إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
تعددّت الاسباب والنتيجة واحدة، هي انهيار “محور الممانعة”!
ما يثير التساؤل هو اسباب انهيار “محور الممانعة”، في اقل من 10 ايام، بعد عقودٍ من التحضيرات والإعدادت والتدريبات والتجهيز، حتى صدّق بعض الناس ان ذلك المحور قادر على “إزالة إسرائيل فعلا من الوجود خلال سبع دقائق ونصف”!
عشية 7 من اكتوبر 2023، كانت رؤوسنا محشوة بخطابات قادة محور الممانعة، من أن إسرائيل “أوهن من بيت العنكبوت“، حتى أن نائب أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم قال في خطبة عصماء، “إن إسرائيل انتهت، وهي الى زوال“، وأن الحرس الثوري الاإيراني قادر على إزالة “الكيان الغاصب” في دقائق معدودات، وان اسرائيل إذا تجرأت وفتحت حربا على أي من مكونات محور الممانعة، ستتحد الساحات وستفتح كل الجبهات من غزة الى الجولان الى جنوب لبنان، وستشارك ايران بقضها وقضيضها في المعركة، التي لن تنتهي إلا بإزالة “الكيان الغاصب” كل ذلك ولم يصدر عن الاسرائيليين اي ردود افعال تشي بتحضيراتهم والمفاجآت التي أعدوها للمحور بكل مكوناته.
حتى السابع من اكتوبر، كانت المفاوضات بين حركة “حماس” والاسرائيليين قائمة، على تثبيت هدنة لعشر سنوات، مقابل اعتراف اسرائيل بسيطرة حماس على قطاع غزة، فضلا عن الجدران الطيبة بين القطاع واسرائيل بإشراف الجانبين الاسرائيلي وحماس، وألآف الفلسطينيين ينتقلون من غزة الى اسرائيلي يوميا للعمل ويتقاضون أجورهم بالعملة الصعبة، ويدفعون منها طبعا لحماس أتاوات بوصفها السلطة التي تدير القطاع.
في السابع من اكتوبر، قامت حماس بعملية خرق لجدار غزة، وقتلت من قتلت من الاسرائيليين، والاهم أن عناصرها استطاعوا خلال ساعات أسر العشرات من الاسرائيليين مدنيين وعسكريين ومن حملة الجنسيتين الاسرائيلية وسواها.
وفي يقين الحركة، ان اسرئيل تعودت ان لا تفرط بارواح مواطنيها، وان جبهة الجنوب اللبناني ستفتح على مستوطنات شمال اسرائيل، ما يعني ازمة نزوح اسرائيلية من الجنوب والشمال، وأن الجيش الاسرائيلي لا يستطيع خوض حرب على أكثر من جبهة، وانه سيتعب من حرب طويلة الامد أعدت لها حماس لسنوات، وتاليا فإن اسرائيل سترضخ لشروط حماس، وتعترف بسلطتها نهائيا على القطاع، مقابل استرداد اسراها، وستفتح السجون الاسرائيلية لإفراغها من المعتقلين والسجناء الفلسطينيين، وتحقق حماس نصرا على الاسرائيليين.
أما في الثامن من اكتوبر، فقرر حزب الله الانخراط في المعركة، وإن من ضمن ما سمي بـ“قواعد الاشتباك“. وبدأ القصف على مواقع اسرائيلية متاخمة للشريط الحدودي بين لبنان واسرائيل، ونجح الحزب في حجز الوية اسرائيلية على جبهة الشمال، مهددا اسرائيل بانها إذا وسّعت الحرب فهو جاهز لتوسعتها.
وفي الثامن من اكتوبر استطاع بنيامين نتنياهو، سحبَ جميع الاوراق الرابحة من يد حركة “حماس” ومحور “الممانعة“.
فقد أعلن نتنياهو ان الاسرى ليسوا افضل ولا أغلى من الذين سقطوا في السابع من اكتوبر، وأنه سيبذل كل جهد ممكن لاسترجاعهم، ولكن وفق شروط ومقتضيات الدولة الاسرائيلية، وليس بالخضوع لشروط حركة “حماس“، وحدد اهدافه بالقضاء على حركة “حماس” مهما كان الثمن، وتاليا خسر يحيى السنوار اول واهم ورقة تفاوض وضغط على الحكومة الاسرائيلية.
بدأ الهجوم الاسرائيلي على غزة، واستمر “حزب الله” في حرب “المشاغلة“، من ضمن “قواعد الاشتباك” ما سمح للجيش الاسرائيلي بتحديد العديد اللازم لمنع اي خرق من جانب “حزب الله” لاصبع الجليل، وأنصرف لابادة وتدمير قطاع غزة. يذكر ان تقارير لخبراء عسكريين اسرائيليين جاء فيها، “أنه لو تدخل “حزب الله” في السابع من اكتوبر الى جانب “حماس” لكان خط الدفاع الاول عن اسرائيل هو مدينة حيفا“، بمعنى ان الحزب كان قادرا على اختراق الحدود الاسرائيلية وصولا الى مدينة حيفا.
تزامنا بقيت جبهة الجولان وما زالت على هدوئها المزمن منذ العام 1973، ولم يطلق منها اي مقذوفة نحو اسرائيل، في حين تطوع أنصار الحوثي في اليمن لارسال بعض المسيرات والصواريخ الباليستية التي لم تحقق غايتها في الغالب ولم تشغل الاسرائيليين. وبالعكس، قام الطيران الاسرائيلي بتوجيه ضربات عسكرية للحوثيين، جاءت خسائرها أضعافا مضاعفة عن تلك التي احدثتها مسيّرات الحوثي وصواريخه في اسرائيل.
الجانب الايراني التزم الصمت بداية الحرب، وأعلن ان “حماس” لم تطلعه على موعد العملية ولا حجمها ولا توقيتها.
وهنا خسر “السنوار” وحركة “حماس” الورقة الثانية، ألا وهي “وحدة الساحات”، فبقيت ساحة الجنوب مضبوطة بما سُمّي “قواعد الاشتباك” ولم تفتح جبهة الجولان ولم تشارك إيران في العمليات العسكرية.
أما الورقة الثالثة، فقد خيّبت اسرائيل ظنونَ محور الممانعة فيها، حيث قاتل الجيش الاسرائيلي، وما زال، منذ السابع من اكتوبر، وحتى اليوم، وربما حتى إشعار آخر، ولم يتعب، وأثبت انه قادر على إدارة اكثر من جبهة في وقت واحد، حيث كان يقتل في غزة، ويواجه “حزب الله” في الجنوب، وفي الوقت نفسه يقصف طيرانه الحربي الحديده في اليمن، ومواقع حزب الله والحرس الثوري في سوريا وصولا الى اغتيال اسماعيل هنيه في طهران نفسها!
أما جبهة لبنان، فقد تفرغت لها اسرائيل بعد ان مسحت قطاع غزة عن وجه الارض، في هجمات عسكرية لم تكن تتناسب مع قوة الخصم، وأدت الى قتل اكثر من 40 الف مواطن فلسطيني وإصابة اكثر من مئة الف بجراح، فضلا عن تدمير البنية العسكرية لحركة حماس وحصر قادتها ومن معهم من الاسرى الاسرائيليين في مدينة “رفح”.
مع اتخاذ القرار الاسرائيلي بالقضاء على “حزب الله” في لبنان، كانت المفاجآت الصادمة، بحيث ان الحزب أعد نفسه لحرب تحاكي تلك التي أشعلها في العام 2006، مراهنا على تدخل ايراني لمساندته لانه “درة تاج” محور الممانعة، وما يربطه بإيران اكبر بكثير من ما ربط حركة “حماس” بها، وان خسارته في لبنان تعني خروج بيروت من سيطرة نظام الملالي في طهران.
فور تفرغ الاسرائيليين لجبهة لبنان، جاءت عمليات الاغتيال الدقيقة لقادة الحزب تباعا، لتظهر ان الاسرائيليين استطاعوا خرق صفوف الحزب أمنيا بما فاجأ الحزب نفسه، فكان تساقط القادة والمقاتلين مخيفا، ومربكا، وصولا الى مجزرة اجهزة “البايجر“، التي اصابت مقاتلي الحزب بالصميم، وأخرجت الآلاف منهم من ساحة المعركة بفعل الاصابات التي تعرضوا لها، لتستكمل بمجرزة أجهزة الاتصال اللاسلكية التي بدورها أخرجت مئات المقاتلين والعناصر اللوجستيين من الخدمة، وصولا الى اغتيال القادة المزمنين للحزب من ابراهيم عقيل الى احمد وهبه وسواهم وليس آخرا اغتيال امين عام الحزب حسن نصرالله، وما يتردد عن اغتيال خليفته المحتمل هاشم صفي الدين!
كل الاغتيالات لقادة الحزب الكبار وامينه العام حصلت في اقل من عشرة ايام، ما افقد الحزب آلية القيادة، وهرميتها، ما سهل على الاسرائيليين توجيه المزيد من الضربات الدقيقة والموجعة له، في حين ان مستشار الرئيس الايراني جواد ظريف ابلغ “حزب الله” من واشنطن ان الجيش الايراني لن يشارك الى جانبه في القتال، وان إيران فعلت ما عليها تجاه الحزب، فهي مولته ودربت عناصره وجهزته بافضل العتاد العسكري، وكانت النتيجة ان الحزب مخروق امنيا ولن نستطيع ان نفعل لهم شيئا!
في المحصلة تم تدمير قطاع غزة، وخسرت “حماس” اوراقها التفاوضية تباعا، وهي تفاوض اليوم على رأس “السنوار” ومساعديه، حيث اعلن الجانب الاسرائيلي انه لا يمانع في نفي السنوار الى السودان مقابل الافراج عن الاسرى الاسرائيليين، في حين ان المعركة مع حزب الله ما زالت مستعرة، وحسب المسار الذي تتجه اليه لن تكون نتائجها افضل من تلك التي حصلت في قطاع غزة، تدمير لبنان وتفكيك البنية العسكرية لحزب الله.
تحليل عقلاني وسردية واقعية
مقال اكثر من ممتاز
تحياتي لكمال ريشا