إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
في سياق الحراك الشعبي السلمي المتواصل في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، منذ نحو 7 أشهر، شرع عشرات المحتجين في التوجه إلى المؤسسة العامة لمياه الشرب، باعتبارها إحدى أهم المنشآت العامة، والتي يستشري فيها الفساد، بحسب ناشطين.
وبحسب تقرير نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان، الثلاثاء، أزال متظاهرون في مدينة السويداء “لافتات وصورة تحمل رأس النظام ‘بشار الأسد’، على عدة مراكز، وذلك في مؤسسة المياه والصرف الصحي وفرع السويداء، ومدخل الحديقة العامة، احتجاجا على واقع المياه في المنطقة”.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن عضو التجمع المهني، نضال سلوم، أبلغ مدير مؤسسة المياه، الاثنين بأن مختصين من داخل الحراك الشعبي “سيتولون مراقبة أعمال المؤسسة، وملاحقة وفضح حالات الفساد المستشري في مؤسسات الدولة بالمحافظة”.
ويضم التجمع المهني الذي نشأ على خلفية الاحتجاجات السلمية في السويداء، تسع مكونات، مثل المحامين والمهندسين والمعلمين، ويعد جزءا مهما من الحراك الذي يطالب بحل سياسي للأزمة في سوريا وتنفيذ القرار الدولي “2254“.
ويدعو ذلك القرار إلى دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مدتها 6 أشهر حكما ذا مصداقية يشمل الجميع و”لا يقوم على الطائفية”.
ويطالب القرار بأن “تتخذ الأطراف جميع الخطوات المناسبة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الطوائف العرقية والدينية والطائفية”.
ويحمّل القرار النظام السوري مسؤولية “حماية السكان”، مجددا التأكيد على أن “الحل المستدام الوحيد للأزمة الحالية في سوريا هو من خلال عملية سياسية شاملة، بقيادة سورية تلبي تطلعات الشعب السوري”.
“رسالة واضحة”
وبشأن التحرك الأخير، أوضح الناشط الإعلامي الملقب بـ”أبو تيمور” وهو مقيم في السويداء، أنه “ضمن نشاطات محتجي ومحتجات الحراك الأخير في المحافظة، وبالتوازي مع الإصرار على مطالب التغيير السياسي، توجه جزء مهم من النشطاء والمختصين لأخذ دور رقابي على المؤسسات المختلفة، التي تمس بنشاطها حياة المواطن اليومية”.
وأضاف الناشط الذي فضل عدم الكشف عن هويته، في تصريح لموقع “الحرة”: “يتم ذلك عبر فرض رقابة على إدارات تلك المؤسسات لكبح جماح الفساد المستشري فيها، ولتقويض تغول حزب البعث على هذه المنشآت”.
وعن مغزى ذلك التحرك، أوضح الناشط والباحث السياسي، فايز القنطار، في اتصال مع موقع “الحرة” أنه “بعد مضي أكثر من نصف سنة على الاحتجاجات في السويداء، سادت لغة الحوار، وجرى تشكيل حر للمجتمع المدني، إن صح التعبير، وذلك بمشاركة نقابات الفلاحين والمعلمين والأطباء والمحامين وغيرها”.
وتابع: “إضافة إلى ذلك، تكونت مجموعة من التيارات ذات الطابع الثقافي- السياسي، ورغم أهمية ما مضى، فإن الحراك ينتقل إلى مرحلة أكثر تقدما، وهي مرحلة مراقبة مؤسسات الدولة، وفضح فسادها وكشف تقصيرها الفادح في خدمة المواطنين”.
وأضاف: “نحن نعرف أن المواطن السوري يفتقد إلى المقومات الأساسية للحياة الكريمة، مثل الخبز والماء والكهرباء، وذلك دون أن نتحدث عن الدواء والتعليم والقضايا المعيشية الأخرى”.
وعن الأزمة التي أدت إلى الاحتجاج أمام مؤسسة المياه، قال القنطار: “من غير المعقول في منطقة جبلية غنية بالأمطار ومصادر الماء أن يعاني السكان من العطش، كما أنه من غير المعقول وفي هذا البرد القارس عدم توفر وقود للتدفئة”.
وزاد: “هذا التجمع أمام مؤسسة المياه بعث رسالة واضحة، مفادها أننا لن نقبل بعد اليوم أن نفتقد إلى مقومات العيش الأساسية مثل الماء، الذي بات أهالي السويداء يشترونه بأسعار باهظة تفوق مقدرة معظمهم في ظل الغلاء الفاحش وقلة الأجور، وانتشار البطالة بين الناس”.
“خطوة نوعية”
ولدى سؤال القنطار، عما إذا كان أبناء المحافظة الجنوبية أصبحوا قادرين على إدارة مؤسسات الدولة بعيدا عن سطوة النظام، قال الباحث الذي ينتمي إلى نفس المنطقة: “بالتأكيد أن الحراك الشعبي ينتقل خطوات مهمة إلى الأمام، والسويداء حاليا في حالة مخاض لتشكيل مجلس يتم التوافق عليه بتأييد كافة فئات المجتمع، وبرعاية مشيخة العقل الدينية التي جددت دعمها ومباركتها لهذا الحراك”.
ونبه إلى أن المجلس الموعود “سيتولى تشكيل لجان متخصصة يكون لها دور حاسم في مراقبة مختلف مؤسسات الدولة في المحافظة، وذلك ليس بغرض أن تحل محلها، وإنما لتكمل وتراقب تلك المنشآت، وللتأكد من حسن سير العمل فيها والقضاء على مظاهر الفساد”.
وفي هذا الصدد، أشار القنطار إلى حادثة فصل المعلم صدام ناصر النجم، بقرار من محافظ السويداء في يناير الماضي، وذلك على خلفية مشاركته في الاحتجاجات الجماهيرية التي تشهدها المحافظة.
وأوضح القنطار أن “فصل صدام كان خير مثال على تحرك المجتمع المدني في مواجهة الفساد، حيث جرى تشكيل وفد لمقابلة مدير التربية في المحافظة، ليعلن الأخير رفضه القاطع لذلك القرار، خاصة أنه يخالف الدستور والقوانين المعمول بها”.
ونبه إلى أنه “تم رفع دعوى قضائية من قبل بعض المحامين في المحافظة لإلغاء ذلك القرار التعسفي، وإعادة المعلم المفصول إلى عمله”.
وشدد القنطار على أن مثل تلك المواقف البارزة والمضيئة تكررت مع الحراك الشعبي في “مواجهة الفساد والقمع المتغول في مؤسسات الدولة، وبالتالي أضحى الحراك السلمي أكثر نضجا”.
وفي سياق متصل، أكد الناشط أبو تيمور أن الهدف من التحركات الأخيرة “ليس لإدارة تلك المؤسسات بل هي نوع من ممارسة الرقابة على عمل هذه المؤسسات”.
وأشاد بدور شيخ العقل، حكمت الهجري، في دعم الحراك وعدم تراجعه عن مواقفه، رغم الضغوط التي مورست عليه.
وعن مستقبل التوجهات لدى الحراك، وسط وجود مخاوف من فرض حصار اقتصادي على المحافظة، أجاب القنطار: “ربما أفضى تشكيل لجان متخصصة تابعة للمجلس الذي سيرى النور قريبا إلى دور أكثر فعالية للحراك”.
وزاد: “ستلعب تلك اللجان دورا حيويا في حال قرر النظام فرض حصار اقتصادي على السويداء، لكن ذلك أيضا سيكون رهنا بتغيرات إقليمية ودولية مثل أن يوافق الأردن على فتح معبر حدودي مع المحافظة”.
ورغم أن السويداء تقع في أقصى الجنوب السوري المحاذي للأردن، فإنها لا ترتبط بأي معبر حدودي كما هو الحال بالنسبة لجارتها الواقعة إلى الغرب، محافظة درعا.
وتعتبر السويداء فقيرة وغير قادرة على إقامة مشروعات مستقلة، حسب ما يقول سكان فيها، وكانت تعتمد في السابق على أموال المغتربين وحصاد المواسم الزراعية، في حين أسهمت القروض الصغيرة في تأسيس مشروعات بسيطة، خاصة قبل الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها سوريا عام 2011.
واعتبر رئيس تحرير شبكة “السويداء 24” المختصة بأخبار المحافظة، ريان معروف، في حديث إلى موقع “الحرة”، أن “وجود معبر مع الأردن من شأنه أن ينشط حركة التبادل التجاري وحركة تصدير المنتجات الزراعية، بالتالي فإن ذلك سيشكل رافدا اقتصاديا مهما للمحافظة”.
أما القنطار، فيختم بالقول: “الحراك في النهاية حريص على مؤسسات الدولة في السويداء لأنها ملك للشعب، وليست من مقتنيات السلطة الأسدية الغاشمة”.
وعلى نفس المنحى، أكد معروف أن “الحراك قرر تشكيل لجنة لرقابة أداء عمل مؤسسة المياه”، مضيفا: “أتفق مع الآراء التي تؤكد أنه لا توجد لدى نخب الحراك أي نوايا لإدارة المنشآت الحكومية في المحافظة”.
وانطلقت في منتصف أغسطس احتجاجات سلمية في محافظة السويداء، أعقبت قرار السلطات رفع الدعم عن الوقود، وتطورت من احتجاج على تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى المطالبة بـ”إسقاط النظام”.
وبحسب وكالة فرانس برس، لمحافظة السويداء خصوصيتها، إذ طوال سنوات النزاع في سوريا، تمكّن دروز سوريا إلى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته. فلم يحملوا إجمالا السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة. وتخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الاجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فقط، بينما غضّت دمشق النظر عنهم.