انتهت المبادرة الفرنسية. قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ذلك بـ”طريقة أو بأخرى” في تصريحات إعلامية عدّة في الأيام القليلة الماضية، إذ اعتبر انّ “المسار” الذي افتتحته الديبلوماسية الفرنسية مع النظام السوري لم يصل إلى حيث كان يجب من تغيير لسلوك هذا النظام إنطلاقاً من لبنان.
وبالتوازي، تقدّم “الخطاب الأميركي” حيث عاد الرئيس جورج بوش إلى إشهار موقف “نفاد الصبر” حيال نظام الأسد. وأتت زيارتا مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش إلى بيروت لتؤكدا إستئناف واشنطن لـ”حضورها” في المسألة اللبنانية بعد أسابيع من الإنكفاء لصالح “المحاولة” الفرنسية، معلناً إستعادة التفكير بإجراءات رادعة إزاء دمشق.
انتهاء المبادرة الفرنسية و”الحبور”
ثمّة في “التيار العريض” لـ14 آذار نوعٌ من “الحبور” لانتهاء المبادرة الفرنسية. ليس هذا “الحبور” ناجماً عن إعتراض على الدور الفرنسي ولا عن شكوك حيال نوايا فرنسا ولا عن موقف مبدئيّ ضدّ مسعى تقوم به باريس لصالح تسوية تنقذ الإستحقاق الرئاسي اللبناني وتحقّق قدراً من الإستقرار في لبنان.
انّ “الحبور” ناجمٌ بالضبط عن إقتناع بأنّ المبادرة الفرنسية التي إنطلقت في الأصل للضغط على النظام السوري من أجل وقف تدخّله في لبنان ووقف تعطيل الإستحقاق الرئاسي، إنزلقت ـ أي المبادرة ـ نحو صيغة من صيغ التفاوض مع هذا النظام، فإذا به يطرح شروطاً على الإستحقاق تتجاوزه إلى مجمل الوضع السياسي اللبناني، وهي شروط العودة إلى القرار اللبناني. وما أعلنه وزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم ممّا يقدّر الجميع أنّه كاذب عن اتفاق فرنسي ـ سوري على هذه الشروط، هو تطاولٌ بدون شكّ، لكنه يعكسُ “الراحة” التي تصرّف بها النظام السوري في “مناخ” المبادرة الفرنسية. ولذلك فإن “الحبور” هو نتيجةٌ للشعور بأن تلك المبادرة تحولت إلى عامل ضاغط على 14 آذار في عدد من “مراحلها” بحيث بدت 14 آذار “مكشوفة” أمام الهجوم السوري المضاد. ولا شكّ أنّ “الحبور” يزداد في هذه الساعات فيما ترفع باريس على أعلى المستويات صوتها ضدّ أكاذيب النظام السوري وتعيد “تذكيره” بأنّه “تحت” القرارات الدولية.
الدوحة ـ دمشق ـ إسرائيل
إذاً، ومع أنّ المبادرة الفرنسية انتهت فعلياً، لا بدّ من أن يكون ما انتهت إليه “أمثولة” تفيدُ محصّلتها أنّ النظام السوري غير قابل لـ”العقلنة” فكيف بـ”الإستيعاب”. على أنّ ما تنبغي الإشارة إليه، برسم أيّ تحرّك مستقبليّ، هو ضرورة تجنّب “النصائح” القطرية. ذلك انّ قطر تسعى على الدوام إلى إستدراج مفاوضات مع نظام الأسد، وبين حين وآخر تُبلغ جهات دولية انّ هذا النظام على إستعداد لـ”التكويع” وأنّه جاهز لإعادة النظر في سياسته في لبنان ليتبيّن العكس بسرعة. وأكثر من ذلك، يؤكد متابعون، سياسيون وديبلوماسيون، أنّ ثمّة تنسيقاً قطرياً ـ إسرائيلياً بشأن “حماية” النظام السوري، بحيث يمكن الحديث عن تحالف قطريّ ـ سوري ـ إسرائيلي شبه معلن، وتتولى إسرائيل ممارسة كلّ الضغوط ـ غير المنظورة ـ للحؤول دون تعريض نظام الأسد لضغوط “زائدة”.
الآن، مع انتهاء المبادرة الفرنسية، يمكن القول أنّ ثمّة تموضعاً دولياً مختلفاً عن ذلك الذي ساد خلال أسابيع.
ميشال سليمان: تسويةٌ تبقى مطروحة
بيد أنّ هناك نقطةً مهمّة لا بدّ من التوقّف عندها منعاً لأي “إلتباس”.
في ظلّ المبادرة الفرنسية “السابقة”، طرحت 14 آذار تسوية عنوانها تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. صحيحٌ أنّ هذه التسوية طُرحت بعد إسقاط النظام السوري عبر حلفائه “لائحة البطريرك” التي كانت الأساس في المبادرة الفرنسية قبل أن يصعّد نظام الأسد تعطيله في لبنان. وصحيح أنّ هذه التسوية تزامنت مع اإستبعاد 14 آذار في لحظة معينة إنتخاب الرئيس “بالنصف زائد واحد”. وصحيحٌ أنّ هذه التسوية بدت نوعاً من التكيّف الذاتي مع المعطيات “المستجدّة” دولياً. غير أنّ الصحيح في موازاة ذلك أنّ اقتراح هذه التسوية جاء بنتيجة تداول “لبناني” أي داخل 14 آذار، ولم يكن بطلب من أحد لا عربياً ولا دولياً. وبُني هذا الاقتراح على قناعة لدى 14 آذار بضرورة إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية بسرعة أولاً، وبتقديم مرشّح يُفترض أنّه موضع تأييد من الجميع ثانياً، وبإغلاق كلّ السبل أمام التعطيل إذ يجري التقدّم بمرشح يكتسب معنى التوافق ثالثاً، وبأنّ انتخاب ميشال سليمان يُفترض أن يفتتح مرحلة لبنانية جديدة سِمتُها الرئيسية العودة إلى المؤسسات الدستورية رابعاً وأخيراً.
مع إنتهاء المبادرة الفرنسية التي واكبت في مرحلتها الأخيرة مبادرة 14 آذار إلى ترشيح سليمان، تستبقي 14 آذار هذا الترشيح ولا تعيد النظر فيه بل تتمسّك به. فما ترفضُه 14 آذار، هو الشروط التي يضعها النظام السوري وأتباعه، والتي تربط الذهاب إلى المجلس النيابي لانتخاب سليمان بها.
الدينامية الداخلية: الحكومة تحكم
من هنا، بعد إنتهاء المبادرة الفرنسية، أي في ظلّ التموضع الدولي المختلف حيال لبنان وإستحقاقه الرئاسي، ثمّة حاجةٌ ماسّة إلى ديناميّتين، داخلية وخارجية تستعادُ معهما روح انتفاضة الاستقلال.
الديناميّة الداخلية من شقّين حكومي وسياسي ـ شعبي. فتطبيقاً لما تؤكده 14 آذار والحكومة من إصرار على ملء الفراغ في سدّة الرئاسة ومن تصميم على المضيّ في إنتخاب سليمان، لا بدّ أن تعدّ الحكومة بصفتها وكيلةً عن صلاحيات رئيس الجمهورية وبصفتها حكومة في آن، مشروع قانون تعديل الدستور وأن ترسله دون إبطاء إلى مجلس النواب. وإذا تمسّكت “المعارضة” بالتعطيل، من واجب الحكومة أن تمارس الصلاحيات كاملة. هي تقدّم البرهان تلو البرهان على أن ليس لديها مشروع لإطالة أمد الفراغ الرئاسي، لكنّها لا تستطيع أن تستمرّ بـ”روحية” تصريف الأعمال ويجب أن تمارس الحكم أي أن تمارس السلطة. سيبقى إنتخاب الرئيس أولوية مطلقة، علماً انّ إنتخاب العماد سليمان يتوقف على “أمر عمليات” من النظام السوري إلى “حلفائه”، لكن يحقّ للحكومة أن تحكم… وكي تحكم لا بدّ لها من ملء الشغور داخلها واستعادة قوامها. أمّا في الجانب السياسي ـ الشعبي فإن 14 آذار مدعوّة إلى إستعادة صلتها بـ”رأيها العام”، وباستعادة المبادرة كشفاً لأدوار كلّ فريق داخل “المعارضة”، خاصة أنّ ما أعلنه وليد المعلّم يشكّل “وثيقة” دامغة.
الدينامية الخارجية
وفي الدينامية الخارجية شقّان أيضاً. تحرّك دولي وعربي لـ14 آذار باتجاه مجلس الأمن طلباً لحماية المجتمع الدولي للبنان وإستحقاقه، وباتجاه الدول العربية للمطالبة باجتماع عربي استثنائي يتّخذ المواقف الواجبة حيال النظام السوري ودعماً للبنان. وكذلك فإنّ المجتمع الدولي والنظام العربي مدعوّان إلى إتخاذ إجراءات رادعة ضدّ نظام الأسد.
المطروح إذاً هو تأكيد إنتقال 14 آذار إلى “استراتيجية المواجهة” لإعادة تظهير التوازن الداخلي على حقيقته. والمطروح توازياً هو رفع “السقف” الدولي والعربي بما يردع الضغوط السورية أو يحيّدها في أقلّ تقدير.
ثمّة مرحلة “أخرى” إذاً. ولهذه المرحلة “الأخرى” متطلّبات. وفي أولى المتطلّبات إدراك 14 آذار انّ لها عوامل قوّة لا بدّ من إستعادتها وانّها صاحبة قضية وطنية، وأن تخوض العملية السياسية بـ”نفَس” نضاليّ. فهي تمثّل أكثر من نصف الشعب اللبناني، وهي تنتمي إلى الوضع العربي، وإلى المجتمع الدولي ومبادئهما.
(المستقبل)
الديناميّتان الداخلية والخارجية لـ14 آذار: استعادةُ روح الانتفاضةالقيامة… في عالم الأموات! “كان المسيح مع تلاميذه فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال لبطرس أمك تموت فهل تحضر دفنها؟ التفت إلى المسيح يستأذن؟ قال: دع الموتى يدفنون موتاهم وتعال والحقني.. الحق أقول لكم من آمن بي لا يموت!”. أرسل لي أخ في حيرة من أمره في مواجهة الطاغوت فأرسل: “السلام عليكم: عندي مثال تكرر معي عدة مرات وهو طلب الوقوف إجلالاً لروح الرئيس الراحل في مؤتمرات الجامعة، وعدم الوقوف يحمل بعض المخاطرة ليس أقلها الاستدعاء الأمني، وليس أكثرها الطرد من مهنتي في التدريس في الجامعة؟ فما رأيكم؟”. فكان جوابي: لقد ذكرتني… قراءة المزيد ..