هل صحيح أن دولة قطر وعاصمتها قناة “الجزيرة” تطوّعت لنقل طلبات شاكر العبسي بل ولإرسال أحد “إمرائها” ليتم الإستسلام بحضوره؟
نصير الأسعد في مقاله المنشور أدناه لا يسمى دولة “الجزيرة” بالإسم.. لكن عدداً من المصادر ذكر هذه المعلومة التي تعيد إلى الأذهان أن قطر هي ممثل النظام السوري في العالم.
..
الجيش انتصر في “البارد” بقرار سياسي عنوانه الدولة..
والدور السوريّ “رعى” العصابة حتى اللحظة الأخيرة
دورٌ مستقبليّ “يبدأ” بحماية الاستحقاق الرئاسي
نصير الأسعد
بإسدال الستارة على المعركة ضدّ الإرهاب في مخيم نهر البارد، لا بدّ من تسجيل مجموعة من الخلاصات السياسية الرئيسية حول مرحلتَي ما قبل الانتصار على الإرهاب وما بعده.
انتصار للجيش بـ”قرار سياسي”
بداية لا مفرّ من القول إن القضاء على عصابة “فتح الإسلام” الإرهابية، بقدر ما يمثّل انتصاراً للجيش والقوى الأمنية، للتنسيق بين هذه المؤسسات واستبسالها في مقاتلة “شبكة” خطيرة دفاعاً عن أمن لبنان واستقراره، فإنّه يمثّل انتصاراً لـ”القرار السياسي” الذي قاتلت المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في ظلّه. فذلك “القرار السياسي” الذي اتخذته الحكومة ودافعت حركة 14 آذار عنه، كان في حقيقة الأمر قراراً باسم فكرة الدولة السيّدة على أرضها، على أمنها تالياً، الدولة التي ترفضُ “التفاوض” مع الإرهاب، ولا تعترف بـ”خطوط حمر” أمام سيادتها، الدولة التي لا ترى سبيلاً مع الإرهاب إلا “الحسم”. وبهذا المعنى، قاتل الجيش واستشهد ضبّاطه ورتباؤه وجنوده، وانتصر “تحت” قرار سياسي صائب.
الجيش في عهد الوصاية السورية
ثمّ لا مفرّ من القول إنّ الجيش الذي حقّق أول انتصار “حاسم” في تاريخه، إنما “بدأ” معركته في ظروف “لوجيستية” وتسليحية “بائسة” جداً. وتسجيل هذه الحقيقة أو هذا “الأمر الواقع” المؤسف، يهدف إلى تسليط الضوء على مرحلة الوصاية السورية. ففي هذه المرحلة، ومن أجل “تأبيد” استتباع النظام السوري للبنان، كان القرار في دمشق يقضي بعدم ترك أي فرصة أمام الجيش اللبناني كي يقوى ويتولى باسم الدولة الأمن على الأرض اللبنانية. وذلك كلّه في اتجاهين: الأول استبقاء ذريعة الحاجة اللبنانية إلى الأمن السوري، والثاني هو إبقاء الجيش في إطار “معادلة ضعف” حيال “المقاومة”. وقد تولّى إميل لحود قائداً للجيش ورئيساً للجمهورية تنفيذ هذا القرار السوري.
النظام السوري لم يقدّم أي “مساعدة”
وبـ”المناسبة”، وردّاً على “التشوّش” الذي ولّدته معلومات سُرّبت في الآونة الأخيرة عن دعم سوري للجيش بذخائر ومحروقات خلال مرحلة من مراحل المعركة في نهر البارد، تؤكد مصادر وزارية معنية أنّ الحديث عن “مساعدة سورية” عارٍ عن الصحّة، وأن لا أساس له، وأنّ من ورائه هدفاً تمويهياً على علاقة النظام المخابراتي السوري بشبكة “فتح الإسلام”.
“الدولة الخليجية” وشروط الاستسلام
وعلى قاعدة “الشيء بالشيء يُذكر”، أي في ما يؤكد هذه العلاقة، أشارت معلومات موثوقة إلى مسعى قامت به دولة خليجية معروفة بعلاقاتها “المتناقضة” وبأدوار “الوساطة المثيرة”، في ربع الساعة الأخير قبل حسم الجيش للمعركة.
فتحت عنوان “استسلام عناصر فتح الإسلام”، نقلت هذه الدولة ثلاثة اقتراحات من “العصابة” للاستسلام، أي ثلاثة شروط. الأول أن يتمّ الاستسلام في حضور أحد أمراء هذه الدولة. والثاني أن يتمّ نقل المستسلمين بواسطة سيارات لـ”الصليب الأحمر اللبناني” إلى وزارة الدفاع في اليرزة مباشرة. والثالث أن يسبق الاستسلام نقل عائلات أفراد العصابة نسوة وأطفالاً إلى سوريا.
وعلى ما يبدو، بحسب المعلومات، فقد اشتبه الجيش بـ”الشرط الثالث”، إذ ماذا تُراه يعني. هل لدى النسوة ما يخشى منه الآتون إلى الاستسلام؟ هل ثمّة ما يرغب هؤلاء في “التأمين” عليه في سوريا؟. فكان الجواب رفضاً للشروط الثلاثة.
طبعاً، تبيّن لاحقاً، أي بعد ساعات قليلة، أنّ المسعى بالشروط الثلاثة، كان للتغطية على قرار “العصابة” بتنظيم عمليات عسكرية للقيام بفرار كبير.
وغنيّ عن القول إنّ المعلومات الموثوقة الآنفة، لا تسلّط الضوء على دور الدولة الخليجية المعروفة، المتحالفة مع النظام السوري فحسب، إنما تكشف حقيقة سعي نظام الأسد حتّى “اللحظة الأخيرة” إلى إخفاء عناصر “الجريمة”، بحيث لا يقع أيّ من “الذين يعرفون” في الأسر فتُطمس “الحقيقة”، وأن يُقتل هؤلاء “خيرٌ” من أن يُلقى القبض عليهم. وهذا ما حصل بالفعل.
ورقتا الإرهاب والاستحقاق والمعركة مستمرة
ثمّة “إجماع” في الوسط السياسي على أنّ معركة نهر البارد، لن تكون الأخيرة مع الإرهاب على الإرجح. ولا يخفى أنّ هذا التقدير ينطلقُ من واقع أنّ الإرهاب في لبنان هو أحد “ورقتَي” النظام السوري لاستدراج تفاوض دولي ـ أميركي معه حول لبنان. أمّا “الورقة” الثانية فهي الاستحقاق الرئاسي الذي يتطلع نظام الأسد إلى “بيعه” لقاء أثمان عدّة.
ولذلك، فإنّ الاستنتاج هنا، هو وجوب دعم الجيش والمؤسسات الأمنية، وتطوير القدرات العسكرية. فأمام الجيش دورٌ كبير جداً في المرحلة الآتية، بجانب دوره المركزي في الجنوب.
لا شكّ أنّ الجيش، بالمعركة الكبيرة التي خاضها ضمن الظروف المعروفة، اكتسب أهلية استثنائية على صعيد “ضبط” الأوضاع الداخلية اللبنانية، الأمنية، في مواجهة فلتان غير مسبوق أطلق النظام المخابراتي السوري العنان له، اغتيالات وتفجيرات، واعتداءات وصلت إلى “اليونيفيل”.
ولا شكّ أنّ هذه الأهلية الاستثنائية المكتسبة بـ”معمودية دم” استثنائية هي أيضاً، “ترشّح” الجيش لدور مستقبلي “مباشر”، هو بالضبط جعل لبنان بمنأى عن انعكاسات الصراعات في المنطقة، لا بل انفجاراتها القائمة والمتوقعة في آن.
أمن الاستحقاق
على أنّه ممّا لا شكّ فيه أيضاً، أنّ الجيش الذي انتصر في “البارد”، في ظلّ قرار سياسي بعنوان الدولة، هو في هذه الأيام محطّ أنظار المجتمع السياسي لدور منتظر منه، وهو حماية أمن الاستحقاق الرئاسي، أي حماية الاستحقاق نفسه، من منطلق الدولة و”مبدأ” استمرارها. فمن نافل القول إن الجيش، من منظور كونه العمود الفقري للدولة، معنيّ ـ ومطالب ـ بمنع كلّ ما يخلّ بأمن الاستحقاق الرئاسي، ممّا يقود إلى تعطيل هذا الاستحقاق.
صفحة طويت
مساء أول من أمس، بعد الإعلان عن السيطرة الكاملة للجيش على نهر البارد، قال سياسي مخضرم إنّ حرب لبنان “السابقة” بدأت فعلياً عندما أعلن الرئيس الراحل سليمان فرنجية أنّ مطار بيروت ـ في العام 1974 ـ غير آمن، والشرعية اللبنانية غير قادرة على حمايته. كان ذلك بمناسبة زيارة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر إلى لبنان، وقد جرى يومها “تحويله” إلى مطار رياق العسكري حيث التقاه الرئيس فرنجية. وأضاف السياسي المخضرم أنّ انتصار الجيش في “البارد” يطوي هذه “الصفحة” نهائياً.. وقد “صار عندنا جيش”.
أن يُقال “صار عندنا جيش”، فمعناه رهانٌ على الدولة ومؤسساتها. ومعناه أنّ بسط الدولة لسيادتها على الأرض اللبنانية بات “قيد الإمكان”. ومعناه أن يُطوّر الجيش قتالياً، وأن تتعزّز قدرات المؤسسات الاستخبارية. لكن معناه الأهم هو أنّ الجيش بات في وضع يمكّنه من حماية المسار الاستقلالي السيادي الدستوري والديموقراطي.
وهذا ما ستؤكده الأيام المقبلة.. أيام الاستحقاق المفصلي في حياة لبنان الكيان والدولة والنظام.
(المستقبل)