خاص بــ”الشفاف”
قد يكون من المستهجن العودة الى مقولة “الخير فيما وقع” تعليقا على انخراط حزب الله اللبناني في القتال الى جانب النظام السوري في العديد من نقاط الاشتباك مع كتائب وفصائل الثوار على معظم التراب السوري، من درعا مرورا بدمشق وريفها وحمص وريفها، خاصة مدينة القصير وصولا الى ادلب وحلب.
هذا التورط لحزب الله لم يأت نتيجة قرار داخلي محصور بدوائر الحزب اللبناني، لكنه جاء نتيجة تقاطعات اقليمية ودولية معقدة ومتشعبة لا تقف عند حدود كل المسوغات التي قدمها حزب الله وشخص امينه العام المتعلقة بالتحالف بين هذا الحزب والنظام السوري برئاسة بشار الاسد، او من باب الوفاء لوقوف هذا النظام الى جانب الحزب في حرب عام 2006 مع اسرائيل، او بهدف الدفاع عن المراقد الاسلامية “المقدسة” لدى الطائفة الشيعية على الاراضي السورية، او من اجل الصد وحماية الشيعة واللبنانيين الساكنين في قرى القصير.
كلام كثير قيل عن مخاطر دخول حزب الله في المعركة الى جانب النظام، إن كان تحت غطاء الدفاع عن “مقام السيدة زينب” او التجمعات الشيعية وتحليلات اكثر جرت لمدى ارتدادات هذه المشاركة السلبية على الوضعين الداخلي والشيعي في لبنان وما قد يؤدي اليه من اشعال للفتنة الطائفية، خاصة بعد التطور الاخير والاخطر في مدينة القصير بريف حمص.
لا شك ان اي مراقب للحراك الاقليمي والدولي باستطاعته الوقوف على المقدمات التي دفعت حزب الله وقيادته الى الاعلان صراحة عن دخولها الى جانب النظام غير عابئة بنتائج هذا التدخل وحجم الخسائر البشرية التي ستتكبدها اضافة الى الخسائر المعنوية بسبب تحويل وجهة السلاح من القتال في الجبهة مع اسرائيل الى مواجهة فصائل المعارضة داخل الاراضي السورية.
الامين العام لحزب الله كانت موجعا في وضوح قراره بالقتال الى جانب الاسد في سوريا، مسوغا ذلك بان الهدف النهائي لما تشهده سوريا هو النيل من حزب الله في اطار معركة اقليمية دولية مدفوعة من اسرائيل للقضاء على المقاومة ومحورها الاقليمي.
لكن المقدمات الاساسية التي مهدت الطريق للتورط المباشر والعلني تبدأ من طهران ولا تنتهي في واشنطن، وكل منها على معطيات ومنطلقات مختلفة.
فالنظام الايراني كان صريحا في التعبير عن مخاوفه من الحدث السوري عندما اعتبر ان الدفاع عن دمشق يمنع سقوط طهران، وان النظام سيكون قادرا على استعادة محافظة الاهواز (المصدر الرئيس للنفط الايراني) على الرغم من اهميتها الاستراتيجية في حال سقطت بيد الاعداء، لكنه سيكون عاجزا عن الدفاع عن طهران اذا استطاع العدو السيطرة على دمشق.
والقيادة الايرانية كانت متشددة في موقفها الداعم لنظام بشار الاسد، فرأت في الانتفاضة الشعبية استهدافا غربيا لواسطة العقد في محور المقاومة الممتد من طهران وصولا الى بيروت مرورا بدمشق وبغداد، بالاضافة الى “لؤلؤة” المحور الساكنة حتى الان، جماعة الجهاد الاسلامي في فلسطين.
طهران ومنذ البدايات ومعها حزب الله كانت تعتقد بان النظام سيكون قادرا على حسم الوضع واستعادة الاستقرار خلال فترة قصيرة، لكنها امام اتساع رقعة المواجهات وامتدادها الزمني وعجز النظام عن تنفيذ ما وعد به، كان لا بد لها من رفع وتيرة تورطها ودعمها للنظام من خلال الزج باعداد من الخبراء العسكريين لمساعدة قوات النظام على قيادة وتوجيه العمليات العسكرية.
ومع تطور الاوضاع وجدت طهران نفسها مجبرة على الدخول مباشرة على خط الازمة وعدم الاكتفاء بالدعم اللوجستي والاقتصادي وارسال خبراء امنيين وعسكريين، فلجأت الى ارسال مقاتلين من قوات حرس الثورة والمتطوعين تحت عناوين مختلفة.
صعوبة الامداد البشري وخطورة الجسر الجوي الذي اقامته طهران مع دمشق، دفعها الى خيار الاعتماد على ذراعها اللبناني، اي حزب الله، لاعادة تثبيت اقدام النظام المتزعزع والمتهالك، خاصة بعد ان باتت اصوات القذائف وازيز الرصاص يسمع من وراء ابواب القصر الرئاسي وفي غرفة نوم الاسد.
ودفاعا عن طهران وقطع الطريق على اسقاطها، كشف حزب الله عن زيارة قام بها امينه العام حسن نصرالله الى طهران وعقده لقاء مع مرشد النظام قبل ايام فقط من اعلان الحزب على لسان نصرالله عن مشاركته في معارك القصير لابعاد خطر المتطرفين التكفيريين عن الحدود اللبنانية، من دون الاشارة الى الاجتماعات المكثفة التي عقدها مع قيادات عسكرية في حرس الثورة خاصة قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني.
فقد عاد نصرالله الى لبنان بتكليف وغطاء شرعي واضح من “ولي الفقيه” بوجوب الدخول في المعركة والزج بمقاتليه على الجبهة الجديدة، هذه المرة ليس دفاعا عن لبنان وجنوبه، بل دفاعا عن طهران وافشال مخطط القوى “الاستكبارية” للنيل من محور المقاومة بقيادة المرشد الاعلى.
في المقابل، كانت واشنطن ومعها معظم العواصم الغربية الكبرى، قد بدأت تعلن عن قلقها من تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة داخل سوريا، خاصة جماعة “جبهة النصرة”، التي تعتبر امتدادا طبيعيا وعضويا لدولة العراق الاسلامية بما تمثله من قوة فاعلة لتنظيم القاعدة بقيادة امين الظواهري. وبدأت التفكير في الطرق التي تضمن لها التخلص من هذه الجماعة او الحد من نفوذها وسيطرتها على المشهد السوري.
لا شك ان هذه العواصم الكبرى ومعها بعض العواصم الاقليمية، فضلت الصمت على دخول حزب الله على خط معركة “القصير”، وابدت كثيرا من الارتياح خلف الكواليس من النتائج الاولية للمعركة التي اسهمت في وقف تنامي نفوذ جبهة النصرة، وتحول معركة “القصير”الى معركة استنزاف لهذه الجبهة بعد ان تلقت ضربات قاسية من مقاتلي حزب الله واضطرت الى نقل مقاتليها الى جبهة القصير من مختلف المناطق السورية في عملية اسناد واسعة هدفها الحاق الهزيمة بعناصر حزب الله، ما جعل من معركة “القصير” معركة استراتيجية بين الطرفين، سيكون المنتصر قادرا فيها على تحديد مسارات مستقبل الازمة السورية.
انقلاب المشهد في “القصير”، من معركة ارادت واشنطن ان تكون معركة استنزاف لكل من حزب الله وجبهة النصرة واضعافهما، الى معركة استطاع حزب الله تحقيق تفوق ميداني، وجدت واشنطن نفسها الجهة التي قد تلحق بها الخسارة في حال لم تحرك ساكنا والانقلاب على ما يمكن تسميته “الاتفاق على السلب” بينها وبين محور طهران – موسكو.
السكوت الذي هيمن على مواقف العواصم الكبرى والاقليمية من تدخل حزب الله في القتال الى جانب النظام، كسره اولا الرئيس الامريكي باراك اوباما في خطابه الاخير عندما افرد حيزا مهما لما يقوم به الحزب في سوريا والمنطقة ودوره الارهابي، لتلحق به العواصم الغربية التي دعت الى ارداج جناحه العسكري على لائحة المنظمات الارهابية.
هذا التحرك يأتي بعد ان تجاوز الحزب الخطوط الحمراء التي سمحت بغض النظر عن مشاركته في القتال، وان دوره لم يعد محصورا فقط في تحجيم جبهة النصرة والقاعدة في سوريا والقضاء على عمودها الفقري من مقاتلين ومهاجرين تقاطروا من اطراف العالم، بل تعداه الى محاولة قلب المعادلة العسكرية مع المعارضة السورية لصالح النظام، خاصة عشية اضطرار واشنطن الى القبول والموافقة على الخيار الروسي بالذهاب الى مؤتمر جديد حول الازمة السورية بات يعرف بمؤتمر جنيف 2 بشروط غالبيتها روسية.
واذا ما قدر للجهود الروسية والدولية ان تنتهي الى نتائج في مؤتمر جنيف 2 ترضي جميع الاطراف المتشابكة على الساحة السورية، فان المشهد الاقليمي سيشهد تداعيات مهمة لاي اتفاق قد تحصل فيه طهران على حصة من الكعكة السورية، وهذه التداعيات ستتركز على الجانب الايراني الذي سيكون مطالبا بتقديم تنازلات على اكثر من صعيد واكثر من ملف.
واذا ما كان النظام الايراني يعتبر برنامج النووي الخط الاحمر والاستراتيجي الذي من الصعب تقديم اي تنازلات تتعلق به، بل يسعى لتحقيق تقدم باتجاه الحصول على اعتراف دولي رسمي بالانجازات التي استطاع تحقيقها في هذا الاطار، واذا ما كان يرى في النظام الامني الاقليمي بقيادته او محوريته طموحا مشروعا واستراتيجيا له يجد ترجمته في تثبيت نفوذه وسيطرته على الساحة العراقية بما تمثله من ساحة لمخاطبة الجوار العربي وخاصة الخليجي وقطع تمدد الجار التركي في عمقه العراقي والعربي، فانه ومقابل امكانية الحصول على هذه المكاسب وتحقيق جزء من هذه الطموحات مرحليا، لا بد له من تقديم تنازلات.
من هنا يمكن القول ان “الخير” الذي يأتي من مشاركة حزب الله في المعارك الى جانب النظام السوري يكمن في ان سلاح هذا الحزب لم يعد محصورا بفرض ارادته على الساحة اللبنانية ومصادرة قرار الدولة والمؤسسات بحجة المواجهة مع اسرائيل. بل بات يشكل مصدر خطر اقليمي للدور الذي بات يلعبه في السعي لتغيير المعادلات التي لم تعد محصورة في مواجهته مع اسرائيل.
التضخم الذي اصاب قوة حزب الله وسلاحه بفعل “المقويات والفيتامينات” الايرانية والصمت الدولي، قد يعطي لطهران تعزيز دورها الاقليمي من البوابة السورية وبفضل هذا السلاح، وقدم خدمة لعواصم القرار بمحاصرة وتجفيف مصادر الخطر الذي قد تشكله القاعدة في سوريا.
وبناء على هذه المعطيات، فان المرحلة التالية لما بعد الازمة السورية في حال نجح موسكو وواشنطن بوضعها على سكة الحل السياسي الطويل احتمالا، الا انها ستفرض تداعيات اقليمية جديدة من المفترض ان تشارك كل الاطراف الاقليمية في صياغتها ورسم مساراتها، على الاقل ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الاوسط، التي تشهد نشاطا واهتماما امريكيا ملحوظا يفوق ما تحظى به الازمة السورية او يوازيها على الاقل.
سيكون على طهران المساهمة بشكل فاعل في عملية السلام الشرق اوسطية، وهذا ما يجعل من حزب الله وسلاحه الورقة الايرانية الارجح للتفاوض مع واشنطن واسرائيل والمجتمع الدولي، خاصة في ظل استبعاد ان تتخلى طهران عن انجازاتها النووية او طموحاتها الاقليمية، فانها سترجح التفاوض على سلاح الحزب ودوره مقابل اعادته الى الداخل اللبناني مقلم الاظافر تحت غطاء اتفاقية عدم اعتداء مع اسرائيل برعاية امريكية ودعم ايراني تقوم على وقف الاعتداءات الاسرائيلية على المياه والاراضي والاجواء اللبناني مقابل تخلي الحزب عن سلاحه ووضع آلية عملية لحل ازمة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ، وبالتالي دخوله في الحياة السياسية اللبنانية كحزب سياسي مدني.
وعليه يمكن القول ان معركة “القصير” قد تشكل مدخلا لحل ازمة السلاح في لبنان المتمثل بحزب الله بعد ان اثبت كل الفرقاء اللبنانيين عجزهم عن فهم آلية مواجهته ومحاصرته وابعاد تأثيراته عن الساحة الداخلية والسياسية، وبالتالي فان الدور الايراني في انهاء دور هذا السلاح سيكون حاسما اذا ما قررت واشنطن ومعها عواصم القرار التوصل الى تفاهم يدفع طهران للقبول بصفقة شاملة تتضمن كل الملفات الاقليمية العالقة.
هذا الشر الكبير الذي نتج عن مشاركة حزب الله في المعارك الى جانب النظام السوري، قد يحمل خيرا كثيرا وقليلا للبنان، وهذه المرة بهمة وعزيمة ولاية الفقيه بان يسهم في تحويل الحزب الى حزب لبناني من دون فائض سلاح.
إعلامي لبناني
دبي
الخير فيما وقع: سلاح حزب الله في سوريا مقدمة لاخراجه من لبنان والمعادلةالحل في سوريا : خروج الذين يحاربون بالوكالة قالت : مصادر دبلوماسية أوروبية إن النظام السوري وضع قائمة بخمسة وزراء تمهيدا لمفاوضات محتملة مع المعارضة ، هذا يعني أن استراتيجية النظام البعثي تغيرت ، والحقيقة الواضحة تماما أن هذا التغيير حدث بعد أن فقد نظام بشار الأسد ، المبادرة العسكرية والقدرة على كسب الحرب ، وبعد ما أدرك ان استمرار الحرب بهذا الشكل سيؤدي حتما إلى إشعال نار الحرب في المنطقة كلها مما يشكل خطرا على النظام نفسه و على نظام نصر الله أيضا . المعارضة ، الطرف… قراءة المزيد ..
الخير فيما وقع: سلاح حزب الله في سوريا مقدمة لاخراجه من لبنان والمعادلة
( وجهة نظر محليّة تقليدية و مفهومة …)