يواجه الثوار السوريون منذ بعض الوقت صعوبة في التمسك بجزء ضيق بل أساسي من الأراضي بين قرية أعزاز الحدودية الشمالية ومدينة حلب المتنازع عليها. ويُعد هذا الممر حبل نجاة للقوى المناهضة للنظام في الشمال لأنه جسرها البري إلى تركيا. لكن، يواجه هذا الممر حالياً مخاطر محدقة على عدة جبهات: من الشرق من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، ومن الغرب من قبل «حزب الاتحاد الديمقراطي» [الكردي السوري]، ومن الجنوب من قبل الجيش السوري وحلفائه.
وفي الواقع، أصبح ممر أعزاز مركز الحرب، مع اشتداد أعمال القتال في المنطقة في الأسبوعين الأخيرين. وتشير جميع الأدلة على ما يبدو إلى أنه يتم حالياً الإعداد لهجوم كردي مدعوم من الطيران الروسي لجهة الغرب، بالتنسيق مع حملة قيد الإنجاز على يد الجيش السوري وميليشياته بالوكالة في ضواحي حمص. وفي غضون ذلك، تبدو روسيا مكتوفة الأيدي تجاه قوى تنظيم «الدولة الإسلامية» التي تشق طريقها عبر المنطقة من الشمال. كما يلوح احتمال التدخل التركي المباشر على القتال، خصوصاً إذا ما سقط الممر.
عرض نسخة أكبر حجماً على ملف الـ (“بي. دي. إف.”).
طريق استراتيجي لحلب
يربط ممر أعزاز الجزء الشرقي من حلب، الخاضع حالياً لسيطرة الثوار، بتركيا. ويوفر الموقع الحدودي الشمالي “باب السلام” المعونة الإنسانية والدعم اللوجستي للثوار. وفي شباط/فبراير، حاول الجيش السوري قطع الطريق بين بلدتي باشكوي والزهراء، إلا أن تعزيزات الثوار القادمة من تركيا أبعدت قوات بشار الأسد وشنت هجمات على مدن إدلب وجسر الشغور وأريحا، التي سرعان ما سقطت بمجملها. حتى أن الجزء الغربي من حلب، الخاضع لسيطرة النظام، كان مهدداً إلى أن جاء التدخل الروسي ليزيل العبء عن القوات المدافعة.
واليوم، ألحقت أعمال القصف ضرراً هائلاً بعشرات آلاف المدنيين والمقاتلين المتبقين في شرق حلب، وهم اليوم محاصرون من قبل الجيش السوري. وتُعتبر استعادة المدينة بأكملها ومحيطها هدفاً أساسياً بالنسبة للأسد، ويتطلب هذا الهدف مجدداً قطع طريق أعزاز للإمداد. وفي مثل هذا السيناريو، سيُضطر الثوار المحاصرون في حلب إلى إخلاء المدينة، كما حصل في حمص. ويقيناً، سيكون من الصعب الإطاحة بالثوار، مع أن خمسة كيلومترات فقط تفصل ما بين الجيوب الشيعية الأساسية الواقعة تحت سيطرة النظام في شمال غرب حلب (باشكوي والزهراء- نبل). فالمنطقة المعنية هي منطقة حضرية ذات كثافة سكانية، وبالتالي سيُضطر الجيش السوري على الأرجح [إلى اجتياح] كل منزل على حدة. فضلاً عن ذلك، يجسد هذا الممر الصغير قيمة استراتيجية عليا بالنسبة للثوار، وبالتالي فيتم الدفاع عنه بشكل مستميت. وتعمد القوات الجوية الروسية إلى قصف مواقع الثوار في بلدتي عندان وحريتان بشكل مكثف، مما يشير إلى أنه يتم التحضير لهجوم عام على نار حامية. ولكن إذا ما أراد النظام وحلفاؤه الشيعة النجاح هذه المرة، فهم سيحتاجون إلى دعم «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي.
من عفرين إلى كوباني
يتواجد «حزب الاتحاد الديمقراطي» في منطقة “كُرد داغ” الجبلية حول عفرين، التي تتكون برمتها من الأكراد. كما يتواجد في حي “الشيخ مقصود” في شمال حلب، وهو ضاحية غير رسمية كبيرة. ويأمل الأكراد ربط مدينة كوباني بعفرين من أجل توحيد “روج آفا“(التسمية التي يطلقها «حزب الاتحاد الديمقراطي» على الأراضي الكردية في سوريا). إلا أن تركيا تعترض بشدة على هذا الهدف. فقد اشتكت من إلحاق «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي منطقة “تل الأبيض” في ربيع العام الماضي، وقصفت القوات الكردية مقابل مدينة جرابلس في حزيران/يونيو. وتصر أنقرة على عدم عبور «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي نهر الفرات للاستيلاء على جرابلس، بالرغم من سيطرة تنظيم «داعش» على المدينة.
ومن جانبه، اشتكى «حزب الاتحاد الديمقراطي» من الضغوط التي تمارسها عليه الجماعتان «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، وهما التنظيمان المسلحان الرائدان المنضويان تحت لواء جماعة الثوار المظلية «جيش الفتح» التي تتحكم بممر أعزاز. وفي الأسابيع الأخيرة، شنت هذه الكتائب غارات عسكرية ضد عفرين، فاستولت بذلك مؤقتاً على قرية مريمين. كما يتعرض حي الشيخ مقصود للنيران على يد جماعات الثوار التي تريد إزالة الجيب الكردي من حلب وشن هجوم على المناطق الشمالية الغربية التي ما زال الجيش السوري يبسط سيطرته عليها.
حرب طائفية ذات بُعد دولي
اتخذ «حزب الاتحاد الديمقراطي» من «الجيش الثوري» شريكاً له، وهو تحالف جديد يضم بضعة مئات من المقاتلين من عدة جماعات من الثوار. وتتضمن هذه التنظيمات «الجبهة الكردية»، وهي جماعة من المنشقين الأكراد عن قوات الأسد، كانوا قد انضموا إلى «الجيش السوري الحر» المعارض عامي 2011 و 2012. ولكن سرعان ما خاب أملهم نظراً لهيمنة العرب السنة وعدم تقدير الأكراد بما فيه الكفاية. وهناك جماعات أخرى قد انشقت عن «الجيش السوري الحر»، مثل «جبهة الحازمي» التي انحلت في نهاية عام 2014 بعد أن تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل «جبهة النصرة».
ويَنظر معظم الثوار إلى «الجيش الثوري» على أنه وكيل لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي. إلا أن الوضع الحالي هو لعبة محلية إلى حد كبير غالباً ما تتحالف فيها قبيلة عربية مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» ضد قبيلة عربية أخرى.
وفي الجزء الشمالي من ممر أعزاز، يشكل التعارض بين الأكراد والتركمان القاعدة الأساسية للنزاع. ويضفي الدعم التركي القوي للثوار التركمان، سواء في التنظيمات المسلحة المستقلة أو كجزء من «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام»، بعداً دولياً على الحرب الطائفية.
إنتقام بوتين
تريد أنقرة أن تحمي حلفاءها في أعزاز، على أمل أن يشكل ذلك قاعدة لإعادة الاستيلاء على أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية» في الجزء الشرقي من محافظة حلب بمجرد إضعاف التنظيم بما فيه الكفاية بفعل الضربات الجوية للتحالف الغربي. وإلا سيكون «حزب الاتحاد الديمقراطي» و/أو الجيش السوري هم المستفيدون من انسحاب تنظيم «داعش».
ويجسد السيناريو الأخير ما يطمح إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تماماً. فمنذ أن أسقطت تركيا أحد منفذي عمليات القصف الروسيين الشهر الماضي، بات بوتين مصمماً على الانتقام. علاوةً على ذلك، سبق وأن عرض الدعم العسكري على الأكراد في أيلول/سبتمبر لمساعدتهم على ربط عفرين بكوباني من خلال الاستيلاء على أعزاز وجرابلس. وعندها حاول «حزب الاتحاد الديمقراطي» رفع سقف الرهان مع شريكته الولايات المتحدة من خلال زيادة المخاطر، إلا أن محاولته هذه قد باءت على ما يبدو بالفشل. ولكن في وقت سابق من هذا الشهر، قدمت موسكو أسلحة لـ 5000 مقاتل كردي في عفرين، بينما قصفت الطائرات الروسية رتلاً من الشاحنات كان قد عبر الحدود التركية باتجاه سوريا عند موقع “باب السلام”. وضُربت أيضاً مواقع الثوار في شمال حلب، الأمر الذي يمهد الطريق لشن هجوم من قبل «وحدات حماية الشعب» الكردية، وهي التنظيم المسلح الأساسي في «حزب الاتحاد الديمقراطي».
وبالطبع، قد ينتهز تنظيم «الدولة الإسلامية»الفرصة لاجتياح أعزاز قبل «وحدات حماية الشعب» الكردية. فقد اكتسحت قوات التنظيم بلدة كفرا، التي تبعد عشرة كيلومترات فقط عن أعزاز، واحتلتها لعدة أشهر قبل اندلاع القتال الأخوي بين جماعات الثوار في شتاء عام 2014. إلا أن ذلك لا يزعج الروس أو الأسد، الذين تكمن مصلحتهم الأساسية برؤية الطريق بين حلب وتركيا مقطوعاً، سواء من قبل تنظيم «داعش» أو «حزب الاتحاد الديمقراطي».
تدخل تركي؟
يمثل ممر أعزاز أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى تركيا، ولكن هل سيكون ذلك كافياً للوصول إلى تدخل مباشر؟ فإذا سقط الممر ولم يأتِ رد من قبل أنقرة، ستفسر جماعات الثوار ذلك على أنه مؤشر ضعف، بينما ستعتبره الأسرة الدولية استسلاماً لروسيا. وعند إغلاق ممر أعزاز الذي يشكل رابطاً حدودياً، يمكن لروسيا أن تساعد عندئذ الجيش السوري وحلفاءه الشيعة على إغلاق معابر تركية أخرى بين باب الهوى وجسر الشغور، فتحاصر بذلك محافظة إدلب بأكملها. ويعني ذلك هزيمة شبه كاملة لسياسة أنقرة في سوريا. وإذا تزامن سقوط الممر مع تطهير عرقي للتركمان الذين يتواجدون بكثافة في المنقطة (والذين تربطهم بتركيا صلة قربة عرقية) أو عنف من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» بحق المدنيين، سيؤدي ذلك إلى زيادة استفزاز وغضب الرأي العام التركي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يستخف بوتين بقدرة تركيا الهجومية؟ لقد رفض الجيش التركي حتى الآن إرسال قوات برية إلى سوريا. فـ “جهاز الاستخبارات الوطنية” هو الوكالة المسؤولة عن العمليات التركية في سوريا. وسيبقى الوجود الروسي الرادع الأساسي لأي تدخل تركي واسع النطاق، على الرغم من أن أنقرة قد تعمد إلى تصعيد غير مباشر لمنع سقوط الممر. بيد، قد يرغب بوتين مرة أخرى بتدخل تركيا مباشرةً ضد «حزب الاتحاد الديمقراطي»، لأن ذلك قد يجبر الجماعة الكردية على الانضمام إلى التحالف الروسي وحرمان الغرب من لاعبه الوحيد الفعال على الأرض في وجه تنظيم «داعش». ولتجنب هذه الكارثة، يجب على الدول الغربية إرسال قوات برية لاحتلال مواقع استراتيجية على غرار أعزاز ومحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» مباشرةً.
قد يسقط ممر أعزاز أو لا يسقط، إلا أن الهدف الأمريكي- التركي الأكبر يبقى حماية ممر مارع – جرابلس من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأي ممر مستقبلي بين أعزاز وجرابلس إذا سقط ممر أعزاز بيد التنظيم. بعبارة أخرى، إذا تم الاستيلاء على الممر، ستقوم السياسة الأمريكية- التركية الأوسع في المنطقة (بدعم من الحلفاء في قاعدة إنجرليك) على تحقيق خطوتين للأمام وخطوة واحدة الى الوراء.
فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في “جامعة ليون 2″، وزميل زائر في معهد واشنطن.