إعلان جريدة “أويا” الليبية، التي يملكها “سيف الإسلام” القذّافي عن “إنتحار” إبن الشيخ الليبي في سجن “أبو سليم” كان أوّل اعتراف ليبي رسمي بوجود “إبن الشيخ” في ليبيا. ومبادرة “سيف الإسلام” بالذات لكشف الموضوع تلفت الإنتباه، وقد تكون إشارة إلى ارتباط “إنتحار” إبن الشيخ الليبي (أو تصفيته) بصراعات الأشقاء الألداء داخل عائلة القذافي نفسها، وبالصراعات الدائرة حول ليبيا.
وكانت صحيفة “أويا” الليبية قد ذكرت في عددها الصادر الأحد أن ابن الشيخ الليبي، واسمه الحقيقي “علي محمد عبدالعزيز الفاخري”، انتحر في زنزانته في سجنه بليبيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن أسرة الليبي كانت تزوره بانتظام، وزارته آخر مرة في شهر مارس/آذار الماضي.
وتحت عنوان “انتحار ابن الشيخ” كتبت: “علمت (أويا) أن ‘علي محمد عبدالعزيز الفاخري’ المعروف بابن الشيخ الليبي وُجد منتحراً بغرفته في السجن .. وهو من مواليد 1963 بإجدابيا.”
وأضافت: “ويستفاد من المعلومات أنه غادر الجماهيرية في 1986 إلى المغرب، ومنها إلى موريتانيا، ثم تنقل في عدة دول إفريقية قبل أن يتوجه إلى السعودية حيث تم تجنيده، ومنها إلى أفغانستان في 1990 حيث التحق بمعسكر (خلدن) شرق أفغانستان الذي أسسه الفلسطيني عبداللّّه عزام في بداية النصف الثاني من عقد الثمانينيات في القرن الماضي لتدريب المتشدِّدين العرب الذين اشتركوا بعد عودتهم إلى بلدانهم عقب انهيار حكومة طالبان في عمليات قتل وتفجير وتخريب أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا في مصر والجزائر وليبيا والمغرب وتونس.”
وتابعت: “وكان ابن الشيخ في فترة لاحقة مسؤولاً عن معسكر خلدن، وتولى بالتدريب والدعم المادي تغذية الجماعات الإرهابية المتطرفة في الوطن العربي بالإرهابيين الذين لم يكونوا مدججين فقط بالأسلحة ولكن بفتاوى التكفير الجماعي والقتل دون تمييز.”
وأشارت قائلة: “وقد تم ضبطه من قبل قوات التحالف في الحرث/ نوفمبر 2001 أثناء محاولته عبور الحدود الباكستانية، وتم ترحيله إلى الجماهيرية في 2006 حيث أُحيل على القضاء الذي أصدر ضده حكماً بالسجن المؤبد.”
وختمت: “ومباشرةً عقب وجوده منتحراً؛ انتقلت النيابة العامة والطبيب الشرعي إلى السجن لمباشرة التحقيق.”
هل انتحر “إبن الشيخ الليبي” فعلاً؟
مدير المرصد الإسلامي في لندن، ياسر السرّي، يقول: “نستبعد فرضية الإنتحار، أولاً، لأن “إبن الشيخ الليبي” كان معروفاً بأنه حافظ لكتاب الله والقرآن، ويعرف جيداً أن الإنتحار لا يجوز شرعاً. وثانياً، لأنه يستحيل أن يقدم شخص مثله على الإنتحار في ليبيا، حيث كان يتمتع بظروف أفضل من ظروف سجنه في البلدان الأخرى التي سُجِنَ فيها (أفغانستان، ومصر، والمغرب، والأردن)، وحيث سُمِحَ له بالإجتماع بأسرته الليبية، وحتى بالإلتقاء بالعديد من الإسلاميين الآخرين، حيث أن سجن “أبو سليم” يضمّ 1200 سجيناً من الإسلاميين. في أي حال، نحن نطالب السلطات الليبية بإعلان الإثباتات حول إنتحاره المزعوم. وأخيراً، حيث سُمِحَ له بالإلتقاء بمنظمة هيومان رايتس ووتش قبل أيام من مصرعه”.
ويلفت السرّي إلى تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” (المنشور في “الشفّاف”). وجاء في التقرير: “قابلت هيومن رايتس ووتش الليبي لمدة قصيرة في 27 أبريل/نيسان أثناء مهمة بحثية في ليبيا. ورفض إجراء المقابلة، ولم يزد في القول عن: “أين كنتم حين تعرضت للتعذيب في السجون الأميركية”. وأضاف التقرير: “قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تعني وفاة ابن الشيخ الليبي أن العالم لن يسمع بروايته الخاصة بالتعذيب القاسي الذي تعرّض له”. وتابعت قائلة: “لذا فالأمر متروك الآن لليبيا والولايات المتحدة، أن يكشفا عن قصة ما حدث معه بالكامل، بما في ذلك الآثار التي لحقت بصحته النفسية”. وخلص التقرير إلى أن “على السلطات الليبية أن تُجري تحقيقاً شاملاً ونزيهاً في انتحار السجين الليبي”.
ويعلّق ياسر السرّي بأنه “يبدو أن إبن الشيخ الليبي كان في حالة عصبية لأنه تعرّض لضغوط من سلطات السجناء للإجتماع مع منظمة هيومان رايتس ووتش”!
“سجناء أشباح”
وحول سيرة “إبن الشيخ الليبي”، وخصوصاً المرحلة في ما بين إعتقاله في باكستان في 2001 وتسليمه إلى ليبيا في 2006، وقد أغفل تقرير جريدة “أويا” هذه المرحلة كلياً، يقول “السرّي”:
“كان “إبن الشيخ الليبي” مسؤول معسكر “خلدن”، وكان نائبه فيه هو “أبو زبيدة”. والإثنان لم يكونا أعضاء في “القاعدة”، كما زعمت المخابرات الأميركية في البداية، قبل أن تتراجع عن مزاعمها. وقد اعتقل في نوفمبر 2001 في “كوهات” أثناء عبوره أراضي باكستان. وعومِلَ معاملة “السجناء الأشباح”. وهذه الصفة تُطلق على سجناء “السي آي أي”. فحتى في “غوانتنامو”، فإن المعتقلين لهم أسماء وأرقام. أما “السجناء الأشباح”، فليس هنالك إعتراف رسمي بوجودهم.
“وقد أودع “إبن الشيخ الليبي” في قاعدة قندهار، ثم في “سجن الظلام” في مطار كابول لعدة أشهر، ثم نُقِل إلى سجن “بنشير” في شمال أفغانستان (منطقة الجنرال “فهيم”). بعدها أعيد إلى سجن مطار كابول. وفي العام 2002، تم نقله، وهو داخل تابوت، في رحلة استغرقت 17 ساعة إلى مصر. وفور وصوله إلى القاهرة، تعرّض للضرب لمدة 4 ساعات. وبعدها أخضع للتعذيب”.
يضيف السرّي:
“خلال تعذيبه بمصر، اعترف أنه عضو في “القاعدة” (وهذا غير صحيح)، وأنه التقى بممثلين لنظام صدام حسين، وأكّد أنه كان لدى صدام حسين أسلحة دمار شامل. وكانت إعترافات “إبن الشيخ الليبي” هذه هي الأساس الذي بنيت عليه الإتهامات الأميركية لنظام صدام حسين. وقد اعتذر وزير خارجية أميركا في حينه، كولين باويل، بعد انتهاء مدّته عن استخدامه لتلك الإعترافات التي ثبت خطأها.”
إعترافاته كانت محورية لتبرير غزو العراق
وينسجم كلام “السرّي” مع تعليق ستاسي سوليفان، مستشارة مكافحة الإرهاب في منظمة حقوق الإنسان، بأن مزاعم ابن الشيخ الليبي حول قيام عملاء عراقيين بتدريب عناصر قيادية في تنظيم القاعدة على استخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية كانت “ركناً محورياً” بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، في تبرير غزو العراق عام 2003.
وأضافت إن ابن الشيخ “كان عنصراً مهماً في عالم مكافحة الإرهاب، وشهادته وفرت مبرراً لغزو العراق.”
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولن باول، قد استغل مزاعم ابن الشيخ الليبي في كلمته الدراماتيكية في مجلس الأمن الدولي قبل أسابيع قليلة من غزو العراق، وذلك كدليل على الروابط بين نظام الزعيم العراقي الراحل، صدام حسين، وتنظيم القاعدة الإرهابي المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، التي استهدفت نيويورك وواشنطن.
غير أن ابن الشيخ الليبي عاد بعد الغزو وسحب أقواله، فيما لم يتم العثور على أي دليل يدعمها، كما أفادت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2006.”
ونعود إلى ياسر السرّي الذي يقول:
“بعد مصر، أعيد “إبن الشيخ الليبي” إلى كابول في 2003، ثم نُقِل إلى الأردن لعدة أشهر، ثم إلى المغرب حيث قضى بضعة أشهر. وأخيراً، تم تسليمه إلى ليبيا في مطلع العام 2006″.
لم يكن مطلوباً في ليبيا
يضيف ياسر السرّي: “لم تُعلِن ليبيا رسمياً عن تسليمه، ولكن الخبر تسرّب عن طريق “الجماعة الإسلامية المقاتلة”. وكان “إبن الشيخ الليبي” عند وصوله إلى ليبيا مصاباً بالتهاب الكبد الوبائي وبالسلّ، فأودع في سجن إنفرادي. وبعد تحسّن صحّته، أودع مع بقية المعتقلين في سجن “أبو سليم” حيث يوجد 1200 معتقل إسلامي. وظلّ فيه إلى أن دُفِنَ في “أجدابيا”، بشمال شرق ليبيا، يوم الإثنين. وكانت السلطات قد اتصلت بشقيقه في ليلة الأحد-الإثنين وأبلغته بوفاته”.
ويسجل ياسر السرّي نقطة مهمة: “إبن الشيخ الليبي لم يكن له علاقة بأي عمل عسكري في ليبيا، ولم يكن مطلوباً من السلطات الليبية. وقد حُكِم عليه بالسجن المؤبد بالصلة مع “معسكر خلدن” في أفغانستان، وليس بالصلة بعمليات ضد ليبيا. ثم إنه لم يكن أهم معتقل إسلامي في سجن “أبو سليم”. فهذا السجن يضم زعيم “الجماعة الإسلامية المقاتلة” ونائبه. أي أن سلطات ليبيا لم تكن تملك أسباباً للحقد عليه بصورة خاصة”.
هل تمّت تصفية “إبن الشيخ الليبي”، ولماذا؟
يقول ياسر السرّي: “بعد أن فتحت إدارة أوباما ملفّ التعذيب الذي تعرّض له المتّهمون بالإرهاب، تبيّن أن التحقيقات يمكن أن تصل إلى “إبن الشيخ الليبي” الذي كان ما يزال على قيد الحياة. وهذا يعني أن إدارة أوباما كان يمكنها أن تستخدم شهادته المزوّرة (حول أسلحة الدمار الشامل في العراق) ضد بعض مسؤولي أجهزة المخابرات الأميركية نفسها وضد مسؤولين سابقين في إدارة بوش، مثل ديك تشيني. أي ضد الحزب الجمهوري.
“ثم أن فتح ملف إبن الشيخ كان سيورّط النظام المصري لأن المخابرات المصرية هي التي قامت بتعذيبه، وهي التي انتزعت منه الإعترافات الكاذبة التي استخدمت لتبرير حرب العراق”.
مصر تفضّل “المعتصم” على “سيف الإسلام”
ويلفت الأصولي المصري “ياسر السرّي” في حديثه مع “الشفّاف” إلى تشابك ملف “إبن الليبي” مع ملف الصراع بين إبني القذافي “المعتصم بالله” و”سيف الإسلام”، وهو يقول:
“تفضّل مصر دعم شقيق سيف الإسلام الأصغر، المعتصم القذافي، والذي يتولى منصب مستشار رئيس الأمن القومي في بلاده، وتعتقد بأنه الرجل المناسب لقيادة ليبيا بعد والده. وتعود علاقات المعتصم بمصر إلى عام 2001، عندما توسط الرئيس حسني مبارك لدى القذافي من أجل إرجاع ابنه المعتصم بعد خلاف شب مع والده، حول إدارته لكتيبة عسكرية ورفضه الامتثال لأوامره، فلجأ وقتئذ إلى القاهرة.”
للتحقق من هذه النقطة، وحسب جريدة “الجمهورية” المصرية في 16 مايو 2002، فقد منح الرئيس حسني مبارك القائد الأعلي للقوات المسلحة رتبة العقيد أركان حرب للمقدم طبيب معتصم معمر القذافي” (أنظر الصورة).
وحسب معلومات “السرّي”، فق زار مدير المخابرات المصرية، عمر سليمان، الولايات المتحدة مؤخراً وأبلغ واشنطن رسالة واضحة، مفادها أن الحراك الذي يقوم به نجل العقيد القذافي سيف الإسلام في ليبيا وخارجها، سوف لن يكون في مصلحة الإدارة الأمريكية في المنطقة، وقد يضر بالمصالح المشتركة لدى عدد من دول الجوار وعلى رأسها القاهرة”.
“وطلبت مصر من الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مباشر، استثمار العلاقات المتميزة التي تشهدها حاليا مع طرابلس، من أجل الضغط على نظام العقيد القذافي ليكبح من جماح ابنه “سيف الإسلام” ولإبعاده عن دوائر القرار، وتوجيه النصح للنظام الليبي بأنه من الأفضل له بأن يبعد سيف الإسلام عن أي دور في الشأن السياسي العام، ويعمل على تحجيم تحركاته”.
وأخيراً، يكشف “السري” أنه:
“قبل ثلاثة أسابيع، زار عمر سليمان ليبيا لمدة 4 ساعات التقى خلالها المعتصم بالله القذافي”!
أسباب الإنزعاج المصري (والجزائري) من “سيف الإسلام القذافي”
“تعود التحفظات المصرية إلى أربعة أسباب: تتعلق الأولى بتحركات رئيس “مؤسسة القذافي للتنمية”، وانتقاداته المستمرة لأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في بلاده، وفي عدد من دول الجوار. وثانياً، إلى موقف سيف الإسلام الرافض لمبدأ التوريث في بلاده وخارجه.
أما السبب الثالث فيرتبط بالحوار الذي يقوده سيف الإسلام مع الجماعات الإسلامية، وآخرها الحوار مع “الجماعة الليبية المقاتلة”، وإلى علاقته بالإسلاميين عموما، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وعدد من الأقطار العربية خصوصاً. أما السبب الرابع فيعود لانزعاج مصر من مواقف نجل القذافي المؤيدة لحماس وحزب الله في كل من غزة ولبنان. أي أن سيف الإسلام يسبح عكس التيار المصري. وله إمتدادات مع جهات إسلامية ومع “الإخوان. أي أنه يلعب دوراً شبيهاً بالدور القطري في السياسات العربية! وليس سرّا! أن السلطات الليبية أغلقت “الفضائية الليببية” التي أسّسها “سيف الإسلام” بضغط من مصر”!
وفي هذا الصدد، فإن الجزائر، كذلك، منزعجة من تدخلات “سيف الإسلام” في موضوع الرهائن الذي اختطفتهم جماعات اصولية جزائرية في الصحراء. فقد فاوض “سيف الإسلام” مع هذه الجماعات ودفع تعويضات لإطلاق سراح الرهائن الألمان. وهو يفاوض حالياً لإطلاق سراح رهينتين بريطانيتين.
إبن الشيخ الليبي، “انتَحَر” أم “انتُحِرَ؟
وهل تمّت تصفيته (إذا صحّت هذه الفرضية) لإقفال فصل من فصول ملفّ حرب العراق، وملفّ تعذيب السجناء الجهاديين (من “القاعدة” وغيرها)؟ أم تمّت تصفيته في إطار تقوية “المعتصم بالله” وتحالفاته المصرية وإضعاف “سيف الإسلام” وعلاقاته “المزعجة”؟ وهل هذه النقطة الأخيرة هي سبب “مبادرة” جريدة “أويا”، أي الجريدة التي يملكها “سيف الإسلام القذّافي”، إلى كشف خبر “إنتحار إبن الشيخ الليبي”؟
هل يجري تحقيق في موضوع “إنتحار إبن الشيخ الليبي”؟
في أي حال، فالتعذيب، والإغتيال، مخالفان لشرعة حقوق الإنسان، وللقوانين الدولية. والشرعة الدولية لا تميّز بين إرهابي وغير إرهابي، وبين إسلامي وغير إسلامي. ولهذا أطلقت عليها تسمية “شرعة حقوق الإنسان”!
الرجل الذي استند كولين باويل إلى إعترافاته “المصرية” لاتهام العراق: إبن الشيخ الليبي “انتَحَر” أم “انتُحِر”؟كم هو جدير بالإهتمام أن ننظر للموضوع من زاوية أخرى أراهاأصل وجذر ماحدث ولا يزال يحدث في ليبيا من تحولات وتغيرات تعد مرحلة فاصلة في تاريخ هذا البلد المظلوم … إن نتاج تفاصيل تغيرات هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ ليبياالتي بدأت أولى بشائرها سنة 1987م بإطلاق سراح السجنا السياسين أو مايعرف عند الليبين بـ ( اصبح الصبح ) كذلك عودة تجارة الأفراد لسابق عهدها وتراجع الدولة على احتكارها لتوزيع السلع وغيرها من التحولات الاقتصادية التي تشهد أخر نماذجها بافتتاح بورصة طرابلس للتعاملات المالية أي سوق… قراءة المزيد ..
الرجل الذي استند كولين باويل إلى إعترافاته “المصرية” لاتهام العراق: إبن الشيخ الليبي “انتَحَر” أم “انتُحِر”؟
http://www.youtube.com/watch?v=6DoB6nhKl-A&feature=related