مما لا جدال فيه أن أفضل السيارات في عالم المركبات ووسائل المواصلات الحديثة هي السيارات اليابانية التي نافست نظيراتها الأوروبيات والأمريكيات منذ الستينات وتفوقت عليهن في كل شيء ابتداء من السعر وجمال التصميم و روعة الإكسسوارات وانتهاء بوسائل الأمان و الراحة والسلامة وسهولة الحصول على قطع الخيار بأسعار متهاودة.
صناعة السيارات الأكبر عالميا
ومما لا جدال فيه أيضا أن ضمن صناعة السيارات اليابانية تأتي “تويوتا موتورز” في المقدمة، فهي الأكبر على مستوى العالم وليس اليابان فقط، وهي الأوسع انتشارا على الطرقات مما يعني امتلاكها لميزة تفضيلية لدى المستهلك بغض النظر عن مهنة هذا المستهلك أو عمره أو امكاناته المادية.
خسائر تعادل 4.4 مليار دولار
و من هنا فقد كان للخبر الذي نشر مؤخرا عن تكبد “تويوتا موتورز” لخسائر صافية بمقدار 437 مليون ين ياباني او ما يعادل 4.4 مليار دولار أمريكي في السنة المالية المنتهية في مارس/ آذار المنصرم، مقارنة بأرباح وصلت الى 397 مليون ين في الفترة نفسها من العام الماضي، اضافة الى توقعات مسئولي الشركة بارتفاع تلك الخسائر الى5.5 مليار دولار في عام 2010 ، وقع المفاجأة على الكثيرين، خصوصا وان هذه الشركة اليابانية تحديدا لم تتعرض لخسائر منذ عام 1963. وبطبيعة الحال فان السبب – كما قال رئيس مجموعة تويوتا ” كاتسواكي واتانابي” في هذا الوضع الذي لم تجد تويوتا نفسها فيه طوال خمس عقود تقريبا ناجم عن تراجع الاقتصاد العالمي وبالتالي تراجع مبيعات تويوتا ( لم تستطع في العالم الجاري سوى بيع 7.6 مليون وحدة على مستوى العالم) ولا سيما في الاسواق الاوروبية والامريكية الذي تقلص الطلب فيها على المركبات بوتيرة حادة مفضية الى افلاس بعض كبريات شركاتها المحلية المعروفة على نطاق العالم. ومن الاسباب الأخرى التي اوردها السيد واتانابي في السياق ذاته، ارتفاع اسعار المواد الأولية وقوة الين الياباني مما ادى الى ارتفاع كلفة الانتاج وبالتالي ارتفاع سعر المنتج وخسارة شرائح مهمة من العملاء.
تويوتا بدلا من تويودا
تأسست شركة تويوتا في سبتمبر/ أيلول عام 1933 من قبل “كيتشيرو تويودا” الذي فضل ألا يطلق اسم تويودا (تعني الكلمة باللغتين اليابانية والصينية الارض الخصبة الصالحة لزراعة الارز) على منتجاته، واستعاض عنه باسم قريب في اللفظ والتهجئة هو “يويوتا”، وذلك من اجل عدم الخلط ما بين اسم العائلة واسم المؤسسة. وقتها كانت الشركة منخرطة تحديدا في صناعة المنسوجات بالطرق الاتوماتيكية، وهو ما لا تزال تويوتا محافظة عليه وتعتز به عبر إنتاجها وتسويقها لمكائن الخياطة الكهربائية.
البداية كانت في عام 1935
أما بداية دخولها مجال تصنيع المركبات فتعود إلى عام 1935 حينما أخرجت الشركة، التي آلت ادارتها وقتذاك الى ابن مؤسسها، مركبة صغيرة تتسع لراكب واحد. بعد ذلك توالت عمليات التصنيع بموديلات وأحجام مختلفة، علما بأن التصاميم الأولى سواء لسيارات الركاب أو للشاحنات اقتبست من تصاميم سيارات دوج وشيفروليه الأمريكية، بل استنسخ حتى بعض الأجزاء وقطع الغيار من الأخيرتين.
تويوتا اثناء الحرب
وخلال الحرب العالمية الثانية وحرب الباسفيك ، تم إجبار مصانع تويوتا على تحويل كافة أعمالها وانشطتها لصالح دعم القوات الإمبراطورية من خلال إنتاج ما تحتاجه الأخيرة من شاحنات نقل الجنود. وقد قامت تويوتا بما طلب منها، غير أنه نظرا لشح المواد اللازمة لتصنيع مثل تلك المركبات، اضطرت الشركة إلى صناعاتها بأقل الموجود فظهرت مشوهة وقبيحة المنظر وقليلة الجودة بدليل إنتاجها لشاحنات نقل بمصباح إنارة يتيم يتوسط مقدمتها.
ادارة منضبطة وطموح كبير
ويمكن القول أن تويوتا كانت محظوظة كثيرا، لأن حرب الباسفيك انتهت قبيل وقت قصير جدا من بدء الحلفاء بتنفيذ خطة كانوا قد أعدوها سلفا لتسوية مصانعها بالأرض. وهكذا فان تويوتا كانت مع انتهاء الحرب في وضعية جيدة نسبيا للانطلاق في عالم صناعة سيارات الركاب. اذ كانت تملك خبرة سابقة وإطلاع على تفاصيل عمل مصانع السيارات في الغرب، فضلا عن امتلاكها لادارة متماسكة ومنضبطة و طموح مستميت لوضع البلاد على دروب النهضة الصناعية. وهنا كانت مساعدة الأمريكيين للشركة ضرورية: أولا لوضع أقدامها داخل السوق الأمريكية الواسعة وما وراءها، وثانيا للحصول على بعض الخبرات التقنية الناقصة. حيث تم لها ذلك في عام 1957 الذي شهد استقبال الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل لأول مرة لسيارات مصنعة في اليابان من نوع تويوتا/ كريسيدا، غير ان الانطلاقة الحقيقية لتويوتا في اسواق امريكا الشمالية جاءت على اثر الارتفاعات الحادة في اسعار النفوط الواردة من الشرق الاوسط في منتصف السبعينات والتي اصبح معها الطلب كثيفا على السيارات الصغيرة ذات الاستهلاك المنخفض للوقود من قبل المواطن الامريكي والكندي. وهنا جاء دور تويوتا وغيرها من شقيقاتها اليابانيات لانتهاز الفرصة، خصوصا مع امتلاكها لسابق تجربة طويلة في صناعة وتسويق ذلك النوع من المركبات.
الحقبة الذهبية كانت في السبعينات
و هكذا ليس غريبا أن يقال أن حقبة السبعينات من القرن العشرين كانت الحقبة التي شهدت صعود وانتشار واشتهار مجموعة تويوتا موتورز على أوسع نطاق. ففيها اكتسحت أسواق أوروبا وأمريكا وأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وفيها أنفقت ملايين الدولارات على التوسع والإعلان والتدريب و افتتاح مصانع الإنتاج و التجميع الخارجية – تقع هذه المصانع التي افتتح أولها في مدينة ساو باولو البرازيلية في عام 1959 في الولايات المتحدة الامريكية واستراليا وكندا والمكسيك و المملكة المتحدة وفرنسا وبولندا وجنوب أفريقيا وتركيا والأرجنتين وفنزويلا وجمهورية التشيك واندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين والهند وباكستان والصين، ويعمل فيها أكثر من 316 ألف موظف وعامل. وفي هذه الحقبة أو قبلها أو بعدها بقليل استحوذت تويوتا على معظم حصص شركتي دايهاتسو وهينو، و نحو 9 بالمئة من حصص شركة فوجي للصناعات الثقيلة التي تصنع مركبات سوبارو، ونحو 6 بالمئة من حصص شركة “ايسوزو موتورز المحدودة” التي قالت تويوتا أنها تزمع من خلالها إطلاق مركبات تعمل بتكنولوجيات الديزل.
دخول مجال صناعة السيارات الفارهة
أما نهاية الثمانينات فقد كانت بداية اقتحام تويوتا لأسواق السيارات الفارهة. وقد نجحت في هذا نجاحا مذهلا، بل صارت منافسة قوية للشركات التي سبقتها بعقود من الزمن في هذا المجال مثل مرسيدس الألمانية وكاديلاك الأمريكية وجاكوار ورولز رويس وبنتلي البريطانية، وذلك حينما أطلقت في عام 1989 سيارة “لكزس”. وهذه الأخيرة تعتبر اليوم طبقا للمسوحات والاستطلاعات وعينات الرأي التي أجريت حول العالم من أفضل المركبات وأكثرها راحة وأمانا وسرعة في استجابة وكلائها المحليين لما يطلب منهم من خدمات تتعلق بالصيانة.
اقتحام مجال “الفورملا وان”
ولم تترك تويوتا مجالا يختص بصناعة المركبات إلا واقتحمه وحققت فيه نجاحا منقطع النظير. فمثلا دخلت سباقات “الفورمولا وان” من خلال فريق عمل مشترك مع شركتي ستروين وبيغوت الفرنسيتين، وذلك في عام 2002 أي بعد عام واحد من تشغيل مصانعها على الأرض الفرنسية.
ماذا عن تويوتا نصف نقل “هاي لاكس”؟
بقي أن نقول أن سيارات تويوتا، وتحديدا تلك المعروفة بنصف نقل من نوع “هاي لوكس”، هي المرغوبة أكثر من غيرها لدى الإرهابيين والجماعات المتمردة المسلحة حول العالم. وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع من خلال الأفلام و الصور الملتطقة في أماكن النزاعات والحروب السابقة والحالية مثل حروب دول البلقان وأفريقيا السوداء والشيشان، ناهيك عن الحرب الأفغانية التي قيل في وقت من الأوقات أن مقاتليها – سواء زمن الاحتلال السوفيتي أو زمن نظام طالبان الأحمق – منحوا شركة تويوتا دعاية مجانية لا تقدر بثمن، من خلال ظهورهم أمام كاميرات التلفزة وهم يتنقلون عبر الهضاب والجبال والوديان الوعرة أو عبر الصحاري القاحلة في عربات تويوتا نصف نقل، او وهم يستخدمون هذه العربات في الكر والفر واثارة الغبار واطلاق الصواريخ. صحيح ان الارهابيين استخدموا ويستخدمون سيارات نصف نقل شبيهة من ماركات اخرى مثل نيسان وميتسوبيشي و مازدا في عملياتهم القذرة وجرائمهم الدموية وعمليات التفخيخ والتفجير، الا أن هناك احصائيات تشير الى الغالبية العظمى من تلك المركبات كانت من نوع تويوتا. فما هو السر يا ترى؟
رأي البروفسور شيمادا
للحصول على تفسير للأمر الذي لا يزال قائما إلى اليوم على نحو ما نشاهده في الافلام الاخبارية المصورة القادمة من الصومال مثلا، توجهت بالسؤال الى البروفسور شيمادا هارو: الاقتصادي الياباني المعروف ورئيس جامعة شيبا الخاصة و أحد الذين عملوا طويلا كمستشار لأصحاب ومدراء مجموعة ” تويوتا موتورز “، وذلك خلال زيارة قصيرة له للبحرين لالقاء محاضرة عن التجربة اليابانية في التصنيع بعيد الحرب الكونية الثانية فقال ضاحكا: ربما أن للأمر علاقة بجودة منتجاتنا بمعنى عدم سرعة عطبها وقوة تحملها للظروف البيئية المختلفة و الطبيعة الجغرافية القاسية، أو ربما أن الأمر عائد الى سهولة تحويل منتجاتنا من غرض إلى آخر بمعنى إمكانية تحويلها مثلا من مركبة للشحن والنقل البريء إلى ناقلة للجنود والمدافع المصوبة، وربما تكمن الاجابة في توفر ذلك النوع من مركبات تويوتا مع قطع غيارها بكميات وأسعار معتدلة في كل الأماكن والأزمنة. تفسيرات قد تبدو معقولة ومفهومة! لكنها غير حاسمة.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
elmadani@batelco.com.bh