ما حدث في سجن الحائر بالرياض من قيام بعض أفراد السجن العسكريين بالاعتداء على بعض السجناء بالضرب كما جاء في المشهد الذي تم تصويره عبر جهاز الجوال وتسريبه إلى خارج أسوار السجن وعرض مقاطع منه على بعض الشاشات الفضائية، ثم قيام الجهات المسؤولة في إدارة السجون السعودية بفتح تحقيق في القضية ومحاسبة القائمين، إلا دليل صريح على وقوع الأخطاء والتجاوزات في السجون السعودية.
إن السجون السعودية التابعة لإدارة السجون بوزارة الداخلية كباقي الإدارات والقطاعات الحكومية غير مستثناة من الأخطاء والتجاوزات، وحتما هي ليس فوق النقد، حيث إنها تدار من قبل أفراد يعملون في ظل أنظمة بيروقراطية خانقة تحدث من خلالها الكثير من التجاوزات الفردية.
والملاحظات والتجاوزات داخل السجون السعودية لا تحتاج إلى بذل جهد لمعرفتها بعدما كشفت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية في تقريرها المنشور في الصحف المحلية في نهاية عام 2004م بعض عنها، بان بعض السجون تضم ضعف طاقتها الاستيعابية من السجناء، وأن قلة عدد العاملين في هذه السجون يعد السبب الرئيس في تأخير إنجاز معاملات المساجين، إضافة إلى وجود تجاوزات تتم في حق السجينات أثناء تطبيق عقوبة الجلد، وان السجون تعاني من قلة عدد الأطباء والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين ونقص الأدوية، ووجود سجناء في السجن بدون محاكمة لمدة سنوات، بالإضافة إلى سجناء وسجينات يرفضون الخروج من السجن.
إن السجون بحاجة إلى غربلة لأن اغلبها أنشأ قبل عقود من الزمن والبعض منها يفتقد للصيانة مما يؤدي إلى وقوع مخاطر على السلامة كما حدث في سجن حفر الباطن العام عندما سقطت البوابة الخارجية للسجن (طولها 5 أمتار ووزنها نحو طن) على اثنين من منسوبي السجن بسبب هبوب رياح قوية على المحافظة وتم نقل المصابين إلى مستشفى الملك خالد العام لإسعافهما! كما جاء في جريدة اليوم. وكذلك الحريق الشهير الذي وقع في سجن الحائر منتصف شهر سبتمبر عام2003م، وسقط فيه العشرات من القتلى والمصابين، بالإضافة إلى حالات الهروب كالتي وقعت في سجن الملز بالرياض عام 2006م حيث هرب 7 من السجناء. وحالات الانتحار لبعض السجناء كما حدث في سجن الدمام عندما انتحر سجين سعودي يبلغ من العمر 19 عاما محكوم عليه بقضية مخدرات وذلك في عام 2006م.
يضاف الى ذلك أن أفراد السجون هم بشر وبينهم الصالح والطالح… وقد نجحت بعض الإدارات في إفشال عمليات الرشاوي أو إدخال بعض الممنوعات إلى بعض السجناء أصحاب النفوذ…. حيث يتعرض بعض أفراد السجون العسكريين للأغراء المادي الكبير…. من قبل السجناء “الهوامير” الذين يدفعون الأموال الطائلة لأجل توفير بعض الخدمات وتوصيل بعض ما هو ممنوع إلى داخل السجن.مستغلين حاجة بعض منسوبي السجون العسكريين نتيجة أوضاعهم المعيشية الصعبة (كأغلب أفراد القطاع العسكري والحكومي) وأكثرهم يعانون من أزمات مادية ويعيشون في منازل بالإيجار.
ومن الملاحظات على السجون التي شهدت في الفترة الأخيرة بعض التطور في ظل سعي إدارة السجون لتحويل السجن “من إصلاح وتهذيب إلى تدريب وفرص عمل” أنها لازالت بحاجة لتتحول إلى إدارة مدنية إنسانية إصلاحية عبر إيجاد الأساليب والبرامج الناجعة التي تعتمد على التأهيل و الإنتاجية والاستفادة منهم.. ومباني السجون النموذجية والتقليل من عدد السجناء والصرف المالي.
إلى متى الحكومة تصرف الملايين وتقدم الرواتب الشهرية للمحكومين الذين يقضون فترة المحكومية بين النوم والأكل واستلام راتب نهاية الشهر من تتعدد جرائمهم… حيث تحولت السجون لدى بعض السجناء إلى مضياف للكرم يصعب العيش خارج أسواره؟
إن مطالبة وزارة الداخلية عبر كبار المسؤولين في إدارة السجون بالتحقيق في التجاوزات الأخيرة…تحتاج إلى ضرورة مراجعة واقع السجون في السعودية بما يساهم في تطورها.
أخيرا… السجون السعودية ليست فوق النقد ولا تختلف عن حقيقة السجون في عالمنا العربي وبعض دول العالم… بل هناك قلق جدي يتسرب لدى بعض المراقبين والمتابعين أن تتحول السجون إلى ما يشبه مملكة خاصة يتحكم بها البعض… يرتكب خلف أسوارها العالية أخطاء لا تتعلق فقط بالسجناء بل تمتد إلى صغار الأفراد العسكريين…. (وهذا ما يذكرنا بما حدث في احد الأفلام التي قام ببطولتها “سبع الليل” الممثل العربي الراحل احمد زكي “فيلم البرئ”).
ali_slman2@yahoo.com