إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
النفسية العربية، بطبيعتها، ترفض تقبل الهزيمة أو مواجهة الوقائع غير المواتية.
في العصور القديمة، حينما نقرأ الشعر أو التاريخ، نجد أنفسنا أمام سردٍ مليء بالمعارك المجيدة والانتصارات المبهرة، ولكن دون أي دليل أو توثيق حقيقي. ذلك لأن الشعراء والمؤرخين في تلك الحقبة غالبًا ما كانوا يتقاضون أجورهم من الأمير أو الملك الذي يُفترض أنه حقق الانتصارات.
أما في العصر الحديث، فقد وقع زعماء مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين ومعمر القذافي و حافظ الأسد وغيرهم في نفس المأزق. هؤلاء الزعماء لم يستثمروا الكثير من قدراتهم المادية أو العقلية، بل رأسمالهم العاطفي، في مواجهة الهزائم التي لحقت بهم على يد إسرائيل (أو الولايات المتحدة في حالة صدام). وللأسف، يتجاهل العديد من المؤرخين والسياسيين العرب هذه الهزائم. بل، واخترعوا مصطلحات جديدة وروايات بديلة للهزائم مثل “النكبة” و”النكسة” لتجنب الاعتراف بالهزيمة والفشل. لم تكن تلك الهزائم أبدًا “هزائم” بالمفهوم التقليدي، بل كانت تُعرض كأحداثٍ تاريخية لا يمكن فهمها في سياق الواقع، في محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة. وهذا النهج جعل من غير الممكن تقدير الواقع كما هو، بل تم اختلاق مجموعة من المبررات الملتوية: “المؤامرة الأمريكية الصهيونية”، “الرأسمالية الدولية”، “الطابور الخامس” (الذي يبقى معناه غير واضح) وغيرها من الأقاويل التي أصبحت تثير السخرية. بل وصل الأمر إلى أن يقال: “اللوم يقع على الطليان” في إشارات غير واضحة لأحداث التي شهدتها الحروب العربية.
حزب الله لا يختلف في هذا السياق عن باقي الأنظمة و الأحزاب العربية، وخطابه التاريخي لا يخرج عن نفس الإطار: “معادلة الرعب مع إسرائيل”، والحديث عن القدرة على السيطرة على الجليل في دقائق معدودة.
والآن، مع حسين فضل الله ومحمود قماطي، يتم تكرار نفس الخطاب الوهمي حول استئناف المقاومة في اليوم الحادي والستين لوقف إطلاق النار. تصريحات ممثلي حزب الله هذه، رغم خروجهم من مخابئهم، لا تعدو كونها موجة من الدعاية الكاذبة التي لا تتناسب مع الواقع. فبعد الهزيمة المدمرة التي لحقت بهم في سبتمبر وأكتوبر 2024، والتي تسببت في تدمير قيادتهم وجميع مستودعاتهم من قبل إسرائيل بضغطة زر، تبين أن الحزب لم يكن يمتلك أية فرصة في ساحة المعركة.
في “الخيام” فقط، سقط 1500 مقاتل من لبنان والعراق وأفغانستان، ما يعكس حقيقة الوضع. وفي مواجهة جيش إسرائيلي متفوق تكنولوجيًا وعقليًا، لم يكن لدى حزب الله أي فرصة. فكيف ستكون حالهم الآن بعد أن استُنفدت قواتهم تمامًا، وبعد أن حصلت إسرائيل على فترة من الراحة استمرت شهرين؟
بحلول اليوم الحادي والستين، سيكون ترامب في البيت الأبيض، وقد وعد بأن يجلب الجحيم على رؤوس “حماس” إذا لم يتم تحرير الرهائن في غزة. أما في سوريا، فسيكون الأسد قد قضى أكثر من شهر في موسكو، مع قطع طرق الإمدادات بين لبنان وإيران. وفي لبنان، ستظل طرق الإمداد مقطوعة، ولن يتمكن اللاجئون من العودة إلى قراهم. بل سيظلون بدون أي مساعدات مادية أو إغاثة باستثناء فُتات من إيران تجعلهم غاضبين من حزب الله و أزلامه .
حزب الله، في نهاية المطاف، لا يختلف عن أي طرف آخر: فشل في الحرب، ويفشل أيضًا في السلم.
نصيحتي لأولئك الذين ما زالوا في حزب الله: إذا كنتم في اليوم الحادي والستين لم تكونوا قد لجأتم بعد إلى العراق وإيران، فحان الوقت لكتابة وصاياكم ووداع أحبابكم، لأن النهاية باتت وشيكة. هذه هي الحقيقة و ليست اختها.
*مقال هام وتعليمي .. ليتهم يتعظون!*