تفرض جميع الأديان نوعا أو آخر من الحمية الغذائية على أتباعها والمؤمنين بتعاليمه. وتتدرج هذه الحمية من النصيحة بالامتناع وإلى التحريم التام. فاليهود حرموا أكل لحم الخنزير، أو الاقتراب من أي من مشتقاته. وحرم الإسلام الشيء نفسه، وربما بطريق أقل شدة، في مرحلة لاحقة. كما تشترك الديانتان كذلك، ضمن أمور كثيرة أخرى، في الامتناع عن تناول لحوم أية حيوانات محللة أخرى إن لم تكن قد تم ذبحها حسب طقوس دينية صارمة. وكانت الكنيسة الكاثوليكية، في مرحلة ما، تحرم تناول الأسماك أيام الجمع!! وتمتنع كافة الطوائف المسيحية في فترات الصيام، الذي يمتد بعضها لأربعين يوما أو أكثر، عن تناول أية أطعمة “ذات روح” كالبيض واللحوم والأسماك، أو مشتقات ذلك من ألبان وأجبان وما إلى ذلك. كما تحرم الديانة الهندوسية تناول كافة أنواع اللحوم، ولكن يتساهلون مع السماك. كما يبدون احتراما كبيرا للبقر إلى درجة قامت فيه حكومة الهند قبل فترة بمخاطبة الدول التي لديها أية أبقار مصابة بأمراض معديه بإرسالها للهند بدلا من إعدامها.
سبق وأن اصدر “محمد متولي الشعراوي”، وكان داعية ديني إسلامي وسياسي في الوقت نفسه، وكان معروفا في زمانه وشغل مناصب سياسية رفيعة في عهد السادات وعمل مفتيا للسلطان أكثر من الرحمن، أصدر فتوى دينية حرم فيها استخدام غرف العناية المركزة في المستشفيات، لأن ما بها من أجهزة تبقي المريض على قيد الحياة، ولو أزيلت عنه فارقها فورا. وكان هذا برأيه وقتها تدخلا في مشيئة الخالق. وقد مات بعض المرضى نتيجة قيام أهاليهم برفع الأجهزة عنهم تمشيا مع فتوى الشيخ الشعراوي، ولكن لم يمر وقت طويل على تلك الفتوى حتى أصيب صاحبها نفسه بمرض خطير تطلب نقله بطائرة ملكية سعودية مجهزة بغرفة إنعاش كاملة إلى لندن لتلقي العلاج. وهناك مكث “فضيلته” في العناية المركزة لأكثر من شهر قبل أن يشفى تماما.. ويموت بعدها بسنوات…بفعل الزمن!!
أثبت الأبحاث المخبرية أن الخنزير هو من اقرب الحيوانات جينيا للإنسان. كما أثبت العلم اشتراكنا معه في الكثير من خلايا الدي إن أي DNA. وأجريت عمليات جراحية عديدة لمسلمين وغيرهم سواء لاستبدال جلودهم المصابة من الحروق بأخرى سليمة أو لتركيب صمامات القلب جديدة بدل التالف منها وكلها كان مصدرها الخنزير. ونجحت أيضا الكثير من تجارب نقل كلى هذا الحيوان للإنسان.
وقد أفتى السيد “عجيل النشمي”، وهو رجل دين كويتي، جريدة القبس الكويتية 10/10، ردا على سؤال عن جواز شراء حقيبة يد مصنوعة من لحم الخنزير، بالقول بأنه يحرم استخدام أي جزء من الخنزير، وإن كان الجلد مدبوغا، بالرغم من أن الدباغة تطهر الجلود، ولكن الخنزير نجس العين ولا يتطهر، ولا يجوز استخدامه أي شيء منه بأي حال من الأحوال!!
نحتفظ برأينا في فتوى السيد عجيل. ولكن ألا يعتقد بأن الأولى التركيز على ما يدخل أجسامنا بدلا مما تحمله أيدينا؟ فما هو موقفه لو تطلب الأمر مثلا تركيب صمامات قلب له أو لمن يعز عليه، هل سيعارض وقتها عملية النقل؟
لم نكن نود التطرق لهذا الموضوع لولا الفتوى المضادة التي نشرت بعد فتوى العجيل بأيام فقط في الوطن 16/10 عندما “أفتوى!!” السيد محمد الطبطبائي بجواز استخدام مواد وتركيبات طبية مستمدة من الخنزير! وهذا ما لم يقله السيد “النشمي”!
جميل ورائع ومبدع أن يفتي “شيوخنا” و”علمائنا” و “متنورينا” بما شاءوا، ولكن أليس من الأجمل والأروع تقيدهم بما يفتوا به للآخرين، وقبل كل ذلك اتفاقهم على رأي واحد! وقبل هذا وذلك ألا يعتبر الدم نجسا ويحرم حتى لمسه أو تناوله؟ فإن كان محرما ونجسا فلماذا اكتفينا بالسكوت عن حرمته، وقمنا فوق هذا وذلك بتأسيس بنك خاص به في كل دولة إسلامية؟
tasamou7@yahoo.com
* الكويت
الدماء والخنازيرفى الحقيقة يا استاذ أحمد مقالكم بيصف الحال المرير للواقع العربى و ما نراه أن التسطيح للعقل العربى أصبح هو الهدف الاساسى للحكومات بالمنطقة . فعلى الرغم من تقدم الاعلام على مستوى العالم اللى اننا نراه بيقهقر بالمنطقة العربية و كأن الحكومات بترفض تنمية العقل المحاور و بتفضل عليه العقلية المتلقية دون ادنى تفكير فيما سيؤل عليه المستوى الفكرى لأجيال من المفروض أنها ستحمل شعلة التقدم الى المستقبل العلمى الزاخر بفيضان العلوم فى كافة المجالات . و من المؤسف أن نجد جيل من الشباب اصبح ذات عقلية متحجرة را فضة للتلاقى او إحتى التحاور فى اى مجال من مجالات… قراءة المزيد ..
الدماء والخنازير
مقال على الوجع