قبل شهر واحد، في ٢٨حزيران/يونيو، اتصل بـ”الشفاف” أقرب أصدقاء العفيف ليخبرونا بخبر “وفاته” متسرّعين، بناءً على اتصال منه قبل ساعات أبلغهم فيه نيّته الإنتحار في الليلة نفسها. وقد تسرّعنا بدورنا بنشر خبر مفارقة “العفيف”، الذي تم إنقاذه في اللحظات الأخيرة، ليتوفّى صباح اليوم.
مرة أخرى،
ينعي “الشفّاف” إلى قرّائه كبير “الخوارج” العرب، الصديق”العفيف الأخضر”، الذي اختار رحيله بنفسه بعد معاناة مع المرض.
توفي التونسي”العفيف” في مستشفى باريسي بعيداً عن “بيروت” التي ظلّ يحلم بالعودة إليها، وكان بجانبه شقيقه في ساعاته الأخيرة.
لا نعزّي فيه بالصيغة التقليدية لأنه كان “شيخ الملحدين العرب”. ولكننا نعزّي أصدقاءه الكثر، وقرّاء كتبه ومقالاته المنتشرين في كل أرجاء الدنيا. (آخر مقال للعفيف نُشِر على “الشفاف”)
كتب “الشفاف” عنه بضعة أسطر قبل سنوات، فتبنّاها ووضعها على صفحته الشخصية، ونستعيدها هنا:
“كلّهم يمشي رُوَيد
“كلّهم يَطلُبُ صَيد
“إلا عَمرُ ابن عُبَيد”.
لا يخشى “العفيف الأخضر”، من إطلاق صفة “الخارجي” عليه، فهو كان دائماً من “خوارج” المثقّفين العرب، وكان دائماً يضع أقدامه في “صحن” الثقافة العربية السائدة التي تتغذّى من “معلّبات” الأفكار.
بعد فترة “أحمد بن بلا” في الحكم في الستّينات، والمقاومة الفلسطينية المتمركسة في عمّان وبيروت، اختار “العفيف” الحياة في باريس التي، على حرّياتها، لم تستطع أن تعوّضه “فردوسه المفقود” وهو “بيروت”. وعلى غرار “نزار قبّاني”، فالعفيف الأخضر “لبناني” الهوى والإنتماء بعد أن سمع أحد زعمائه “الرجعيين” يعلن أن هذا البلد “هو بلد المسيحي والمسلم والملحد”!
في باريس، يحمل “العفيف” همّين: الحداثة والعلمانية. وهو من القائلين بأن المجتمعات التي تعجز عن التغيير من الداخل يمكن أن تجد نفسها مضطرّة إلى التغيير بالفرض من الخارج.
ولد العفيف الأخضر في عائلة فلاحين فقراء في شمال شرق تونس سنة 1934. والتحق بجامعة “الزيتونة” الدينية (“أزهر تونس”)، ثم بكلية الحقوق. ومارس مهنة المحاماة بين 1957 و1961، ثم تخلّى عن هذه المهنة وسافر إلى باريس في 1961، قبل أن يلتحق، مع يساريين آخرين، بنظام الرئيس أحمد بن بلا غداة إستقلال الجزائر. وانتقل إلى الشرق الأوسط في العام 1965، وتنقّل بين عمّان وبيروت حيث طبع أهم كتبه التي كان محورها “نقد الفكر الإسلامي التقليدي”.
غادر العفيف الأخضر بيروت محزوناً بعد اندلاع الحرب الأهلية، وبعد أن صدم أصدقاءه اليساريين بموقفه الرافض لهذه الحرب، والرافض لكل مبرّراتها “التقدمية”. فقد هاله أن اليسار اللبناني لم يدرك أنه كان يسهم، بدون وعي، في تحطيم الحصن الوحيد للحرية في العالم العربي “الغبي والمستبدّ”.
ويعيش “العفيف” في باريس منذ 1979، ويكتب لصحيفة عربية، ويحاضر أحياناً في القاهرة أو يشارك في نقاشات تلفزيونية في محطات فضائية عربية.
لماذا ننشر مقالات “العفيف الأخضر”؟ لأن التاريخ يتقدّم بمنطقه الخاص، والفكر “الخارجي” يمكن أن يصبح فكر الساعة “من حيث لا تعلمون”. وليس سرّاً أن العفيف الأخضر كان أول دعاة “تجفيف منابع” الفكر الأصولي الإرهابي بعد أحداث 11 سبتمبر-أيلول 2001.
كتب العفيف الأخضر:
التنظيم الحديث، دار الطليعة، 1972.
الموقف من الدين، دار الطليعة، 1973 (الذي تدخّل رئيس تنظيم ديني في لبنان لمنع طبعته الرابعة).