. هذا ماحدث لسكان امريكا الأصليين من “الهنود الحمر” اذ لم يكونوا قد اخترعوا العجلة بعد عندما واجهوا اول المغامرين الذين جاءوهم من اوروبا مدججين بأسلحة القرون الوسطى وانماط تفكيرها. ولا اقول ان العرب اليوم فى مواجهة بقية العالم هم كالهنود الحمر امام الاوروبيين المهاجرين فنحن اليوم فى عالم مفتوح والعرب يستعملون ادوات الحضارة المعاصرة المتاحة للجميع ولكنهم لايفقهون كحضارة وكمجتمعات انماط تفكير وقوانين وسلوكيات وقيم العصر الحالى ومايحيطهم منه من حضارة.
لقد اصيب المجتمع العربى –ومنه مصر- على مدى تاريخه بلعنة وكأنها لعنة الفراعنة هى لعنة الصراع الابدى بين الطغاة والدعاة او بتعبير آخر بين السلاطين والشيوخ او بين السلطة السياسية والدعوة الدينية. وبين هاتين القوتين الهائلتين راح البسطاء من البشر يحاولون التوفيق والموازنة والمساومة بين خوفهم من واحدة ورعبهم من الاخرى فالسلطان يملك مفاتيح الارض وصنابير الماء ومخازن الطحين وخزائن الذهب ويملك بالسيف مصير اعناقهم فحياتهم على الارض رهن مشيئته ورضاه. والداعية يملك مفاتيح السماء والحياة الابدية التى لايريد الفقير ان يخسرها هى الاخرى بعد ان خسر الدنيا. ولذلك فعليه ان يتبع الداعية ويخضع لاوامره ونواهيه وطلباته وتحذيراته وعليه ان يتجنب غضبه ولعناته المفتوحة لها ابواب السموات.
و المشكله الكبرى ان الطاغية يريد ان يكون هو المتسلط الاوحد على العباد ويخشى صعود سطوة الداعية -والداعية يريد ان يكون هو الخليفة الحاكم بأمر الله المطبق لشرعه على البشر فهو يريد الاطاحة بالطاغية والجلوس على كرسيه مع الادعاء بانه لايفعل هذا شهوة فى سلطان زائل ولكن تحقيقا لارادة الهية وتطبيقا لشريعة سماوية.
ظل هذا الصراع بين الطغاة والدعاة قائما حميما. باهظا ودمويا على مدى التاريخ العربى والى اليوم. رأيناه فى الاغتيالات السياسية فى صدر الاسلام ورايناه مؤخرا فى الصراع المستمر بين حركة الاخوان المسلمين والسلطة السياسية فى مصر وراينا الاخوان يقومون بعمليات اغتيال لشخصيات سياسية مصرية فى العهد الملكى ويرد الملك فاروق بتدبير عملية اغتيال مرشد الاخوان على يد الحرس الحديدى التابع له. ثم نرى الاخوان يطلقون الرصاص على عبد الناصر محاولين اغتياله، فيقوم بإعدام بعض اقطابهم وسجن وطرد الالاف من الباقين ثم تنشق عنهم جماعات اكثر تطرفا تقوم باغتيال السادات وتقوم باغتيال رموز المجتمع المصرى السياسية والثقافية من الشيخ الذهبى الى نجيب محفوظ واليوم يستمر صراع الاخوان مع النظام بشكل يومى.
ذلك النزاع الدائب الباهظ المهدر لطاقت الامة والمحبط لزهرة شبابها بين الطغاة والدعاة يؤدى الى ضعف فى كافة مناحى الحياة فى المجتمع العربى ويدفع الطغاة الى المزايدة على الدعاة بادعاء التدين والتزين ببعض ارديته الخارجية مع السماح للدعاة بحرية العمل داخل المجتمع فى حدود الالتزام بالابتعاد عن مناطق نفوذ السلطة و هوما يؤدى الى انحطاط حضارى شامل.
ويتراوح الصراع بين الطغاة والدعاة فيميل احيانا نحو واحدة واحيانا نحو الاخرى. وقد رأينا فى ايران غير العربية نموذجا مشابها حين قام الامام الخمينى بخلع الشاه واقامة دولة آيات الله فإيران مجتمع يتشابه مع المجتمع العربى –وخاصة مصر- فى كثير من طبائعه. وتنتهى حالة الضعف الداخلى للامة نتيجة صراع الطغاة والدعاة الى اسالة لعاب الغزاة فيقومون بالهجوم والاحتلال.
ماحدث فى لبنان فى صيف عام 2006 هو مثال حديث لنفس هذه الثلاثية فتحت سلطة السوريين تصاعدت قوة حزب الله (الدعاة) متعاونين مع السلطة ولكن بعد خروج السوريين حاول حزب الله التصرف نيابة عن لبنان كله ودخل فى صراع قوة مع السلطة اللبنانية ومع اول ذريعة قام الغزاة بضرب لبنان الذى اضعفه النزاع الداخلى بين العلمانيين والدينيين -هو نفس السيناريو ونفس الخطيئة –اللعنة.
وما حدث فى غزة من مأساة هو مثال آخر حديث، ولن يكون آخر الامثلة- لقيام الغزاة بالهجوم استغلالا لحالة الضعف والانقسام التى سببها صراع الطغاة والدعاة. فقيام حركة حماس بالمشاركة فى السلطة اجج الصراع السياسى- الدينى فى حركة المقاومة الفلسطينية التى كانت دائما حركة وطنية وليست دينية فمنذ البدء اشترك فيها مسيحيون بشكل قوى وكان جورج حبش رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احد اهم فصائل المقاومة ومع صعود نفوذ حماس دب الصراع التاريخى مرة اخرى وضعفت المقاومة بشكل عام.
وفى معرض تحليلى هذا يهمنى التأكيد على حرصى ان لا ادين التابعين للحركات الاسلامية ولا اتفق مع من يوجهون لهم الاتهامات واللعنات بشكل ينضح بالكراهية الشديدة فبغض النظر عن الاغراض السياسية لبعض الدعاة القادة لهذه الحركات، فإن جل التابعين لهم هم اناس تدفعهم عاطفة دينية صادقة هى عاطفة معظم البشر، وان كانت تميل الى التشدد والافراط فى شرقنا العربى، وهذا هو العيب. ولكن علاج التشدد فى العاطفة الدينية لدى هؤلاء لايكون بالعنف والقوة و الاقصاء ولا بالحرمان والسجون ولكن يكون بالعمل الدائب على التغيير والتنوير -تغيير الثقافة الدينية المتشددة الى اخرى وسطية ومستنيرة .وفى النفس الوقت يكون بتقديم قيادة سياسية وطنية ناصعة ورشيدة لاتفرط فى كرامة الوطن ولا المواطن وتتصدى بقوة وبعقل لكل الغزاة المحتملين والمتربصين.
ان الناس لاتتبع الحركات الدينية المتشددة الا عندما تيأس من الحصول على حقوقها الانسانية وكرامتها الوطنية من القيادة السياسية والحل الاوحد لمشكلة الحركات الدينية فى المجتمع العربى هو القيادة السياسية التى تدافع عن حقوق الوطن والمواطنين بشكل واضح قوى علنى وعقلانى وليس صدفة ان الشارع المصرى لم يعرف الفرز الطائفى ولا التطرف الدينى فى ايام سعد زغلول وايام عبد الناصر ففى العهدين كانت القيادة المصرية واضحة الوطنية تقف بشدة ضد المحتلين والمعادين للوطن، ولذلك لم يكن هنالك مجال ينمو فيه التطرف الدينى.
اما اليوم فالمواطن العربى العادى لايفهم مايفعله قادته امام الاعتداءات الصارخة على الامة ففى العدوان على العراق قالت مصادر غربية ان بعض القيادات العربية كانت مؤيدة للعدوان وفى حالة حماس حدث نفس اللبس وهذا يجعل المواطن يفقد ثقته فى قيادته السياسية ومع احواله الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية المتردية لايبقى امامه سوى الانجراف مع التيار الاسلامى.
عندما عجزت فتح ورئيس السلطة عباس عن تحقيق السلام والحرية والعدالة للفلسطينيين كان من المنطقى جدا اللجوء الى حماس. فاسرائيل والولايات المتحدة بهذا مسئولتان عن تشجيع التشدد الدينى وصعود الحركات الدينية مثل الاخوان المسلمين وحزب الله وحماس بسياساتهما الباطشة العدوانية بالمنطقة . فبعد رفضهما اعطاء عرفات دولة متكاملة فعالة فى الضفة وغزة وطالبوا بعباس بالإسم لم يعطوه شيئا حينما استلم السلطة. وبهكذا تعنت وجشع فى اغتصاب ارض وحقوق الغير مهدوا الارض لقدوم حماس للسلطة.
ولكن لماذا نلوم الغزاة على استغلالهم لضعفنا ؟ الاولى ان نحل مشاكلنا بأنفسنا بتقديم القيادة السياسية الواعية – النقية – المتغيرة – والسماح للاجيال الجديدة بالمشاركة الفعالة فى كافة مواقع القيادة والادارة والدفاع عن حقوق الوطن والمواطن وهو ما سيحدث تلقائيا مع تداول السلطة وتبادلها بين احزاب متنوعة تتنافس على تقديم خدمات حقيقية للمواطن تضمن بها نجاحها مع تقديم ثقافة متحررة مستنيرة تكف عن المزايدة على التيار الدينى وتقدم بديلا حضاريا عصريا متوهجا.
للاسف ستتكرر مذابح غزة –وفلسطين عموما- ولبنان – والعراق – وغيرها مع استمرار صراع الطغاة والدعاة داخل المجتمع العربى، وتربص الغزاة على الابواب. وسنستمر فى الدائرة- الثلاثية – المفرغة نعيش خارج العصر بعيدا عن منطقه لانقدر على قراءة الواقع ولا نقابل المستقبل سوى بالدهشة والصراخ والدم المسفوك عبثا وهدرا.
fbasili@gmail.com
*كاتب من مصر يقيم في نيويورك
الطغاة والدعاة والغزاة فى غزةغريبه تلاعب بعض الكتاب بمفردات الكلمات … ياسيدي نفهم من مقالك ان العرب والمسلمين بشكل عام ضحايا …. يارجل ارحموا عقولنا قليلا واتركوا عقدة المؤامره … كل القتل والذبح على مدى تاريخنا المجيد من اجدادنا العظماء لنشر رسالة لانعلم ان كانت صحيحه لم تتطرق اليها …. مجرد سؤال فقط وبموضوعيه وحياديه مطلقه … ماهو دين الارهابيين اللذين نسمع عنهم في كل العالم الآن لااعتقد انهم هندوس او بوذيين ماهي جنسياتهم … من يقتل من في العالم … نظره الى خارطة مناطق وبؤر التوتر في العالم نر ان كلها في المناطق العربيه والاسلاميه … هلكتونا بالمؤامره من… قراءة المزيد ..
الطغاة والدعاة والغزاة فى غزة
على من تقرأ زبورك يا ابن القبطية
ارض ماريا القبطية صارت تدعى مصر بعد الفتح وابقي غير الاعراب على تسميتها الاولى:
EGYPT فأياً هم الاصدق والاوفى