أتابع بشغف مقالات الدكتور خالد منتصر والذى يملك الجرأة والمعرفة وروح الفكاهة مما يجعله كاتبا متميزا ، وفى الآونة الأخيرة تابعت مقالاته عن أدعياء الطب والشعوذة الذين أطلقوا على هذا الطب الجديد أسماء دلع للإيقاع بالعامة والسذج ، أسماء مثل:
الطب البديل (لست أدرى بديلا لماذا) ؟؟
أو الطب النبوى (والرسول محمد عليه الصلاة والسلام لم يكن طبيبا ولكنه كان رسولا ، وكان إذا مرض يذهب إلى أطباء عصره) .
أو طب الأعشاب (مع العلم أن معظم الأدوية فى العالم تستخرج من النباتات الطبية بأن يؤخذ من تلك البناتات العناصر المفيدة بعد معالجتها علميا فى المعمل وتستبعدالعناصر الضارة) .
أو طب الطبيعة (وكأن الطب الحديث ضد الطبيعة)
وعلى فكرة النصب بأسم الطب البديل ينتشر فى العالم كله حتى فى أكثر البلاد تقدما فى مجال الطب، ولكن حكومات البلاد المتقدمة تضع قواعد صارمة لكل من يمارس مهنة الطب ولكل من يصنع أو يبيع أدوية ، وتضع أيضا عقوبات صارمة لكل من يمارس تلك المهنة بدون ترخيص ويوضع خلف القضبان سنويا فى تلك البلاد العشرات من مدعى الطب ويعاملون معاملة المجرمين ، لأنه يضعون حياة الناس فى خطر، ويفتون فيما لا يفقهون .
والحقيقة أن العلوم المبنية على العلوم الطبيعية والحيوية والفيزيقية (مثل الطب والهندسة وعلوم النباتات ومختلف الأحياء وعلوم الكومبيتر والذرة وخلافه ) تعتبر من العلوم التى تثير غيرة أدعياء التدين ، وإعتبرت هذه العلوم بالنسبة لهم حصونا يرغبون فى إقتحامها ، ولما ظهر تأخر الشرق وإعتماده الكامل على الغرب فى العلوم الحديثة حاول بعض الناس المتخلفون وأدعياء التدين إيهام العامة والسذج بأن كل تلك العلوم الحديثة موجودة فى الكتب المقدسة منذ مئات السنين ، وبدأوا فى محاولات بحسن نية تارة وبجهل تارة أخرى وبطمع دنيوى تارة ثالثة للتوفيق بين ماجاء فى الكتب المقدسة وبين العلوم الحديثة ، وكان من بدايات تلك المحاولات البرنامج التليفزيونى الشهير برنامج العلم والإيمان للدكتور مصطفى محمود (شفاه الله) وفيه كان يعرض بعض الأفلام التسجيلية العلمية والتى كان التليفزيون يشتريها من الغرب المتقدم ، وكان الدكتور مصطفى محمود يحاول عن طريق هذه الأفلام أن يجد علاقة توفيقية أحيانا و”تلفيقية” أحيانا أخرى ما بين موضوعات تلك الأفلام وبين بعض آيات القرآن الكريم ، وإستمرت تلك المحاولات بصورة أكثر فجاجة وأكثر تلفيقا بواسطة كاتب مستديم لدى جريدة كانت يوما ما جريدة عظيمة وخصصت تلك الجريدة لهذا(الدكتور) صفحة كاملة أسبوعية فى كتابة ما لا يفقه فيه ومحاولة أن “يلبسنا العمة” بالتعبير المصرى الدارج.
……..
والحل بسيط لكل من يرغب فى الهداية والإيمان بالله ، ما عليك إلا أن تنظر لنفسك فى المرآه وسوف ترى ببساطة عظمة هذا المخلوق العظيم بغير الحاجة لبرنامج تليفزيونى أو قراءة صفحة كاملة من الخزعبلات ، وقد خلق الله الإنسان لكى يكون خليفته فى الأرض ، وإذا لم تقتنع عند النظر فى المرآه إلى نفسك لأن شكلك لامؤاخذة مش قد كده ، فما عليك إلا أن تنظر إلى الكون العظيم فى ليلة ظلماء ، ولكن أدعياء التدين فى العصر الحديث يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويريدون أن ينصبوا من أنفسهم آلهه جديدة على الأرض بلوى الحقائق بغرض إما للتكسب السريع أو التحكم فى رقاب الناس لأغراض سياسية …وحديثا بدأوا فى إقتحام أحد الحصون المنيعة عليهم وهو حصن الطب ، وبدأ عدد كبير من نصابين العصر الحديث فى إستخدام الدين للكسب السريع وذلك بإقحامه فى عالم الطب .
…..
وقد ذهب طبيب معروف بمزاولته مهنة طب الشعوذة ، ويدعى أنه الطب البديل ، ذهب هذا الطبيب إلى دار الحكمة بالقاهرة بشارع القصر العينى ، وطلب مقابلة المسئولين عن الترشيح لمنصب نقيب الأطباء ، فأعطاه المسئول بطاقة ترشيح وبدأ الطبيب فى ملء الإستمارة:
الأسم: الشيخ شمهورش بن عكروت
السن: ثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعة وسبعون عاما
جهة الميلاد: السما السادسة زقاق النجم القطبى المتفرع من حارة سكة اللبانة
المؤهل: بكالوريوس فى الطب الطبيعى من جامعة زحل
سنة الحصول على المؤهل: سنة خمسمائة وخمسة وعشرون قبل الميلاد
التخصص الطبى: بتاع كله
مكان العمل: كل مكان
محل الإقامة : حارة الثعبان الأقرع ، درب الجن الأحمر ، القاهرة الفاطمية
…
وقرأ الموظف المسئول الإستمارة ونظر إلى الطبيب المشهور بالطب “البديل” مذهولا وقال له :
– إنت سيادتك إللى عاوز ترشح نفسك؟
– لأ ..ده المساعد بتاعى الشيخ شمهورش
– طيب وهو فين … ضرورى يكون موجود بنفسه علشان نشوف تحقيق الشخصية
– هو موجود معانا بإذن الله
– معانا فين أنا مش شايف حد؟
– إنت مش ممكن تشوفه ربنا يجعل كلامنا خفيف عليه ، سامحه ياسيدنا الشيخ إللى ما يعرفك يجهللك
– لا مؤاخذة يادكتور مع إحترامى لمساعدك الشيخ شمهورش لكن التعليمات عندى ضرورى المرشح لمنصب نقيب الأطباء يقدم الإستمارة بنفسه .
…
بدت بعض ملامح العصبية تظهر على الطبيب وأخذ يهذى بكلمات وكأنه يحادث شخصا آخر غير موجود بالغرفة ، ثم إنتابته فجأة حالة من الهيستيريا وكانه مصاب بمرض الصرع ، ثم إنهار وجلس علىالأرض وأخذ يهز رأسه يمينا ويسارا وكأنه فى “حفلة زار” وبدأ يغنى بعصبية وكأنه يسمع دقة (كودية) الزار:
شيخ محضر ياشيخ محضر
وإللى عليه عفريت يحضر
شمهورش ..يا شمهورش
حابس …حابس … حابس
وإحتاس الموظف من منظر الطبيب الجالس علىالأرض ، وخشى أن يكون قد أغضب الشيخ شمهورش حقا ، لذا بدأ علىالفور فى أن يؤذن فى أذن الطبيب وهو يقول مخاطبا شخصا غير موجود بالغرفة :
– الله أكبر .. الله أكبر .. سامحنى ياشيخ شمهورش ، إصرف عنه عفاريتك ، وأنا ليك علىّ حأقدم طلبك لترشيحك لمنصب نقيب الأطباء!!
ثم جلس الموظف على الأرض بجوار الطبيب وإنضم إلى حلقة الزار ، وإنضم أليهم العديد من الأطباء والموظفون ، وأخذوا يرددون فى تجانس بديع:
شيخ محضر ياشيخ محضر
وإللى عليه عفريت يحضر
شمهورش ..يا شمهورش
samybehiri@aol.com