جديد المحاكم الدولية والإقليمية ليس مذكرة توقيف الرئيس السوداني الذي يعتبر نفسه غير معني بأي قرار تُصدره المحكمة الجنائية الدولية، بل ويلّوح لها دائماً بعصاه في كل مناسبة يتحدث عنها. كما أنه ليس إصدار قاضي التحقيق السوري ثلاثة وثلاثين مذكرة توقيف غيابية بحق قضاة لبنانيين ودوليين وضباط وسياسيين وأمنيين وإعلاميين غالبيتهم العظمى من الجنسية اللبنانية بزعم تورطهم في فبركة شهادات زور أمام لجنة التحقيق الدولية المكلفة بالنظر بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وليس هو بالتأكيد القرار الاتهامي المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة المكلفة بجريمة مقتل الحريري. جديدها ليس هذا ولا ذاك بل هو جديد آخر مختلف عن سابقاته، لأن ماسبق كله (كوم)، وما صدر مع نهاية الأسبوع الفارط عن القضاء اللبناني بتحديده مهلة للرئيس القذافي لتسليم نفسه إليه فهو (كوم) آخر لوحده ومتميّز عن المذكرات السابقة، لأن مُراده توقيف ملك ملوك أفريقيا في لبنان…!
فقد حدّد رئيس المجلس العدلي القاضي غالب غانم تاريخ 4 مارس 2011 موعداً لجلسةٍ أولى لمحاكمة المتهمين السبعة، وفي مقدمتهم القذافي في قضية اختفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه. وجاء في مذكرة المجلس العتيد، طلبه من المتهم العقيد معمّر بن محمد أبومنيار القذافي وجوب تسليم نفسه الى المجلس العدلي في مقره في قصر العدل في بيروت في مهلة أقصاها 24 ساعة قبل بدء المحاكمة وبعد تبلّغه هذا القرار، وفي حال تمنّع المتهم عن تسليم نفسه ضمن المهلة المقررة، يصار الى محاكمته غيابياً واعتباره فارّاً من وجه العدالة وتقرير إنفاذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة بحقه.
بالمناسبة، إن رئيس المجلس العدلي تنتهي مهماته مع نهاية الشهر الجاري مع إحالته على التقاعد لبلوغه السن القانونية، ومعنى ذلك شغور منصبه بانتظار تعيين خلف له من قبل مجلس الوزراء، والذي إن لم يتم فسوف يتعطل عمل المجلس وكذلك أعمال مجلس القضاء الأعلى والهيئة العامة لمحكمة التمييز. وعليه، فإن كان شغور المنصب مضموناً ومؤكداً فيما هو متوقع، فإن تعطّل عمل المجلس أشد ضماناً وتأكيداً، لأن التعيين لن يتم في المدى المنظور، ولاسيما أن مجلس الوزراء في حالة تعطّل مستمر، وبضع مئات من الملفات والقضايا على جدول أعماله تنتظر أقدارها في حالة الشلل التي يواجهها لبنان. وعليه، فإن المطلوبين السبعة وفي مقدمتهم الأخ العقيد سيبقون على مايبدو في حلّ من أمرهم، وأيديهم وأرجلهم في ماء بارد وفي بطنوهم بطيخة صيفي كما يقال. لأنه إذا كان الرئيس البشير الذي يهزّ عصاه بلا مبالاة في كل مناسبة، لم ولن يهزّه طلب المحكمة الجنائية الدولية بحالها، فماذا ينتظر المجلس العدلي اللبناني العتيد من الأخ العقيد معمّر بن محمد القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى وملك ملوك أفريقيا…؟
زعم الكثيرون بعدم حيادية المحكمة الجنائية الدولية وفقدان نزاهتها واستقلاليتها فيما أصدرت من مذكرة توقيف الرئيس السوداني، وجنوبه على وشك إعلان الانفصال والاستقلال ليصبح السودان سـودانَيْن، وقال آخرون عن كيدية مذكرات التوقيف السورية بهدف النيل من الشخصيات اللبنانية المعارضة للتدخل السوري في لبنان واستهدافها، وقال غيرهم بأكثر مما قال الأولون عن تسييس المحكمة الدولية الخاصة المكلفة بالتحقيق بجريمة مقتل الحريري، ولاسيما مايتوعد به المتضرّرون مواطنيهم وناسهم من الاضطرابات وردود الأفعال والخراب والفوضى فيما لو دارت دائرة قرار المحكمة الاتهامي عليهم من ظنّ التلويح عليهم أو استدعائهم إلى قاعات المحاكم.
قال الكثيرون ما قالوه عن المحاكم السالفة الذكر ولكننا لم نسمع بعد ماقاله الليبيون ولم نعرف بعد ماذا يمكن أن تكون ردود فعل المطلوبين إلى القضاء اللبناني، وماذا يمكن أن تكون مفاعيل هذه الحركة القانونية اللبنانية؟
مايمكن قوله باختصار وبما هو معروف أن القانون والمحاكم شعار مرحلة، فناس تمشي عليه وتتعلّق به، وناس تدفع به من أمام، وناس فوقه وناس تحته وناس تعبث به وناس مستهترة، كل ذلك كائن ومؤدّاه واحد هو ضياع الحق والقانون. وإنما المؤكد والأشد منه أن ساعة الحقيقة قادمة طالت أو قصرت، ولا يصح إلا الصحيح وللظالم يوم، وإنما لكل أجل كتاب.
cbc@hotmailme.com
* كاتب سوري