«الراي» تحدّثت إلى ناشطين عن مرحلة ما بعد اغتيال البلعوس
بيروت – من فاطمة حوحو
هزّت جريمة اغتيال رجل الدين الدرزي وحيد البلعوس بسيارة مفخخة في السويداء منطقة جبل العرب جنوب سورية وفتحت الأمور على احتمالات عدة، ولا سيما بعد «الغضبة الشعبية» واتهام نظام الرئيس بشار الأسد بارتكاب الجريمة والهجوم على تمثال والده الرئيس السابق حافظ الاسد، في مشهدٍ ذكّر بصور إسقاط تمثال الرئيس العراقي صدام حسين في العراق.
وبعدما بدا في ضوء هذه التطورات أن الحديث عن تحييد منطقة السويداء عن الصراع الدائر في سورية صار من الماضي، وسط كلام عن أن أهل السويداء سيلاقون الشعب السوري في ثورته ضد النظام من أجل نيل الحق وحفظ الكرامة، نجح المشايخ في ضبط الأمور وعدم الانجرار إلى الفوضى في ظل دعوات واضحة إلى «التصرف الحكيم» الذي حمل إشارات ضمنية إلى أن عنوانه هو طرد ميليشيات النظام والتفكير بالإدارة الذاتية، ورفض الولاءات للنظام وميليشياته أو الوقوف ضد أبناء الشعب السوري في ثورتهم.
ويخشى البعض في ضوء ذلك من أن الوضع الدقيق الذي تعيشه السويداء اليوم قد يأخذها إلى احتمالات وخيارات صعبة ولا سيما أن النظام قد يستخدم «داعش» لضرب الأقلية الدرزية في حال انتفض ضدّه الأهالي للانتقام منهم، وهو أمر يقلق أهالي السويداء بعد سياسة الحياد النسبي التي اتُبعت سابقاً. علماً أن التظاهرات المستنكرة لاغتيال «شيخ الكرامة» كانت بلغت مبنى المحافظة في قلب المدينة وطالبت بإسقاط المحافظ ورجال الأمن وخصوصاً رئيس الاستخبارات العسكرية وفيق ناصر في مشهدٍ أعاد السوريين إلى التظاهرات الأولى في محافظة درعا الجارة التي طالبت في حينه بإسقاط محافظ درعا ورجل الاستخبارات البارز عاطف نجيب ابن خالة الأسد بعد اعتقاله مجموعة أطفال، قبل أن تتطوّر الأمور إلى تظاهراتٍ عمت مدن سورية كافة لتطالب بإسقاط الأسد نفسه.
يعتبر الناشط الاعلامي مالك أبو الخير أن «ظهور البلعوس خطوة لم تحدث في تاريخ المحافظة منذ وفاة سلطان باشا الأطرش. فعند ظهوره وتحديداً في يوم اعتقال أحد رجال الدين من فرع الأمن العسكري، قاد الحملة التي أجبرت الفرع على إخراجه وكانت هذه أول مواجهة فعلية بين النظام وأهالي المدينة وخطوة جريئة لم تحدث منذ تولي عائلة الاسد عبر حزب البعث السلطة في البلاد»، موضحا أن «كل الإشارات في اغتياله تتجه إلى النظام لأسباب عدة أهمها الفيديو الأخير الذي انتشر قبل أيام عدة من استشهاده وفيه تم الحديث عن تعرضه لتهديدات من النظام ومحاولة اغتيال»، وأضاف: «ما زاد الشكوك هو أنه بعد قيام تظاهرات في مدينة السويداء، وكانت سلمية تطالب بأمور حياتية ومعيشية، حاول النظام قمعها لولا تدخل الشيخ البلعوس وتعهده بحماية المتظاهرين لكونه يترأس أكبر مجموعة مسلحة على الأرض وهي تخيف النظام. وبعد التعهد الذي اعتُبر أكبر تحدٍ للنظام، تم اغتياله مباشرة بسيارة مفخخة. كما أن ما أكد الشكوك هو أسلوب التفجير الذي بات الجميع يعلمون أنه نفسه المعتمد من النظام عندما يريد التخلص من أي شخصية تعارضه».
ويحدد أبو الخير الدور الذي كان يلعبه البلعوس بكونه «أول مَن قاد مجموعة مسلحة أعلنت وبشكل علني أنها لا ترغب بالنظام ولا بالمعارضة وهو في الوقت نفسه الشوكة في حلق النظام في المدينة وساعد في تحجيم دور الأجهزة الأمنية في المدينة».
ويؤكد الناشط السياسي مروان حمزة أن «الشيخ الشهيد البلعوس كان واضحاً في مواقفه السياسية، حيث كان يسمي الأشياء بأسمائها وينتقد المسؤولين عن الفساد بدءاً من بشار الأسد حتى العميد وفيق ناصر رئيس فرع الأمن العسكري للمنطقة الجنوبية وباقي مسؤولي المحافظة، مثل أمين فرع الحزب والمحافظ وكل رؤساء الدوائر، وكان له أكثر من حديث مسجل بالفيديو تداولته كل الأوساط في السويداء وسورية، ويظهر فيه مهدداً كل مَن يحاول الاعتداء على أحد أبناء الجبل أو النيل من كرامتهم وكان يحرص دائماً على القول (يا منعيش فوق الأرض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة)»، مضيفاً: «حين حصل اقتحام حاجز للأمن الجوي قريب من قريته المزرعة، حاول أفراد الحاجز النيل من كرامة ركاب سيرفيس كان متجهاً إلى هذه القرية فهجم رفاقه مشايخ الكرامة واقتلعوا الحاجز من جذوره، وبعدها خطب فيهم وأشار بالاسم إلى أن مسؤول الأمن الجوي بالمحافظة والأمن العسكري مطلوبان للقصاص أحياء أو أمواتاً. وأشار في الخطبة نفسها إلى مسؤولية النظام في أحداث قرية داما وإلى تقصير الأجهزة الأمنية وقال إن جيش النظام استهدف المشايخ المدافعين عن القرية وتسبب قصفهم لأماكن تواجدهم بمقتل 18شخصاً منهم أخوه الذي استشهد في المعركة».
ولاحظ حمزة أنه «في أي معركة، كان الشيخ الشهيد سريع التواجد مع رفاقه ولا سيما في القرى المتوترة في ذيبين والحقف وشقا والجنينة حيث حاول الكثير من أفراد ميلشيات النظام اغتياله، وكان يؤكد في كل المناسبات التي يُدعى إليها أنه ضد الظلم والفساد وضد الذين يتآمرون على جبل العرب، إذ كان هناك الكثير من الشبيحة وأفراد المليشيات التابعة للنظام يتوعدونه بالقتل، حتى جاءت لحظة لقائه بربه يوم استشهاده في تلك الجريمة الجبانة».
ويشدد الصحافي السوري من السويداء رامي زين الدين على أن «ظهور حركة مشايخ الكرامة في السويداء بقيادة الشيخ وحيد البلعوس وتبنيها شعارات تناهض فساد النظام الحاكم وتَسلُّطه، شكّل عامل قلق وخوف شديدين لأجهزة الأمن في المحافظة الدرزية التي أخذت في العموم موقفاً غير مناهض للنظام، الأمر الذي دفع أجهزة الأمن إلى اتباع أساليب خبيثة لإيجاد فتنة أهلية في السويداء، ولكن وعي الشهيد البلعوس كان يحول كل مرة دون وقوع الفتنة»، مضيفاً: «نشأت خلافات عميقة بين مشايخ الكرامة والأفرع الأمنية وخصوصاً الأمن العسكري الذي يترأسه العميد وفيق ناصر، وتصاعد الخلاف بعد حادثة ما يسمّى حاجز (الجوية) عندما قام عناصر من المخابرات على أحد الحواجز بالاعتداء على المواطنين، ما دفع مشايخ الكرامة للهجوم على الحاجز وإزالته وطرد عناصره. وكان الشيخ البلعوس يعلم أن هناك قراراً اتخذ لاغتياله من أجهزة الأمن، وقال حرفياً إننا نعلم بأمر اغتيالنا من علي مملوك والقصر الجمهوري. بالتالي فإن المستفيد من اغتيال البلعوس هو النظام. ويمكن ملاحظة أن أول رد فعل بعد الاغتيال كان تدمير تمثال حافظ الأسد في قلب المدينة، وهذا مؤشر مهم إلى أن الناس يعرفون غريمهم».
ويشدد زين الدين على أن «ظهور البلعوس فرضته حالة الظلم التي عاناها أهل السويداء حيث اليد الطولى لأجهزة الأمن وشبيحة النظام، فكان لجماعة الكرامة دور كبير في تحقيق توازن وعدم السماح للنظام بالتمادي في إهانة الناس أو اعتقالهم أو إجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية. ونتيجة لمواقفه تلك حظي الشيخ البلعوس بشعبية كبيرة في السويداء واستطاع أن يجمع من حوله أعداداً كبيرة».
التجنيد الإجباري
وعن موضوع التجنيد الاجباري للدروز الذي قيل إنه وراء الانتفاضة ضد النظام، يقول مالك أبو الخير إن «التجنيد الإجباري يُعتبر من أكثر العوامل التي دفعت إلى رفع الوتيرة بين النظام ورجال الشيخ بلعوس، حيث كان موقفهم واضحاً بعدم السماح لأي شاب درزي بأن يذهب رغماً عنه للخدمة في القتال، وأنه مرفوض أن يكون أبناء السويداء وقوداً لمعارك الأسد».
كما يؤكد مروان حمزة أن «مسألة التجنيد الإجباري والدعوة للاحتياط لم تكن الوحيدة التي فجرت الأوضاع قبل جريمة الاغتيال، بل الأوضاع الاقتصادية المتردية في الجبل حيث أزمات انقطاع المازوت والبنزين والكهرباء والانترنت وسوء الخبز والغلاء الفاحش والتهريب والفساد والفوضى في الأسواق وعدم الرقابة وغياب المسؤولية هي كلها أسباب موجبة للثورة والانتفاضة ضد الأمر الواقع. ورغم أن المحافظة كانت مع الثورة السورية منذ بدايتها فإن أعداد المعتقلين في سجون النظام والقتلى كثر، والمفصولون من وظائف الدولة وأنا منهم كثر وقد اعتقلت أكثر من مرة منذ بدء الثورة»، مضيفاً: «صحيح أن المواجهات مع النظام لم تكن بمستوى المواجهات في المحافظات السورية الأخرى، لكن الأيام آتية».
ويعتبر رامي زين الدين أن «مسألة التجنيد الإجباري واحدة من العوامل المهمة في احتدام الصراع بين مشايخ الكرامة والنظام، حيث أعلن البلعوس أنه لن يسمح بسحب أي شاب للخدمة العسكرية باستثناء مَن يذهب برغبته، ولا سيّما أن هناك أكثر من 15 ألف شاب ممتنع عن الالتحاق بجيش النظام، وهذا الأمر يعود لأسباب منها أن ثقافة الخدمة العسكرية ضعيفة في المجتمع الدرزي نتيجة التهميش الذي اتبعه حافظ الأسد وابنه من بعده في التعامل مع العسكريين من أبناء المحافظة. فالرتب العسكرية للدروز محدودة ودون صلاحيات، كما أن هناك قناعة لدى الدروز بأن الحرب القائمة حالياً ليست وطنية، وبالتالي ليس لديهم استعداد ليكونوا وقوداً لدى النظام. ولذلك فإن موقف مشايخ الكرامة ساهم في شعور الناس بالاطمئنان إلى أن هناك مَن يسندهم ويحميهم في حال رفضوا الالتحاق بالجيش».
ويضيف: «لن ننسى أن الشيخ البلعوس تبنّى خطاباً حازماً في رفض الظلم ووسطياً في الموقف السياسي فقدّم جماعته للناس على أنها ليست معارِضة أو مؤيدة، ورفع شعارات من قبيل (نحرّم التعدي منا ونحرّم التعدي علينا)، مع التركيز في كل خطاباته على أنّ كرامة الجبل خط أحمر لا يجوز تجاوزها لا من النظام ولا من غيره. وعندما هاجم ثوار درعا مطار الثعلة العسكري، اتخذ البلعوس موقفاً محايداً باعتبار أن المعركة بين النظام والثوار، بينما استطاع النظام حشد بعض ميليشياته الدرزية للقتال إلى جانبه».
مسببات الرفض
وعن أسباب رفض التجنيد وتأثير مواقف الشخصيات السياسية اللبنانية في الانخراط أو عدمه بقوات ما يسمى «الدفاع الوطني» التي يشكلها النظام السوري، يشير أبو الخير إلى عدم وجود «ميليشيا درزية تقاتل مع النظام في مختلف المناطق السورية بشكل فعلي، هناك ميليشيات تابعة له لكنها ضمن مدينة السويداء وهي للمساعدة في بسط نفوذه في المدينة ليس أكثر. وحتى عندما بدأ الهجوم للسيطرة على المدينة وقفت هذه الميليشيات على الحياد ولم تتحرك وبقيت صامتة حتى اللحظة. كما لا وجود لميليشيات درزية مسلحة تابعة لأي جهة لبنانية كما يُروَّج. هناك فقط (رجال الكرامة) وهم مَن كان يقودهم الشيخ الشهيد وحيد البلعوس، والآن يتم اختيار قيادة جديدة لهم. وتوجد جهات تابعة للنظام وهم (القوميون السوريون – كتائب البعث – اللجان الشعبية)، وجميعهم لا يحاربون خارج مدينة السويداء، وإنما نشاطهم ضمن المدينة».
ويضيف: «أما عن سبب رفض الدروز للخدمة في جيش النظام فمردّه إلى مجموعة من العوامل أهمها أن حربهم ضد أبناء وطنهم خاسرة سلفاً، وقد توج هذه الفكرة قرار بعض القيادات الدينية بعدم السماح بالقتال خارج حدود المحافظة وأن القتال هو فقط لحمايتها من أي خطر».
من جهته، أرجع حمزة رفض الشباب في المحافظة للتجنيد الإجباري إلى كونه «نتيجة منطقية للمعاناة التي عاناها المجنّدون السابقون في جيش النظام ومشاهد قوافل التوابيت المستمرة في كل قرى الجبل، وهذا كان كافياً لردع الشباب عن الالتحاق بجيش الأسد، وكان له الدور المؤثر في التفكير بأن لا مستقبل لهذا النظام ولا للمدافعين عنه. ويقدر عدد المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياط بنحو 27 ألف شاب».
ويضيف: «أما الميليشيات التي تتبع إلى النظام فكثيرة، إذ هناك جماعة الشيخ نزيه جربوع و(حزب الله) و(القومي السوري) وكتائب البعث وغيرها، وهناك مجموعات الحماية الذاتية المشكّلة في غالبية قرى الجبل ولا سيما الحدودية حيث لها تشكيلها وعتادها الخاص. وتأثير شخصيات لبنانية مثل النائب وليد جنبلاط قليل بالمقارنة مع وئام وهاب الداعم للنظام، ولا تأثير لطلال أرسلان في الجبل رغم ادعاءات النظام».
أما زين الدين فيلفت إلى أن «الميليشيات الدرزية التابعة للنظام تعمل تحت مسميات عدة، مثل (الدفاع الوطني) و(درع الوطن) و(اللجان الشعبية) و(كتائب البعث) والقوميين، حيث تنحصر مهمات هذه الميليشيات داخل المحافظة، علماً أن النظام حاول استخدامها في مناطق خارج السويداء. وشهدنا حوادث قليلة جداً خرج فيها مقاتلون باتجاه درعا وفي الغالب لم يعد أحد منهم»، موضحاً أن «النظام يقوم باستغلال حاجة الشباب المادية وفتح باب التطويع في تلك الميليشيات مقابل أجور شهرية، وهناك بالطبع مَن يدينون بالولاء للنظام ولديهم الاستعداد العقائدي للقتال إلى جانبه، كما أنّ هناك مشايخ وشخصيات درزية نافذة في المحافظة تتبع للنظام وتخدم أغراضه في تجنيد المزيد من الشباب. بالإضافة إلى دور وئام وهاب الذي زار السويداء أكثر من مرة وحاول تشكيل ميليشيات تخصّه إلا أنه لم يلقََ ترحيباً من الناس».
هل تذهب الامور الى الثورة؟
وعما إذا كان الاتجاه اليوم نحو الثورة مع ثوار درعا والجبهة الجنوبية لفتح طريق دمشق، يقول أبو الخير: «الأمور متوقفة الآن على مجموعة (مشايخ الكرامة) التي كان يتزعمها الشيخ الشهيد وحيد البلعوس، وعلى أساس المعطيات التي سيتم طرحها في البيان ستكون وجهة المحافظة في المرحلة المقبلة، ولذلك لا يمكن التنبؤ إلى أين ستذهب الأمور وفي أي اتجاه ستسير، لكن ما هو مؤكد أن النظام لن يعود إلى المحافظة».
وفي رأي حمزة أن «الأمور في المحافظة ستذهب في الأيام المقبلة إلى التصعيد مع النظام»، معرباً عن اعتقاده «أن من المبكر الحديث عن التعاون مع ثوار درعا والمنطقة الجنوبية لفتح طريق دمشق، وهناك صعوبة في التكهن بمجريات الأمور المستقبلية».
كذلك يعتبر زين الدين أن «الحديث عن تعاون مع ثوار درعا أمر مستبعد حالياً وهو رهن السيناريو الذي ستذهب إليه المنطقة عموماً، أما في الوقت الحالي فاهتمام أهالي السويداء ينصبّ على حماية أنفسهم والبقاء على الحياد وتأمين مناطقهم من أي نزاع. وبالنسبة لطريق السويداء – دمشق فهو يُعتبر الرئة الوحيدة للمحافظة وفي حال قُطع ستنقطع عنها سبل الحياة، والطريق حالياً تحت سيطرة النظام بالكامل، بالتالي يمكن فهم مسألة عدم القدرة على فك الارتباط بالنظام بشكل مطلق، بينما السيناريو الأقرب هو إنهاء سيطرة النظام الأمنية في المحافظة بشكل توافقي».
«النصرة» في قفص اتهام النظام
وفي قراءة محاولات النظام التبرؤ من جريمة اغتيال البلعوس واتهام (النصرة) بالتفجير، يشير أبو الخير إلى أن «مع أي تفجير يحدث يتم اتهام جهات متطرفة به، ولعل (جبهة النصرة) و(داعش) هما أكثر مَن يتهمهما النظام، مع أن أسلوب الاعترفات التي قدمها (وافد أبو ترابي) أطلق موجة سخرية كبيرة على وسائل الإعلام من المؤيدين والمعارضين كونها كانت اعترافات تحتوي كوميديا عالية، حيث ظهر وافد انه مَن قام بتفجيرين وهجم على كل مراكز المدينة وخطط ونفذ بأسلوب شبّهه احدهم بفيلم رامبو الأميركي».
أما حمزة، فيؤكد أن «لنظام الأسد تاريخاً حافلاً بعمليات الاغتيال، وقد عاش لبنان الجار تجربة مريرة بدءاً من اغتيال الشهيد كمال جنبلاط مروراً بعمليات التصفية خلال الحرب الأهلية وحتى اغتيال الشهيد رفيق الحريري والعديد من شخصيات 14 مارس المناهضة للأسد، وكلنا يتذكّر مسرحية (أبو عدس) التي كرّرها الأسد في السويداء عندما اعتقل أحد الدروز الذين كانوا منخرطين في الجيش الحر وقدّمه في الإعلام على أنه عضو بــ(جبهة النصرة)، علماً أنّ ذلك المقاتل كان مع دروز آخرين في درعا وتم طردهم قبل عامين من قبل جبهة النصرة».
ويضيف: «من الطبيعي أن يسعى النظام لتبرئة نفسه من الجريمة، ولكن تحطيم تمثال حافظ الأسد فور وقوع التفجيريْن يشير إلى معرفة أهل السويداء لغريمهم، والرواية التي قدّمها النظام على الإعلام هدفت إلى تبرئة نفسه من جهة وتشويه سمعة رجال الكرامة من جهةٍ أخرى، عبر إشاعة أنهم مجنّدون لخدمة جهات خارجية، مع العلم أن الغالبية في السويداء لا تصدّق هذه الرواية، مع وجود أقلية إما مأجورة أو مضللة تصدقها».
من جهته، يؤكد زين الدين أن «النظام لم يقنع الكثيرين بالتمثيلية الساذجة التي نسجها حول عملية اغتيال الشيخ البلعوس، فتفاصيل عملية التفجير الأول في ظهر الجبل والتفجير الثاني أمام المشفى الوطني ومواد التفجير المستخدَمة فيهما والتخطيط والتوقيت والتنفيذ قد توازي عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن الصعب على فرد أو مجموعة القيام بذلك. وكل المؤشرات تدل على تورط النظام وأجهزته الأمنية. وما المتهَم المجرم وافد أبو ترابي إلا عنصر من أجهزة الأمن وحضر إلى الجبل بأمر منهم ليكون عامل فتنة بين أبنائه. وهناك سؤال يُطرح حول معنى تواجد تلفزيون الإخبارية السورية لحظة وقوع الانفجار أمام المشفى الوطني وتغطيته المباشرة فوراً؟ كما ان اتهام (النصرة) بالتفجير ما هو إلا لتشتيت الأوراق».
الواقع والمستقبل
وحول واقع الطائفة الدرزية وجبل العرب وكيفية تعاطي النظام مع الأقلية الدرزية، يلفت أبو الخير إلى أنه «منذ تولى حافظ الأسد السلطة سُحبت كل الصلاحيات من مدينة السويداء، فلا مصانع ولا معامل ولا شركات تساعد في تأمين فرص عمل لليد العاملة، واقتصر الأمر على وظائف حكومية تحتاج إلى وسائط ومحسوبيات وهو ما ساعد في هجرة الكثير من الشبان إلى الخارج من أجل تأمين فرص عمل حتى على مستوى السلطة لا نفوذ لأبناء المدينة وحتى على مستوى الجيش، واحد منهم يصل إلى رتبة لواء ويكون مهمشاً سلفاً. أما على مستوى الوزارة والحكومة فقد حُرم الدروز حقهم في وزير لهم في الأعوام الأخيرة وتم تعيين وزير بلا حقيبة كنوع من الترضية».
ويضيف: «فُرض على الدروز تهميش كبير، وكان واضحاً حتى على مستوى الإعلام تهميش المدينة، وكان مقصوداً أن يتم وضعها في خانة النسيان. أما عن المخطط الذي يرسمه النظام للسويداء فهو أصعب من أن يُقرأ، لكن الانتقام هو لغته بشكل محسوم وخصوصاً بعدما سقطت هيبته ضمن المدينة وتم نزع آخر صنم له. والجواب عما يمكن أن يخطط له سيبقى مفتوحاً وتحدده تطورات المرحلة المقبلة».
بدوره يجد حمزة أن الدروز لم يكونوا «قديماً أو حديثاً يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم أقليات، إلا أن النظام دأب منذ أكثر من أربعين عاماً على زرع هذا الشعور من خلال التضييق عليهم بالوظائف العامة والوزارات والقيادات العسكرية»، ويضيف: «إرث المحافظة كبير وغني بالعناوين الوطنية. ومجرّد ذكر اسم سلطان باشا الأطرش في كل أنحاء سورية ومقولته الخالدة (الدين لله والوطن للجميع) كان كافياً لتثبيت هذا الإرث وأصحابه، فأهل المحافظة حالياً محرومون كباقي الشعب السوري من الكثير من مقومات الحياة، وستبقى المحافظة تعتز باستمرار بوطنها الأم سورية. وإن أهلها يرفضون كل مشاريع التقسيم التي يمهّد لها النظام، وهي تنشد قيام دولة المواطَنة والحق والقانون والسيادة الوطنية. والسويداء كانت وما زالت جزءاً من نضال الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة».
إما زين الدين فيشير إلى أن «حافظ الأسد اتبع سياسة تقوم على تهميش الدروز وطمس تاريخهم إلى درجة منعهم من الاحتفال بالذكرى السنوية لوفاة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى، كما تعمّد النظام إفقار الدروز حيث عانت المحافظة من إهمال شديد على مستوى الخدمات والاستثمار والمشاريع والزراعة، من أجل دفع الناس للهجرة، وهو ما تمّ بالفعل حيث تشهد المحافظة منذ عقود حركة هجرة كبيرة جداً إلى دول أميركا اللاتينية وأوربا بالإضافة إلى أعداد هائلة من المغتربين في الخليج. وإضافة إلى ذلك، عمل النظام منذ السبعينات على تغييب أي شخصية درزية بارزة عبر التصفية أو النفي. والمطلع على التاريخ السوري حتى قبل استيلاء الأسد الأب على السلطة يدرك حجم الدور والأهمية اللذين لعبهما الدروز في تلك المراحل».
ويؤكد أن« نظام الأسد يلعب ورقة الأقليات لخدمة مصالحه حيث يروّج عالمياً أنه حامي الأقليات ويحاول جاهداً دفعهم للانخراط في العملية الانتحارية التي دفع الطائفة العلوية إليها عبر جرّهم إلى صراع دموي مع الأكثرية السنية الثائرة، ويمكن القول إن النظام فشل في استغلال ورقة الدروز او على الأقل لم ينجح في جعلهم وقوداً لحربه. أما الأحداث الأخيرة فيمكن الجزم بأنها قطعت أي أمل للنظام في كسب ولاء الدروز بعدما اهتزت الثقة والعلاقة إلى ما دون رجعة».
طعمة: إدارة الأهالي ستفتح التعاون
ما هو رأي المعارضة السورية في كل ما حصل من تطورات في منطقة جبل العرب أخيراً؟
«الراي» سألت عضو القيادة العامة في الجبهة الجنوبية عضو المكتب الاعلامي في ألوية «سيف الشام» رائد طعمة عن هذا الموضوع، فاعتبر ان «اغتيال الشيخ البلعوس كان محاولة من النظام لترويض الطائفة الدرزية بطريقة تؤكد على إجرام هذا النظام واستخدام أساليب التنظيمات الإرهابية في تصفية معارضيه، كما أنه سعى إلى جعل الطائفة (الموحدون الدروز) تنقسم فيما بينها، إذ إن هذا التفجير جرى حتماً بالتعاون مع مؤيدي النظام من الطائفة»، لافتاً إلى «ان ما أظهره النظام على الإعلام من اعترافات – مستهيناً بعقول المتابعين – ما هو إلا محاولة لإقناع مؤيديه وحجة لهم، وهو الأمر الذي يصبّ في خانة انقسام الطائفة داخلياً بما يخدم النظام حتماً وفق مبدأ (فرّق تسد).
ورأى أن «النظام سيعتمد كثيراً على أبناء الطائفة في جيشه مستقبلاً، ولن يلتحق غالبية المطلوبين للخدمة الإلزامية، ولكن هذا الأمر لن يمنع أولئك الشباب من الالتحاق بميليشيا (الدفاع الوطني) أو تشكيل ميليشيات خاصة بهم في كل قرية أو في المحافظة بشكل عام تكون تحت قيادة شيوخ عقل الطائفة لتحمي المحافظة داخلياً بعد خلوها من عناصر الأمن وكذلك لتمنع الخطر الخارجي وأهمه تنظيم (داعش)، وقال: «هذه الميليشيات ستظل على الحياد في موقفها من الثورة، فالطائفة الدرزية عموماً لم تعترف بالثورة من بدايتها ولن تعدّ ما تقوم به من نشاط أو تظاهرات جزءاً من ثورة الشعب السوري».
واكد أن «المعارضة السورية وخصوصاً الجبهة الجنوبية لا تمانع التعاون والتنسيق مع أبناء الطائفة في ما يخدم حماية سورية وتحريرها من المحتلّ الإيراني وإسقاط نظام الأسد وكذلك حماية المدنيين من جميع الطوائف»، معتبراً أن «انتفاضة السويداء ستُضعِف سياسياً النظام الذي كان يقدم نفسه على أنه حامي الأقليات وممثلاً عن الشعب السوري، وستؤكد على موقف المعارضة بإسقاط هذا النظام، وكذلك فإن أي تمثيل للطائفة في صفوف المعارضة السياسية سيكون خطوة جيدة في طريق الثورة. ومن ناحية أخرى فإن خروج المحافظة عن سيطرة النظام يخفف عبئاً كبيراً كان يقع على عاتق الثورة لجهة ضرورة تحرير المحافظة من قوات النظام. وهنا أؤكد أن المحافظة لم تكن ولن تكون هدفاً عسكرياً للثوار، ولكن إدارة المحافظة من أبناء المنطقة سيفتح الباب لتعاون عسكري وأمني بين الثوار وأبناء المحافظة التي ستكون باللون الأخضر على خرائط الثوار، وستعزل جيش النظام وميليشياته وتُفقِده الحاضنة الشعبية».
“الرأي“