صور (جنوب لبنان) – حازم الأمين
(يوليو) 2006 التي اعقبتها طفرة عز الدينخبير قانوني: المسؤولية مشتركة بين المقترض والدائنين… ولأصحاب الضمانات أولوية في التعويضزائر جنوب لبنان في أعقاب اعلان افلاس رجل الأعمال اللبناني المقرب من «حزب الله» صلاح عز الدين يشعر بأجواء مشابهة لتلك التي سادت في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة في حزيران (يونيو) الفائت. فالافلاس كان بمثابة انتكاسة ثانية تصيب الحزب في أقل من ستة أشهر. انتكاسة في الثقة التي حازها الحزب في أوساط الجنوبيين في أعقاب حرب تموز (يوليو) عام 2006، ووظفها الى أبعد الحدود في مختلف المجالات. أما اليوم، فالحزب لم يخسر هذه الثقة ولكنه مصاب في أمكنة حساسة فيها. فبعدما خلفت نتائج الانتخابات تواضعاً في الثقة بإمكانات الحزب في نيل تفويض اللبنانيين، واقتصار هذه الثقة على غالبية شيعية، وهو ما خلف حالاً من الاحباط الأكيد في بيئة «حزب الله» وشعوراً بانعدام «الكفاية المطلقة» التي أشاع في مجتمعه انه يمتلكها، ها هو اليوم وسط اخفاق ثان أصابه في مكان لطالما نأى بنفسه عن ميادينه، أو هكذا صور هو لجمهوره. انه افلاس شركة مالية مقربة منه، مع ما يترافق مع هذا النوع من الافلاسات من كلام عن مضاربات في البورصة العالمية، وتجميع لرؤوس أموال، وتقديم اغراءات غير منطقية وغير مشروعة، وتجارات خلف البحار، ومراباة، ناهيك بآلة بث للأخبار والاشاعات عن ملابسة الافلاس بنيات احتيالية أو بفشل في ادارة رأس المال…
كل هذا الكلام يمكن ان تسمعه في بيئة المتضررين من افلاس عز الدين. لكن يمكن ان ترصد عناصر أخرى في المشهد الجنوب لبناني في ضوء الافلاس، فما جرى كان أيضاً عملية فرز واضحة بين مجتمع «حزب الله» والمجتمعات الأخرى الكثيرة في الجنوب والتي تواضع اللبنانيون على دمجها بمشهد واحد في السنوات الأخيرة. فشبكة المتضررين من افلاس عز الدين تكاد تقتصر على البيئة التي يملك «حزب الله» نفوذاً دينياً فيها، بينما تلك التي يقتصر نفوذه فيها على السياسة والمناصرة العامة، فمن الممكن الجزم بأن افلاس عز الدين لم يصبها الا في ما ندر. المستثمرون أموالهم في شبكات عز الدين هم إما حزبيون وإما مقربون جداً من «حزب الله»، وإما مغتربون من أميركا الجنوبية كما هي حال أبناء بلدة يارون في قضاء بنت جبيل، وإما مغتربون في أفريقيا كما هي حال قرى قضاء صور، أي معروب وطورا وغيرهما. ولهذا من الصعب القول ان الافلاس أصاب الاقتصاد الجنوبي، أو الاقتصاد الشيعي كما سمي في الإعلام. فثمة قطاعات واسعة نجت من الافلاس. في مدينة صور مثلاً، وهي مدينة تتقاطع فيها الاعمال التجارية التي يشترك فيها ابناء القرى المحيطة، نفوذ كبير وتلقيدي لحركة «أمل»، وهو نفوذ مترجم في الحركة الاقتصادية والسياسية للقضاء. وهذه الحقيقة تتيح رصد فوارق بين الدورة الاقتصادية لـ «المقاومة» وبين دورات اقتصادية موازية تختلط فيها أعمال الصيرفة (شركة حلاوي مثالاً) مع حركة المرفأ وما يرافقها من أعمال سمسرة، مع تجارات بحرية وبعض النشاطات السياحية. هذه القطاعات نجت على ما يبدو من افلاس عز الدين، وهي أعمال تمت الى نفوذ حركة «أمل» في الأسلاك الادارية والرسمية بصلة أكيدة.
يشير الصوريون الى طفرة مالية وعقارية في المدينة أعقبت حرب تموز 2006، وهي طفرة من خارج الدورة الاقتصادية للمنطقة، ويعتقدون بأن هذه الطفرة هي التي أصيبت جراء افلاس عز الدين. فرؤوس الأموال التي تدفقت في أعقاب حرب تموز سواء لتغطية التعويضات او أموال الحزبيين أو المغتربين الذين شكل «حزب الله» لهم موقع ثقة في حال أتيحت استثمارات بمباركته، هذه كلها لم تدخل الى الاقتصاد الصوري الا بصفتها عناصر مضافة الى دورة سبقتها. ولهذا يستبعد احد الوجوه التجارية في المدينة ان يصاب الاقتصاد الصوري بالركود في الاشهر المقبلة، اذ ان الأضرار مقتصرة على بيئة «حزب الله»، مضافاً اليها قطاعات محدودة من المتضررين من غير هذه البيئة. ومن بين المتضررين من خارج مجتمع «حزب الله»، يشير أحد التجار في المدينة الى عدد من مزارعي الحمضيات الذين كانوا يُسلمون منتوجاتهم الى أحد التجار في حسبة صور ممن استثمروا مع عز الدين، وبما ان هذا الأخير لم يكن يقبل بـ «الودائع» الصغيرة، فقد عمد هذا التاجر الى جمع مبالغ صغيرة تتراوح بين 20 و50 ألف دولار من عدد من التجار بعد ان أقنعهم بثقته بالرجل وبفوائد تبلغ 20 في المئة، وقام بإيداع المبلغ لدى عز الدين لقاء فائدة قيل انها تبلغ 40 في المئة.
أخبار كثيرة يتناقلها الصوريون في مقاهيهم عن قضية عز الدين، بعضها منسجم وبعضها لا يمكن تأكيده. يروي أحدهم في مقهى بحري حكاية موظف في صندوق التعويضات في الضمان الاجتماعي كان يتولى اجتذاب «ودائع» لعز الدين من موظفين يقصدونه لقبض تعويضاتهم، فيجمعها في «وديعة واحدة» ويتقاضى بدل فارق الفائدة. أما مصدر الثقة التي تدفع أصحاب المبالغ الى ايداعها، علماً انها في حالات كثيرة جنى سنين من العمل، فيجمع الصوريون على أنه «الثقة الكبيرة بالرجل والناجمة عن قربه من الحزب»، فما من أحد الا وكان يعتقد ان عز الدين جزء من «حزب الله».
لا شك في ان الاغتراب الشيعي أصيب بإفلاس عز الدين، لكن وباستثناء مغتربي بلدة يارون الذين توزعت المبالغ التي خسروها بين آلاف قليلة من الدولارات الاميركية، ومبالغ تصل الى حدود العشرة ملايين دولار، فإن من أصيب من المغتربين، هم المغتربون الجدد الذين لم يتمكنوا من شق طريق الى استثمار ما جمعوه في مغترباتهم في الدورة الاقتصادية الطبيعية التي سبقهم اليها مغتربون أقدم منهم في اختبار السوق اللبنانية. فدافع الواحد من هؤلاء الى ايداع ما جناه في أفريقيا أو في جنوب أميركا في سلة عز الدين عجزه عن تصــريف السيولة القليلة التي في حوزته فـــي أنـــواع أخرى من الاستثمار، اضافة الى ان المغتربات، مصدر هذه الأموال، تلح على هؤلاء بضرورة اخراج ما يملكون من سيولة، اما لأسباب قانونية وإما لشعور المغتربين بعدم استقرار الدول التي آوتهم.
أما الاغتراب الشيعي التقليدي، سواء في أفريقيا أو غيرها، فلم يُسجل فيه حالات «استثمار» مع عز الدين. بلدات مثل جويا وحاريص وشقرا والعباسية في جنوب لبنان، وهي من قرى الاغتراب الأولى، بقيت تقريباً بمنأى عن الواقعة، فمغتربو هذه القرى سبق ان أنشأوا قنوات استثمار في لبنان وخبروا نجاحات السوق اللبنانية حيناً، وإخفاقاتها في احيان كثيرة، وهؤلاء سبقت حركة «أمل» «حزب الله» اليهم، فأقاموا مشاريعهم برعاياتها واستفادوا من نفوذها المحلي، وشاركوا شركاءها في السلطة، لكن على رغم ذلك بقي كثيرون منهم ضمن دورة اقتصادية موازية ومقتصرة تقريباً على الاستثمار في العقارات.
«حزب الله» تمكن على ما يبدو من مد نفوذه في المغتربات الجديدة، وكسب ثقة أجيال جديدة من المغتربين، فشكل جسر علاقة بينهم وبين قيمهم وبيئتهم، وجدد في أوساطهم أنماط تفكير وحياة تعوض عليهم مشاعر الغربة والانقطاع التي لطالما كابدتها الأجيال الأولى من المغتربين، لا سيما في سنوات اغترابهم الأولى، لا بل بعث في أوساطهم أنماط ايمان جديدة استبدلوا فيها بضعف العيش في بلاد بعيدة، قوة «الانتصارات والانجازات». هنا على ما يبدو تمكن عز الدين من توظيف علاقته بالحزب، وهو لم يكن بحاجة الى أكثر من الاستثمار في مشاعر هؤلاء حيال «حزب الله»، من دون ان يعني ذلك بالضرورة ان ثمة توجهاً رسمياً في الحزب أو حثاً على ايداع الأموال لديه. يقول أحد الصوريين: «كان يكفي ان يقال ان الحاج صلاح هو محل ثقة الحزب حتى يصبح الرجل مقصداً لمن يرغبون في ايداع جنى أعمارهم لديه، فهو صاحب «دار الهادي للنشر» التي لطالما اعتقد اللبنانيون انها دار النشر الرسمية لـ «حزب الله»، وهو صاحب «حملة السلام للحج» التي يختارها مناصرو الحزب لكي تنظم لهم رحلات الحج. أما من ترددوا أو امتنعوا عن الايداع في حقيبة عز الدين فهم أولئك الذين لا يشكل لهم الحزب ضمانة كافية لحماية أموالهم».
غالباً ما يسعى متقفو ظاهرة عز الدين في مدينة صور وقضائها الى التمييز بين ان يكون الرجل مستثمراً في أموال «حزب الله» وبين ان يكون مستثمراً في أموال مسؤولين في الحزب، فهم يؤكدون الافتراض الثاني ويدللون عليه بالكثير من المظاهر التي بدأوا يرصدونها في بيئة «حزب الله» بعد حرب تموز عام 2006، فيشيرون الى سيارات من طراز جديد بدأت تملكها عائلات مقربة من الحزب، ومنازل تم شراؤها في المدينة وحولها، والى رواتب تتناهى أخبارها وأرقامها الى مسامعهم يتقاضاها مسؤولون ومناصرون. والصوريون عندما يتداولون هذه الأخبار يخرجون أنفسهم من الحزب بصفته منطقة نفوذ وحياة ونمط عيش، لا بل يُشعرونك بتحفظهم عما استجد في أوضاع «المؤمنين»، علماً أن كثيرين ممن يتحفظون هم في نظر اللبنانيين الآخرين جزء من شبكات نفوذ الحزب بسبب انحيازهم اليه في الانقسام السياسي والطائفي في لبنان.
هناك في قضية عز الدين ظاهرة الوسطاء، وهم من يسميهم مصرفيو صور بـ «البروكرز»، وهم في الغالب تجار بدأت أوضاعهم تتحسن في السنوات الخمس الأخيرة، وتسبق أسماءهم جميعهم عندما يلفظها الصوريون كلمة «الحاج»، فهي العبارة المفتاح، و «السحر» الذي كان يجذب «المستثمرين»، فهي الضمانة بحسب الصوريين، فيما الجاذب الفعلي هو الفوائد المرتفعة. والملاحظ ان معظم الوسطاء هم تجار محليون ازدهرت تجاراتهم في معزل عن حركة الاغتراب، وارتبط صعودهم مع اعتقاد في محيطهم بأن سر نجاحهم متصل بميولهم السياسية والدينية.
لا يبدو ان المؤسسات المالية والخدمية لـ «حزب الله» أصيبت بإفلاس عز الدين، انما ما أصيب هو مؤسسات يملكها مسؤولون في الحزب، أو مؤسسات ترتبط بالحزب من دون ان تكون ملكه. يؤكد أحد المراقبين ان مؤسستي «بيت المال» و «القرض الحسن» العائدتين الى «حزب الله» لم يصبهما افلاس عز الدين، بينما نُقلت أخبار عن خسارة أصابت مدارس ومؤسسات «انمائية» وأخرى لمساعدة عائلات الشهداء، وهذه المؤسسات يرعاها أو يملكها مسؤولون في الحزب من دون ان تكون عائدة مباشرة اليه. ويبدو التمييز هنا بين مؤسسات الحزب الرسمية والمؤسسات الموازية التي يملكها ويرعاها مسؤولون في الحزب، مقتصراً على البيئة الداخلية للحزب، اذ ان اللبنانيين لا يعرفون مثلاً الفارق بين مدارس المصطفى التي يعتقدونها من المؤسسات التي يملكها «حزب الله»، وبين «بيت المال» أو «مؤسسة القرض الحسن»، تماماً مثلما كانوا يعتقدون ان «دار الهادي للنشر» هي الدار الرسمية لـ «حزب الله»، فهي من كان يتولى طبع كتبه ومنشوراته، وربما خاطب اسم الدار هذا الاعتقاد من خلال ارتباطه باسم نجل أمين عام «حزب الله».
التمييز هنا أقرب الى الخوض بتفاصيل مشابهة للفارق بين الادارة الرسمية في الدولة والادارة العامة التي ترعاها الدولة من دون ان تكون ادارة رسمية، كالضمان الاجتماعي مثلاً. لكنه تمييز مهم بالنسبة الى بيئة «حزب الله» التي تشهد على ما يبدو حركة تململ واسعة أطرافها جهات في الحزب كانت قريبة من عز الدين وأخرى ترى ان القضية أساءت الى الحزب وانعكست على صدقيته.
أما المسألة التي ما زالت غامضة في قضية عز الدين فهي بقاء نشاطه طوال المرحلة الفائتة خارج دائرة رقابة الأجهزة المالية الرسمية التي من المفترض ان تكون على معرفة بحركة رؤوس أموال كبيرة تتحرك في منطقة واحدة وتغذي حساباً واحداً. فنشاط عز الدين المالي بحسب خبير مالي كان غير قانوني سواء لجهة نوع النشاط أم لجهة الفوائد والإغراءات التي منحها. ويجزم هذا الخبير بضرورة ان تشمل التحقيقات في قضيته مسؤولين في مصرف لبنان، وما اذا كان ثمة من غض النظر عن نشاطات شركات عز الدين، لا سيما ان حركة رؤوس الأموال كانت كبيرة الى حد يصعب معه القول إن ثمة من لم يلاحظها. فالمراباة بحسب الخبير المالي بلغت نسباً غير مسبوقة، وأي رصد لها كان من الممكن ان يجنب الراغبين في الاستثمار في عمليات عز الدين افلاساً محتوماً، ناهيك بلا قانونية هذا النشاط وعدم خضوعه لقانون النقد والتسليف الذي كان من الممكن ان يمنح المودعين ضمانات وأن يعوضهم كما جرى في قضية بنك المدينة مثلاً حيث تولت الدولة تعويض من تعرض للاحتيال.
ثمة من يربط بقاء عز الدين خارج منطقة رقابة الأجهزة المالية الرسمية بعجز الدولة اللبنانية عن مراقبة الكثير من النشاطات في جنوب لبنان، فربط حركة مالية واقتصادية في منطقة معينة بدورة اقتصادية خارج الحدود (حيث وقعت الخسارة لعز الدين) لا يمكن ان يحصل الا في حال وجود من يملك قدرات على تجاوز الأجهزة الرقابية الرسمية.
“الحياة”: بيئة «حزب الله» فقط صدّعها افلاس عز الدين… ومعها اقتصاد الاغتراب اللبناني الجديد
“بالفم المليان” : صحتين على قلب بيئة جزب الله! وانشالله عقباً على تفليسات جديدة، وانشالله قاضية. بكل بساطة.
“الحياة”: بيئة «حزب الله» فقط صدّعها افلاس عز الدين… ومعها اقتصاد الاغتراب اللبناني الجديد
لبنان والعراق تحول الى مزرعة للوصاية السورية – الايرانية ولمليشياتهم التخريبية. «البعث» اشتهر أنظمته بممارسات قمعية تخريبية. وبعد حملات التصفيات للرفاق اصبح حذاء لسوريا.انه الحلف التخريبي المليشي الايراني – السوري