ان الاعتقاد بأمكان تهميش القضية الفلسطينيه لن يكون ممكنا على المدى البعيد ام المتوسط مهما بلغت الخسائر الواضحه في الطرف العربي والفلسطيني، فهذا ما حصل مع الرئيس بوش الذي اعتقد بامكان انجاح السياسه الامريكيه في المنطقه بلا حل عادل للقضية الفلسطينيه، وربما يمكن القول بأن الرئيس بوش مع نهاية ولايته لم يهتم بالاساس لمسألة السلام في الشرق الاوسط، بل غرق حتى العظم طوال عهده بقضية واحده: الحرب في العراق. لهذا فأن تميز عهد بوش بشيئ فهو الحرب في العراق و الحرب على الارهاب. ومع الحرب على الارهاب اصبحت القضية الفلسطينيه كما اصبح حزب الله اللبناني وحماس مشمولين في التعريف اضافة للكثير من التيارات الاسلاميه التي لا تمارس العنف المسلح. هكذا اصبحت المساحه من المحيط الى الخليج مساحة قتاليه من نمط غريب.
وتتمتع القضية الفلسطينيه بغرابة وفراده خاصه. فهي ان بدت في تراجع، تعود وتتفاعل بسبب عوامل اسلاميه، واخرى قوميه، وثالثه وطنيه، ورابعه اقتصاديه، وخامسه نفسيه، وانسانيه لتخلق وضعا يعيد اليها الوهج. فقضيه فلسطين لا تخص غزه او الضفه او القدس او الفلسطينيين بل تخص العالم العربي والاسلامي بدرجة مساويه نظرا لما تتمتع به من رمزيه سياسيه في العلاقات بين الشرق والغرب وبين العالم الاسلامي والعالم الغربي. لهذا ستبقى السياسه الامريكيه تدفع اثمان مضاعفه وسلبيه طالما ان سياستها تجاه هذه القضيه الحساسه بقيت لصالح اسرائيل ولصالح مصالحها.
الحاله العربيه التي انتجت “القاعدة” وانتجت هذا الغليان في العراق وانتجت البيئه التي يتحرك فيها الغضب تجاه السياسه الامريكيه لم تكن معزوله عن القضية الفلسطينيه. فأي مراجعه لهذا الغليان ولتصريحات بن لادن والظواهري وغيرهم من ممارسي العنف سيجد مكانا دائما للقضية الفلسطينيه. وقد يكون هذا كله بدافع الاستخدام وحشد المؤيدين، ولكن هذا يعكس بنفس الوقت المنزله الخاصه الذي تتمتع بها القضية الفلسطينيه في العالم العربي والاسلامي. ان سلوكيات حزب الله هي الاخرى لم تكن بعيده عن القضية الفلسطينيه بصورتها القوميه، ففي عملية تبادل الاسرى ورفات الشهداء منذ اسابيع كان حضور القضية الفلسطينيه كبيرا. فبالرغم من تجاوزات حزب الله وحماس في الساحات الداخليه لكل من لبنان وفلسطين الا ان السياسه الامريكيه ركزت على ما تقوم به هذه التيارات تجاه اسرائيل باكثر مما تقوم به في بلدانها وعلى اراضيها. ان العالم العربي لن يتعامل ينجاح مع الديمقراطيه وحقوق الانسان ولن يتعامل مع السياسه الامريكيه بشكل مريح وبناء اذا لم تنجح الولايات المتحده في اقناع العرب بأنها قادره على ان تتحول الى طرف محايد.
على سبيل المثال قد يقتنع الكثير من العرب بأن الولايات المتحده كانت لديها اسبابها في تغير النطام في العراق، ولكن من الصعب اقناع احد في العالم العربي بأن قرار حل الجيش العراقي لم يكن قرارا متأثرا بالمصالح الاسرائيليه. وقد يكون الكثير من العرب قد رأي خطورة القاعده في افغانستان ولكن يصعب ان يفهم الكثير من العرب سبب الغاء الطالبان كلية من المعادله السياسيه رغم انهم( الطالبان) يمثلون كتلة هامه من قبائل افغانستان ويتمتعون بالكثير من الشعبيه المحليه. كما يصعب فهم اسباب عدم نجاح الولايات المتحده في اشـراك الباكستان والهند وايران في ايجاد طريق لبناء الدوله في افغانستان. ويصعب بنفس الوقت اقناع العرب بأن الموقف الامريكي في الحرب على الارهاب بصورته العامه ليس ايضا جزء من الحرب على القضيه الفلسطينيه خاصة وان حزب الله وحماس واطراف اخرى لا يمكن ادراجها في خانة الارهاب قد ادرجت. ويصعب اقناع العرب بأن حصار حماس بعد الانتخابات وتشكيل حكومة وحده وطنيه مع حركه فتح منذ اكثر من عامين كان تعبير عن ارادة امريكيه مستقله، وقد ادى هذا الى ضرب مصداقيه الدعوه الامريكيه للديمقراطيه في العالم الاسلامي. كما يصعب اقناع العرب بأن ايران النوويه كانت ستعامل بهذه الطريقه لو كانت في اقليم اخر من اقاليم العالم، فالعلاقه الامريكيه مع اسرائيل تبقى اساسيه للقرار الامريكي، وهذا يساهم في اضعاف الدور الامريكي في الشرق الاوسط.
ان نقد السياسه الامريكيه في السنوات الثمان الماضيه، في ظل نتائجها سوف يكون اساسيا للمرحله القادمه. من جهة اخرى أن استمرار السياسات الامريكيه السابقه سوف يساهم في زيادة حجم الارهاب وصور التوتر بين الشرق والغرب. ان تغير السياسه الامريكيه سوف يتطلب اولا المقدره على مناقشة القضايا بجديه والمقدره على اشراك كل الاطراف في الحلول.
shafeeqghabra@gmail.com
استاذ العلوم السياسية- الكويت
الرأي العام الكويتية