عندما كان الرئيس السوري ومشيرته السيدة شعبان يزعمون أنهم غير تونس وغير مصر، كنا نجادل مقولتهم بحقيقة التماثل والتشابه وأنه سيصيبهم ماأصاب تونس ومصر رئيساً فرداً وحزباً محنطاً، وطبقةً من اللصوص من أقارب ومقربين في خدمتهم قوانين طوارئ ومحاكم أمنية وعسكرية وأجهزة قاهرة قامعة، حتى فهمنا أخيراً قصدهم ومرادهم.
فالسورييون المحكمون بحكم الأسد الأب والابن لأكثر من أربعين عاماً دأباً من ظلم ونهب، يوم طفح كيلهم، وتفجّرت انتفاضتهم، نداؤها سلمية سلمية، احنا بدنا حرية، والشعب السوري مابينذل، لم ينتظر قائلو: لسنا تونس ولسنا مصر، غير ساعة من نهار إلا وانطلقت عملية رصاصهم المصبوب لأكثر من أسبوع على مظاهرة الحرية والكرامة في مدينة درعا ولتمتد إلى غيرها قتلاً وجرحاً وضرباً واعتقالاً بالمئات لشباب وشيّاب ممن تحمّلوهم طويلاً على وعود الإصلاح الممتدة. فإذا هم في البطش وتوحش القتل تجاه شعبهم غير تونس ومصر ممن تأخر القتل عندهم أياماً وأياماً من التظاهرات والاحتجاجات، وهو على مايبدو ما أرادوا إفهامنا إياه في نفيهم أنهم غير تونس ومصر، مما لم يخطر لنا ببال لظننا أن دماء عشرات الآلاف من أبناء سورية التي سفكها النظام عبر الأب المؤسس لجمهورية القمع والرعب كانت كافية، وأن الابن غير الأب فإذا هو سر أبيه، وأنهم عن حق وحقيقة غير تونس وغير مصر. فهم وبعد أن أثخنوا قتلاً وجرحاً وتمثيلاً ومجازر بشعب شريف صابر مكافح ليل نهار لكسب لقمته التي يسرقها لصوصه من بين يديه، قالوا بإعفاء محافظ المدينة وكأنه هو من فعل كل هذه الأفاعيل وليسوا هم، وأن الإعفاء كان استجابة لمطالب المدينة وراحتهم.
وإنما زيادة في التطمين لأهل درعا فقد خرجت السيدة بثينة شعبان لتقرأ على السوريين وأهالي درعا تحديداً فرمانات النظام المعادة من التسويفات واستحضار اللجان وتحضير الدراسات، وكأن ماينادي به الناس في مواجهة الجور والفساد والحرية وليد الساعة ولم يكن من سنين وسنين. ولكننا ومع التقدير للمقامات، فإننا نعتقد أن قتل وجرح المئات من مواطنينا الأبرياء وبالوقاحة التي كانت، يستوجب إطلالةً رئاسية مصحوبة بقرارات إصلاحية فورية ليس فيها لعب في الوقت الضائع وليس فيها تسويف البتة.
أما وقد جاء الأمر على هذه الشاكلة من بعد كل هذه الدماء والضحايا فإن هذا يعني فيما يعني أن النظام لم ولن يتجاوز صلفه ومكابرته وممارساته وفلسفته من أن رياح التغيير والإصلاح ستمر من حوالي أسوار جمهورية القمع، وأن حلوله في مواجهتها هي بنفس الطريقة مما كان قبل عقود.
وإنما هل يعتقد من يلجأ لمثل هذه الحلول القذافية أنه في مأمن من العاقبة الوخيمة والبهدلة والشرشحة؟ قد يظنّ بنفسه أنه غيرهم في المصير أيضاً. ولكننا ندعو من يُعرض ويتكبر أن يتفكر ملياً فيما آل إليه ملك ملوك أفريقيا وما ينتظره..!! ونذكّره بقول من قال: إما أن تُغيّروا أو تتغيروا.
إن الشعب السوري شعب يريد الحياة حرة كريمة، وإن الرصاص المصبوب الذي يواجَه به سيرتد خزياً وعاراً على مستخدميه أياً كانوا، وسيعجّل في رحيلهم ولن ينفعهم، مثلهم مثل القذافي، حلفيهم. وأن الطريقة التي يعالج بها النظام مسألة الإصلاح بالتسويف والمماطلة واعتماد المجازر أسلوباً، والفساد منهج عمل وكأنها طبخة بحص، تتأكد مجدداً في خروج السيدة شعبان وظهورها على الملأ فيما قالت مما لاجديد فيه البتة.
عمليات الرصاص المصبوب الذي تنفذها السلطات القامعة والفاشية على شعب يريد الحياة، إنما يعني وبوضوح انتهاء أجلها، وأنها وضعت شعبها الأعزل المتطلّع للحرية والكرامة أمام خياره الصائب والوحيد ورسالته: الشعب يريد إسقاط النظام.