بعد نشر هذا الموضوع، وردنا من المستشار محمد سعيد العشماوي، الردّ التالي على استفسار من “الشفاف” :
عقدُ الزواج في الاسلام عقد مدني ينعقد برغبة الزوجين وشهادة شاهدين ولا يلزم لانعقاده تدخّل سلطة اخرى خاصة انه لا توجد فى الاسلام سلطة دينية كالكنيسة
فى المسيحية. اذ انه يلزم على كل مسلم ان يتعرف على دينه بنفسه حتى وان استعان فى ذلك بفقهاء او علماء لا يجوز لهم ان يدعوا انهم رجال دين.
فى عام 24 من القرن الماضى صدر قانون في مصر بان لا تُسمع دعوى الزواج امام المحاكم اذا لم يكن عقد الزواج قد وُثِّقَ امام موظف رسمى هو المسمى بالماذون.
ومؤدى ذلك ان عقد الزواج ينعقد دون اي كتابة وبغير تدخل سلطة تدعى احتكار الدين. فالأصل ان الزواج يصحّ بغير كتابته بغير ماذون ولكن لا تُسمع دعوى الزوجية امام
المحاكم ان لم يُوثق بواسطة المأذون من الحكومة بذلك.
.ويمكن الرجوغ فى ذلك الى كتابى اصول الشريعة الصادر في ١٩٧٩، ص 129 وما بعدها
المستشار محمد سعيد العشماوي
*
لو كانت “الفتوى” الصادرة اليوم عن مفتي الجمهورية اللبنانية قد صدرت عن الشيخ اليمني الزنداني، أو عن واحد من مشايخ القصيم (أو منطقة الحدود الأفغانية-الباكستانية) الغارقين في التخلّف، لكانت، ربما، احتلّت حيّزاً صغيراً في الأخبار! ولكن أن تصدر مثل هذه الفتوى “التكفيرية” عن ممثّل الإسلام السنّي اللبناني “السمِح”، فهذا ما يستدعي التعليق.. والإستهجان! وعلى حد علمنا، فلم يسبق لمسؤول ديني في الجمهورية اللبنانية أن أصدر مثل هذه الفتوى التي تكفّر “مسلمين” لا يشكّ أحد (ولا يشكّون هم أنفسهم) في إسلامهم!
لقد مرّت على المسلمين السُنّة في لبنان مِحَن كثيرة، منها مِحنة الحرب الأهلية ومحنة الإحتلال الأسدي، واغتيال مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد وعدد من خيرة علماء السنّة في لبنان، ولم تصدر عن مراجعهم فتوى “تكفيرية” بحق شخصية أو دولة أو طائفة!
ما الذي دهى مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ رشيد قبّاني”، الذي لم يُعرَف عنه “التطرّف” أو “الغلوّ”، لإصدار مثل هذه الفتوى التي لا تليق بمقام دار الإفتاء اللبناني؟ وهل راجع الشيخ رشيد قبّاني كتابات سَلَفه المتنوّر الشيخ عبدالله العلايلي قبل أن يخرج بفتواه التكفيرية التي نكاد نعتبرها “بِدعة” في تاريخ الإفتاء اللبناني؟
ربما كان مفتاح اللغز في كلام الشيخ قبّاني نفسه. فهو يدعو إلى “التصدي لهذه المشاريع التي تحاول استهداف مؤسساتنا الدينية اليوم في دار الفتوى، بتعديل أساسياتها، من خلال مشروع التعديلات الذي يعمل لطرحه في المجلس الشرعي اليوم ونقف له منذ مدة بالمرصاد، ومن خلال استهداف أسرتنا الإسلامية، ومجتمعاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وأحوالنا الشخصية مجددا بمحاولة تقنين الزواج المدني في لبنان”!
تعديل قوانين المجلس الشرعي هل يدعو للتكفير أيضاً؟
أي أن الشيخ رشيد قبّاني يضع مسألة “تعديل قوانين المجلس الشرعي”، وهي مسألة إدارية تدخل فيها اعتبارات سياسية معروفة للبنانيين، في مقام مسألة “الزواج المدني” التي ينطلق منها لـ”تكفير” المسؤولين المسلمين الذين يقبلون بالزواج المدني! فهل كان سماحة الشيخ قبّاني سيخرج بمثل هذه الفتوى النارية لو كانت تمّت تسوية مسألة “المجلس الشرعي” و”التجديد لسماحته” وفقاً لرغبته؟
لسنا علماء في الدين لنخوض نقاشاً دينياً مع سماحة المفتي. ولكن المبدأ المعروف هو أنه “لا تكفير في الإسلام”! ومنه ما ورد في حديث نبوي شهير “وهل فتّشت قلبه؟” (أو “وهل شققت قلبه؟”). وللتكفير ضوابط كثيرة عند الفقهاء، حتى عند إبن تيمية، وإلا تحوّل من يفتي بتكفير مسلمين إلى “تكفيري” (ويُقال، أيضاً، “خارجي”)! وحتى لو كان الشيخ رشيد قبّاني على يقين بأن “الزواج المدني” يكفّر القائلين به، فهل لجأ إلى النصح والإرشاد قبل أن يقفز إلى “التكفير” وإلى إطلاق صفة “مرتد وخارج عن دين الإسلام، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويحمل أوزار كل الذين يدخلون في هذه العلاقة غير المشروعة من أبناء وبنات المسلمين إلى يوم القيامة”؟
لماذا، إذاً، لم يفتِ سماحته، أو من سبقوه إلى منصب الإفتاء” بـ”تكفير” المسؤولين اللبنانيين، السنّة والشيعة، الذي وافقوا على تسجيل “الزواج المدني” الذي يعقده مواطنان لبنانيان، أيا كانت مذاهبهم، في الجارة “قبرص”، أو في شتّى أنحاء المعمورة؟ هل يُخرج الزواج المدني في لبنان المسلمَ من “الملّة” ولا يخرجه منها في “قبرص”؟
وأخيراً، فلا بدّ أن الشيخ رشيد قبّاني يعلم أن الجمهورية المصرية تطبّق “الزواج المدني” وتسمح لمأذون من “وزارة العدل”، لا يُشترط فيه أن يكون رجل دين أي أنه يمكن أن يكون مجرّد “مدني”، أن يعقد ويسجّل الزيجات شرط أن يتوفّر شهود للفتاة وحتى لو لم يقم “مأذون شرعي” بعقد الزواج؟
ولا بدّ أن سماحة مفتي الجمهورية يذكر رئيس جمهورية إندونيسيا “عبد الرحمن وحيد”، الذي كان أيضاً رئيس جمعية نهضة العلماء (وهي أكبر جمعية إسلامية رسمية بالعالم، إذ تضم 25 مليون عضو “مسلم سنّي”) كان يفاخر علناً بمحبّته لصهره، أي زوج ابنته، اليهودي! وقد توفّي الشيخ عبد الرحمن وحيد، ولم نسمع بـ”فتوى” تكفّره وتعتبره “مرتداً وخارجاً عن دين الإسلام” من بلده الذي يمثّل أكبر بلد مسلم في العالم!!
وقاضي قضاة قرطبة، الفيلسوف المسلم “إبن رشد”، حُكِم عليه بالكفر والإلحاد ونُفِيَ إلى “حي اليهود”! من يذكر اليوم أسماء من كفّروا “إبن رشد”؟
لبنان جمهورية علمانية
في نهاية المطاف، لبنان جمهورية “علمانية”، رغم نظامه الطائفي، ورغم نظام “الأحوال الشخصية” الدينية. أي أن “قادة الأمّة” فيه هم رجال السياسة وليس رجال الدين! ولذلك، فليس صحيحاً ما ورد في فتوى المفتي بأن “العلماء هم قادة الأمة”! اللبنانيون، رغم طائفيتهم المعروفة، لم يقبلوا يوماً بأن يحكمهم بطريرك ماروني، أو مفتي سنّي، أو مفتي شيعي، أو شيخ عقل درزي!
نعرف أن نموذج السيد حسن نصرالله بدأ يُغري رجال الدين في لبنان، حتى عند المسيحيين..! ولكن الأغلبية اللبنانية، من كل الطوائف، وبما فيهم الطائفة السنّية التي كانت الأكثر تسامحاً واتزاناً في أزمنة المِحن التي مرّت على البلد، ترفض مبدأ أن “العلماء هم قادة الأمة”! قادة الأمة هم ممثلوها المنتخبون وفق مبدأ “الإرادة الشعبية”، وإلا لتحوّل البلد إلى “دولة دينية” أو إلى “ولاية فقيه!
ولعل سماحة الشيخ رشيد قباني يذكر نقاشاً ردّ فيه الأمير طلال بن عبد العزيز والأمير تركي الفيصل على علماء سعوديين حاولوا الترويج لمبدأ أن “العلماء هم قادة الأمة”، وكان ردّهما أن العلماء “مستشارو” الأمراء وليس الأمراء! وهذا ما يشهد به التاريخ الإسلامي!
بيار عقل
*
وطنية – عقد في دار الفتوى، اجتماع استثنائي حول موضوع الزواج المدني، بدعوة من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، حضره رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا ومفتو المناطق وأمينو فتوى بيروت وطرابلس وقضاة الشرع لدى المحاكم الشرعية السنية في لبنان والأمين العام للمجلس الشرعي الاسلامي الاعلى وشيوخ القراء وأئمة المساجد والخطباء ولفيف من العلماء.
وقال مفتي الجمهورية: “في تحميل الله لكم رسالة وأمانة الإسلام، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين*ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليه لعلهم يحذرون”. وفي وراثة العلماء لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليقوموا بأمر هذا الدين يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا*فمنهم ظالم لنفسه*ومنهم مقتصد*ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله” – فاطر، والسابق بالخيرات والله أعلم في الآية هم العلماء بالله”.
أضاف: “إن فريضة الله علينا وعليكم أيها السادة العلماء، تلزمنا جميعا وإياكم، بمواجهة جميع المحاولات الجديدة القديمة المتكررة، لتحييدنا عن التمسك بديننا، وبهدي الله تعالى لنا في القرآن العظيم، تحت عناوين منمقة شتى، ومشاريع هدامة عدة، تحت عناوين الإصلاح، فالمسلمون لطالما كانوا روادا للمدنية والحضارة من خلال دينهم وآياته، ومن خلال حسن صلتهم بالله تعالى ربهم، وتطبيق شريعته فيهم، وإن التصدي لهذه المشاريع التي تحاول استهداف مؤسساتنا الدينية اليوم في دار الفتوى، بتعديل أساسياتها، من خلال مشروع التعديلات الذي يعمل لطرحه في المجلس الشرعي اليوم ونقف له منذ مدة بالمرصاد، ومن خلال استهداف أسرتنا الإسلامية، ومجتمعاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وأحوالنا الشخصية مجددا بمحاولة تقنين الزواج المدني في لبنان، كل ذلك، ليس خيارا لنا إسقاطه فقط، بل هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة منا، وهو واجب ولازم على جميع العلماء المسلمين في لبنان من كل الطوائف الإسلامية، وأن يقودوا التصدي لمحاولة تقنين الزواج المدني، ولكل المشروعات المدانة، فالعلماء هم قادة الأمة، وهم ورثة الأنبياء بصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهم حملة أمانة الإسلام من بعدهم، وفي وجوب قيام العلماء بهذا الواجب، والتحذير من تقصيرهم فيه يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب*أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون” – البقرة/9″.
وتابع: “ليكن جميع المتربصين بشرعنا في أحوالنا الشخصية اليوم، بمحاولة زرع جرثومة الزواج المدني في لبنان، والمتربصين بمؤسساتنا الدينية في دار الفتوى بالتعديلات التي يراد طرحها في المجلس الشرعي، ليكن جميع المتربصين بشرعنا أيا كانوا، على يقين كامل بأن العلماء بالله في لبنان، لن يتوانوا عن القيام بواجبهم الذي افترضه الله تعالى عليهم في كل حال وميدان، وسيهزمون بإذن الله تعالى كل محاولة من ذلك، فإن نصر الله تعالى مهيأ في كل حين، لمن اعتصم بحبله المتين وهو القرآن العظيم، “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، “يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون”.
وختم: “لذلك، فإنني أفتي مستعينا بالله العظيم “بأن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان، على تشريع وتقنين الزواج المدني، هو مرتد وخارج عن دين الإسلام، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويحمل أوزار كل الذين يدخلون في هذه العلاقة غير المشروعة من أبناء وبنات المسلمين إلى يوم القيامة، والله تعالى أعلم، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين”.
بعد ذلك، دار نقاش حول خطورة اقرار الزواج المدني الاختياري وكيفية مواجهته انطلاقا من ابقاء جلسات المجتمعين مفتوحة.
الشيخ رشيد قبّاني أول مفتي يُصدّر فتوى “تكفير” في تاريخ الجمهورية!يعرف سيادة المستشار محمد سعيد العشماوي ان عقد الزواج الذي أشار إليه و المنعقد في مصر برضى الزوجين وشهادة شاهدين إلى ما قبل تاريخ طلب التسجيل عبر المأذون ( 1924)لصحة النظر إليه في المحاكم، هو زواج يستند في مرجعيته بأركانه و ما يترتب عليه من أثار يستند إلى الفقه الاسلامي حصريا . وبالتالي فهو غير الزواج المدني المطلوب هنا . و يعرف أيضا، وهو ما لا يخفى عليه ،أن المحاكم في مصر التي نظرت في مثل هذه الزيجات المسجلة، قد نظرت فيها على ضوء الفقه الاسلامي.تماما كما كانت تنظر قبل… قراءة المزيد ..
الشيخ رشيد قبّاني أول مفتي يُصدّر فتوى “تكفير” في تاريخ الجمهورية!
من حق المفتي أن يفتي حسب أصول الدين الذي ينتمي إليه. و لأن الدين ليس لعبة فإن التسامح على طول الخط و مع من هب و ذب تفريط و مهزلة لا يستفيد منها إلا من في نفسه شيء.