الديكتاتورية ملة واحدة: إسبانيا 1974 وسوريا 2011

0

مانويل مارتوريل – موقع: كواترو بودير

كما أكد على ذلك قادة في المعارضة السورية وبعض زعماء العالم، فإن أي إصلاح تقدمه حكومة بشـار الأسـد يولد ميتاً. ففي هذا البلد الغارق في حمّـام من الدماء جراء القمـع، فقد القادة الحاليون الشرعية ولا يبدو أي واحد من اقتراحاتهم قابلاً للحياة. لكنّ أكثر ما يفاجئ في الإعلان الصادر عن دمشق (بخصوص إقرار قانون الأحزاب الجديد)، الذي تزامن مع إدانة الأمم المتحدة المخففة التي صدرت بحقها، هو الاستعمال الشائع من قبل بعض وسائل الإعلام لمصطلح “التعددية الحزبية” وهو مصطلح يمكـن أن يكون، للوهلة الأولى، مرادفاً لـ أو ملتبساً بمصطلح الديموقراطية.

إن نظرة معمقة إلى القانون الذي أقره بشار الأسد في الرابع و العشرين من يوليو/تموز وأُعلِن عنه في الرابع من أغسطس/آب، تُظهِر تشابهاً مؤكداً بين هذا الإجراء الإصلاحي و البرنامج المسمّى “روح الثاني عشر من فبراير” الذي أعلنه رئيـس الوزراء الإسـباني “ارياس نابارّو” إبان الحشرجات الأخيرة لنظام الجنرال فرانكو. فحتى المؤيدون لإصلاح النظام الفرانكوي، في ذلك الحـين، كانوا يعتبرون أن ذلك المرسـوم لم يكن أكثر من حبـر على ورق. لكن من الواضح أن الفارق الكبير بين الحالتين هو أن شوارع المدن الإسبانية و أيامها لم تتحول، رغم تسجيل تزايد في القمع في تلك الأعوام الأخيرة للفرانكوية، إلى حمام من الدماء.

الأحزاب الجديدة التي ستتشكل في سوريا (وفق القانون الجديد) يتوجب عليها احترام الإطار القانوني القائم. مثلما كان عليه الحال في القانون الناظم لحق تكوين الجمعيات الصادر في إسبانيا في 23 ديسمبر 1974. في السنة الأخيرة من دكتاتورية فرانكو كان الأمر يتعلق بـ “مبادئ الحركة الوطنية”. وفي السنة التي تدل كل المؤشرات على أنها ستكون الأخيرة للديكتاتورية البعثية، يبدو الدستور الحالي، الذي يشير بنده الثامن الى احتفاظ حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الدولة والمجتمع، مماثلاً لما كان عليه الحال في عهد الحركة الوطنية في إسبانيا.

و كما حدث في برنامج “روح الثاني عشر من فبراير” فقد تُرِكت القدرة على قبول أو رفض الأحزاب في أيدي هيئة جديدة تم تشكيلها و تعيينها من قِبَل النظام نفسه، بدلاً من إسنادها إلى هيئة من القضاة المستقلين. يوجد تشابه كبير أيضاً في الاشتراط السوري بأن يكون للأحزاب الجديدة حضور في نصف المحافظات على الأقل، وأن يكون الحد الأدنى لعدد المنتسبين إليها : 1000 في الحالة السورية، بينما كان العدد 2500 في الحالة الإسبانية.

بالإضافة إلى ذلك، يحدد القانون، الذي أعلنه بشار الأسد، عدد المنتسبين في كل محافظة بما لا يقل عن خمسة بالمائة من كل أعضاء الحزب الجديد. ومن جانب آخر، يجعل الشـرطُ الذي ينص على أن يكون كل الأعضاء ممن تجاوزوا الخامسة والعشرين من العمر، يجعل قسماً كبيراً من الشباب السوري خارج دائرة المشاركة السياسية، و هم الذين لعبوا دوراً رئيسياً و حقيقياً في الانتفاضة الجارية حالياً.

لكن ثمة في القانون السـوري شـرط آخـر أيضاً يذكِّـر بتلك الشــروط العـائدة إلى برنـامـج ” ارياس نابارو” إلا أنه يجعل القانون ذاته غير قابل للحياة حتى لو لم يسقط في سوريا قتيل واحد: الأحزاب الجديدة يجب أن تتلاءم مع الطبيعة القومية “العربية” للبلاد، ويشترط بشكل صريح أن لا يكون للحزب توجه مناطقي و أن لا يقوم على أساس عرقي أو ديني.

إن هذا الشرط ذو أهمية كبيرة في ظل الوضع الراهن في سوريا، إذ إنه يغلق الباب أمام القوتين السياسيتين الأكثر أهمية: الإسلاميين الذين قد يكون بإمكانهم استعادة إرث الأخوان المسلمين، الجماعة التي كانت قوية في أوقات سابقة، والأحزاب الكردية، الأفضل تنظيماً إلى لحظة اندلاع الانتفاضة الحالية.

إن حالة هذه الأحزاب الكردية واضحة جداً. فقد بلغ عددها اثني عشر حزباً، و تمتعت بتنظيم جيد منذ أعوام، حتى في الأوقات العصيبة عندما كانت تعمل في سرية كاملة. وقد أظهر البعض منها في مناسبات عديدة حضوراً قوياً بين المليونين من البشر الذين يشكلون المجتمع الكردي في سوريا. ورغم أن هذ الأحزاب انضمت الى الانتفاضة، إلا أنها تحتفظ باستراتيجيتها الخاصة و تبحث حالياً في تشكيل منبر واحد يجمعها.

بالرغم من ذلك كله، فإن هذه الأحزاب لا مستقبل لها، بموجب القانون الحالي، بالنظر إلى أن أهدافها المناطقية ونزعتها إلى الحكم الذاتي، تضع، الطابع العربي للبلاد، على وجه التحديد، في موضع التساؤل. وفي الآن نفسه، لا يستطيع أي حزب منها تقريباً تلبية شرط الوجود في نصف المحافظات السورية على الأقل و بالنسب المئوية الدنيا للانتساب المقررة في القانون الجديد، ذلك أن الشعب الكردي يتوزع بشكل رئيسي على طول القطاع الحدودي مع تركيا.

إن اقتراحات بشار الأسـد هي على هامش الواقـع، كما كان برنامـج الثاني عشر من فبراير، و ستذهب، بالتالي، غير مأسوف عليها حتى يأتي دستور جديد ينهي الدور المهيمن المحتفَظ به للبعث، ويؤسس بطريقة واضحة و شفافة للفصل بين السلطات في الدولة.

يبقى أن الأمر الأكثر انفصاماً عن الواقع هو الاشتراط على التشكيلات السياسية الجديدة، التي يجب أن لا يكون لديها مجموعات مسلحة، الالتزام باحتــرام “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” في الوقت الذي يتساقط فيه المنتسبون المُحتَمَلُون إلى هذه الأحزاب مثل الذباب تحـت وابـل الرصاص، ليس على أيدي الجنـود و رجال الشـرطة و حسـب، و إنما أيضاً على أيدي الجماعات شبه العسكرية التابعة للبعث.


نقلها إلى العربية: الحدرامي الأميني
(الذي نكرّر له طلب الإتصال بالموقع لأن الإيميل الذي وردنا منه تضمّن أخطاء في ما يبدو!)

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading