أجرى الأستاذ أحمد منصور مقابلة طويلة وهامة في محطة “الجزيرة” مع السيدة إيرين زبيدة خان، رئيسة “منظمة العفو الدولية” التابعة للأمم المتحدة حول التقرير الذي صدر مؤخراً عن حقوق الإنسان(والأصح: غياب حقوق الإنسان!) في العالم العربي.
أعترف أنني أعيش منذ مدة حالة من القلق العميق نتيجة الوضع العربي. وأعترف أيضاً أن التقرير أعطاني صورة شاملة أكثر وواضحة أكثر وصارخة أكثر حول حالة أمتنا العربية.
والمذهل أن الصورة مرعبة على طول الوطن العربي وعرضه، والحقيقة أن مأساة الديمقراطية في العالم العربي هي سبب رئيسي لمأساة التعليم، ومأساة التعليم هي سبب رئيسي للتخلف الثقافي والعلمي والتكنولوجي في العالم العربي. والتخلف العلمي والتكنولوجي هو السبب في تدهور الاقتصاد وتدهور الاقتصاد هو السبب في التخلف الاقتصادي والاجتماعي وتفشي الفقر، كالسرطان، في جسد أمتنا. والحالة الاقتصادية والاجتماعية البائسة هي السبب في تدفق الهجرة العربية، من الشبان والمثقفين إلى الدول الغربية!
إن أمتنا العربية التي بدت كالنسر الشاب المحلق، في الخمسينات والستينات، تبدو الآن مثل البقرة مكسرة اليدين والرجلين!
وهل صدفة، وهذه حالة أمتنا، أن الفوهرر، جورج بوش يتعامل مع أمتنا باحتقار، وهل صدفة أن إسرائيل تعتبر نفسها الدولة الرئيسية في المنطقة، وتتنافس على الريادة مع ايران ولا تحسب حساباً لمصر والسعودية؟
عندما تحدثت السيدة زبيدة زادة عن الديمقراطية (أو عدم الديمقراطية في العالم العربي) قالت إن الاعتقالات الجماهيرية في العالم العربي تتم بأمر المخابرات بلا أمر محاكم، وتتواصل الاعتقالات شهوراً وسنين والأهل يخافون أن يسألوا عن أبنائهم القابعين في السجون. وقالت إن 1200 سجين ماتوا في مصر تحت التعذيب في السجون، ولم تحدث ضجة لأن الناس تخاف أن تواجه السلطة!
وقالت إن هناك ألوف سجناء الضمير في سورية، بلا محاكمات. وقالت السيدة زبيدة خان إن الديمقراطية ليست “عملية تصويت شكلية”، بل يجب أن تعطى إمكانية للأحزاب للمنافسة الديمقراطية الحرة، وعندما تجري الإنتخابات للرئاسة يجب أن يتنافس أكثر من مرشح واحد، يمثلون تيارات واتجاهات وبرامج مختلفة والشعب الحر يجب أن يختار. وقالت بدون أن تبتسم: عندما يكون مرشح واحد يمثل الحزب الحاكم، وتفتقر العملية الانتخابية إلى السرية فإن الانتخابات هي مسرحية تكشف كذب الديمقراطية وسطوة البطش السلطوي الدكتاتوري.
وقالت السيدة زبيدة زادة: من المضحك أن تونس والسعودية ومصر أعضاء في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهذه دول فيها خروقات حادة لحقوق الإنسان، وهذا هو الوضع الذي سميناه نحن العرب عندما كنا نجرؤ على السخرية من الحكام: “حاميها حراميها”.
وأشارت السيدة زبيدة زادة إلى مسألة أخرى تتفشى كالطاعون في العالم العربي وهي القمع الوحشي للأقليات وللمعارضين للنظام، فمثلاً الأكراد في سورية (15 بالمائة من السكان) محرومون من تعلم لغتهم القومية، اللغة الكردية والدستور السوري لا يعترف بوجود الأكراد!!
كما أن هناك قمعاً للأقليات الدينية، في عراق صدام كان الشيعة والأكراد هم الضحايا وفي السعودية الشيعة، وفي الجزائر غير العرب (“البربر”)، وفي مصر الأقباط ألخ..
ما يجب أن نقوله إن الدولة العصرية الديمقراطية تتعامل مع كل المواطنين، بغض النظر عن القومية والدين، كمواطنين وتصبح المواطنة الأساس القانوني الفعلي للمساواة. الكل يدفعون الضرائب، الكل يخدمون في الجيش الوطني، الكل يشاركون في الانتخابات، للكل حق الترشح، والكل يقطف ثمار التقدم.
هل هذا موجود في أية دولة عربية؟ هل هناك مواطنة حقيقية عصرية، فعالة متساوية؟ هل حقاً الشعب هو “مصدر كل السلطات”؟ هل حقاً الشعب هو السيد الحقيقي وجهاز الدولة في خدمته حقاً؟
يجب أن تطرح كل القوى الوطنية والديمقراطية والنصيرة لحقوق الإنسان مسألة المساواة والديمقراطية ليس فقط كمسألة “أخلاقية”، بل هي مسألة مصيرية إقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وهي مسألة مصيرية لبناء الجيش الوطني، لبناء الانتماء، للشراكة في تطوير الوطن وحماية الوطن.
خلال أربعين عاماً كذبت علينا كل الأنظمة العربية بأن “نظام الحزب الواحد” هو “سياج الوحدة الوطنية” ودرع الصمود أمام العدوان الخارجي. لعل هذه أكبر كذبة في التاريخ المعاصر. بالذات الديمقراطية والمساواة والتعددية السياسية وحماية حقوق الإنسان هي هي ما تجعل المواطن حامياً للوطن متمسكاً بالاستقلال، مسؤولاً ومشاركاً في العمل الوطني، بما في ذلك القتال دفاعاً عن الوطن.
إن الحالة المزرية للعالم العربي تؤكد بشكل قاطع أن نظام الدكتاتورية ودوس حقوق الإنسان يجعل البلد ضعيفا عسكرياً واقتصادياً وثقافياً ومفككاً اجتماعياً، ومتخلفاً تعليمياً وعلمياً، ويجعل الخيرات الطبيعية للوطن عرضة للنهب من الدول الاستعمارية والدول القوية إقتصادياً.
لنفكر في حالة مصر، السودان، سورية، العراق، الصومال ودول الخليج، وليس صعباً أن نلاحظ أن أوطاننا العربية فريسة سهلة للغزاة الأجانب.
هل يُعْقل أن بلادنا غنية جداً طبيعياً، بينما أعلى نسبة بطالة في مناطق العالم هي في العالم العربي؟! هل يُعْقل أن بلادنا غنية جداً، طبيعياً، ومع هذا فإن الهجرة إلى الخارج من العالم العربي عالية جداً بسبب ضيق العيش؟!!
ما نريد أن نقوله في النهاية إن الديمقراطية ليست ضرورية فقط للنخب المثقفة وجمعيات حقوق الإنسان. الديمقراطية هي المدماك الأول الضروري لبناء نهضة قومية، اقتصادية، اجتماعية،علمية، تعليمية، ثقافية. الديمقراطية الممتزجة بحماية كل حقوق الإنسان هي الطريق للنهضة، القومية الحقيقية، لإعادة أمجاد العرب وبناء مستقبل العرب.
لقد كانت السيدة زبيدة خان صريحة عندما قالت في نهاية المقابلة: “إن دول أمريكا اللاتينية كانت كلها دولاً ذات أنظمة دكتاتورية إرهابية وحشية في التعامل مع شعوبها، ولكن هناك كانت حركة نهضوية ثورية أسقطت الدكتاتوريات وأقامت أنظمة ديمقراطية. للأسف في العالم العربي فإن الحركة الشعبية الجماهيرية الديمقراطية ضعيفة.
ليست مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى حركات وجمعيات “قومية” “نخبوية”بل بحاجة إلى تنوير اجتماعي للشعب المسحوق، وعندما يثق الشعب بنفسه وبقدرته تقوم سيادة الشعب الديمقراطي وتسقط أنظمة الإرهاب والبطش والدكتاتورية والنهب، ويطلع فجر الحرية فوق الأوطان العربية.
متى ستسقط أنظمة الدكتاتورية والفساد والجريمة في أوطاننا العربية، لا نتيجة غزو أمريكي كما حدث في العراق، بل نتيجة،الثورة الشعبية الديمقراطية لشعوبنا الظامئة إلى الحرية والسيادة عل أرضها الوطنية؟
salim_jubran@yahoo.com
الناصرة
الديمقراطية وحرية الشعوب شرط لنهضة العرب
يا سيد سالم جبران. مع كل ما ذكرت نستنتج نتيجة واحدة. العرب في اسرائيل هم أكثر العرب محظوظين.
مش كده والا ايه، يا افندم؟
الديمقراطية وحرية الشعوب شرط لنهضة العربمتى ستسقط أنظمة الدكتاتورية والفساد والجريمة في أوطاننا العربية، لا نتيجة غزو أمريكي كما حدث في العراق، بل نتيجةالثورة الشعبية الديمقراطية لشعوبنا الظامئة إلى الحرية والسيادة عل أرضها الوطنية التي يحركها مفكرون أحرار وجماهير واعية لما تقوم به وتدرك جيدا مستقبلها كتلك الثورات الخالدة التي حدثت في فرنسا وانكلترا وأمريكا وليس كالثورة “الإسلامية” في ايران الملالي حيث كان الليبراليون والشيوعيون من ضمن الفاعلين فيها ثم انقلب الملالي عليهم وسحقوهم وسجنوهم ونفوهم من ايران وتم تغييب دورهم الفاعل في الثورة وحلت ديكتاتورية الملالي بديلا لدكتاتورية الشاه فلم تعد هناك ثورة شعبية بل انقلب حال الثورة لتصبح… قراءة المزيد ..