بيروت: ثائر عباس
أكدت مصادر فلسطينية في لبنان لـ«الشرق الاوسط» امس، ان نحو 100 مقاتل من حركة فتح وصلوا بعد ظهر امس الى محيط مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان، حيث تدور مواجهة عنيفة بين الجيش اللبناني وحركة «فتح الاسلام»، التي تتحصن في المخيم بعد اغتيال عناصرها لنحو 25 عسكريا لبنانيا الاحد الماضي.
غير ان هذه المصادر رفضت ربطها بعملية حسم عسكري فلسطيني، مؤكدة ان رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة كان واضحا حين نفي لوفد الفصائل الفلسطينية، الذي اجتمع اليه، رغبة لبنان بقيام اي من الفصائل بعملية الحسم العسكري. وربطت المصادر بين عملية حشد «فتح» واحتمالات «تظهير حلول» تكون عناصر فتح المكون الرئيسي في اية قوة فلسطينية تتولى الاشراف على المخيمات.
وتزامنت هذه المعلومات مع معلومات اخرى حصلت عليها «الشرق الاوسط»، عن ان القوة العسكرية التي يحشدها الجيش في محيط المخيم بلغت امس لواءين كاملين معززين بالمدفعية والدبابات، في ما يبدو انه مقدمة لعملية ضغط عسكرية شديدة على مقاتلي المنظمة. وقد باشر الجيش، وفقا لمعلومات «الشرق الاوسط»، برفع السواتر على اطراف المخيم ومداخله. فيما قالت مصادر فلسطينية، تقوم بعملية التفاوض، ان لدى هذه الجماعة توجها نحو القبول بمخارج للازمة.
وكرر الجيش اللبناني امس تحذيره الشديد لمقاتلي الحركة من «التحرش» بوحداته، مؤكدا انه سيرد بقسوة وعنف على اي اطلاق نار. وقال مصدر عسكري لبناني لـ«الشرق الاوسط» ان الجيش ملتزم حاليا بهدنة انسانية، لكنه اذا تعرض لاي عمل عدواني «سيرد باعنف من الاعتداء الذي يتعرض اليه». واكد المصدر ان «القرار العام لدى الجيش هو عدم القبول بأية مساومة في ما يتعلق بمطلب تسليم قتلة العسكريين الذين قضوا غدرا». واشار المصدر الى ان «الخيارات المقبولة من الجيش هي استسلام الفاعلين او اجبارهم على الاستسلام بعملية عسكرية». واوضحت المصادر ان العتاد الذي بدأ امس بالوصول لصالح الجيش هو عبارة عن ذخائر ووسائل اشارة. مشيرا الى ان الجيش كان يعاني من نقص في التمويل، في ما يخص الذخائر التي تتناقص بفعل القدم او بفعل الاستعمال للتدريب، اما الان فان الحاجة اصبحت ماسة اليها، مؤكدا ان هذا العتاد كان يجب ان يصل منذ وقت طويل لكنه تأخر، وربما لم يكن ليصل قريبا لولا التطورات التي فرضت التعجيل به.
ميدانيا، شهدت منطقة مخيم نهر البارد بعد ظهر امس اشتباكات محدودة لنحو ساعة، بعد ليل شهد اشتباكات متقطعة بالأسلحة المتوسطة والقذائف الصاروخية استمرت حتى السادسة صباحا. وكان المخيم قد شهد اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة مساء وفجرا، بين الجيش الذي يطوقه بإحكام، ومسلحي «فتح الاسلام»، على كل المحاور. وأفاد مندوب «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية، بأن الجيش أحبط محاولات تسلل من «فتح الاسلام» نحو مراكزه، واكدت الوكالة أن مرابض مدفعية الجيش «حرصت على تحييد المدنيين والأبنية السكنية مستهدفة مواقع المسلحين». من جهة أخرى، تتواصل عمليات الاغاثة وإدخال المساعدات الغذائية والتموينية ونقل المرضى والمقعدين إلى مستشفيات الهلال الأحمر في المخيم، ولم تتأثر حركة المرور على الأوتوستراد الدولي، الذي يربط طرابلس بعكار، في حين تتابع حواجز الجيش اللبناني التدقيق في هويات المواطنين. وشهدت مدينة طرابلس حركة سير طبيعية، وفتحت المحال التجارية والمؤسسات الخاصة والعامة أبوابها، فيما لا تزال المدارس والجامعات مقفلة. وقد نفذ الجيش والقوى الامنية عمليات دهم طوال الليل في منطقة القبة والبقار والبحصة والسويقة، كما شهدت منطقة التل في طرابلس عملية دهم لأحد المحال العائدة الى عنصر قضى في اشتباكات شارع المائتين. ولا يزال الجيش يقيم حواجز ثابتة على مداخل المدينة والطرق والساحات العامة ويسير دوريات مؤللة في الشوارع. وكان المسؤول عن «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في الشمال ابو جابر، أوضح من داخل المخيم «ان المعاناة كبيرة هنا حيث لا ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا دواء، والمساعدات التي تدخل المخيم قليلة قياسا بعدد السكان الذين رفضوا الخروج، والبالغ عددهم 20 الف نسمة». وكان الرئيس السنيورة قد استقبل امس ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي، الذي اكد «ان الأوضاع في المخيم ما تزال صعبة»، وقال: «ان كل الجهود منصبة لإيجاد مخرج لهذه الأزمة التي نسعى إلى حلها بأفضل الطرق». وزار زكي ايضا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في دار الفتوى، يرافقه وفد من الفصائل الفلسطينية. وقال زكي بعد اللقاء: «كان هناك توافق على أننا ندفع ثمن ظاهرة غريبة لا هوية لها، أطلقت على نفسها تسمية «فتح الإسلام» و«فتح والإسلام» منها براء، أي أنها ليست فلسطينية. وقد درسنا كيف يمكن أن نجد وقتا للتهدئة، وكيف يمكن أن نجد حلا وأن لا يكون المخيم هو الذي يتحمل وزر هذه الفعلة الشنعاء من قبل مجموعة وجهت سلاحها إلى صدر كل اللبنانيين».
اما المفتي قباني، فأكد «أن المشكلة في نهر البارد ليست فلسطينية ولا مع الشعب الفلسطيني المقيم في لبنان، الذي تبرأ هو وفصائله كلها من هذه الفتنة الباغية، التي تنتحل صفة الإسلام، وإن هذا الأمر ينبغي أن يكون واضحا لجميع اللبنانيين فهذه الفئة الباغية معظمها من غير الفلسطينيين، وينبغي ألا يتحمل الشعب الفلسطيني أي آثار سلبية حالا أو مستقبلا نتيجة اعتدائها وتمردها». وكان الوضع في مخيم نهر البارد موضع بحث بين وزير الدفاع الوطني الياس المر ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، الذي اكد بعد اللقاء ان وزير الدفاع اللبناني يمكن ان يعتمد على فرنسا، كما يعلم انه يستطيع ان يعتمد ايضا على دعم وزارتي الخارجية والدفاع الفرنسيتين، وكذلك على الحكومة الفرنسية، علما بأن العلاقة مع الجيش اللبناني تعود الى زمن بعيد، وهي مبنية على اساس تجهيز الجيش وبنائه واعادة تأهيله وتدريبه. انها علاقات وثيقة خاصة وقوية وتنسيقية دائمة، مؤكدا ان فرنسا سوف تستجيب لكل طلبات الجيش اللبناني الذي يعرف دوره ويقوم بتأديته على اكمل وجه، لحفظ الأمن والنظام على كامل الاراضي اللبنانية. وسئل: هل يدعم الحل العسكري للوضع في مخيم نهر البارد؟ فاجاب: هل تريد ان تحل بطريقة اخرى؟ ادعم بكل قوة هذا الحل العسكري وليس انا وحدي وفرنسا، انما المجتمع الدولي يدعم استتباب الامن على كامل الاراضي اللبنانية وبواسطة قوات الدولة الذاتية وحدها. بعد ذلك، تحدث الوزير المر فنفى اي ارتباط سياسي بين المساعدات العسكرية الاميركية والعربية والوضع القائم. وقال: منذ سنة ونصف السنة، نعمل مع الدول التي تريد مساعدة لبنان، اي مساعدات عسكرية، إن من فرنسا او من الدول العربية او من الولايات المتحدة الاميركية. ان الاتفاقات التي وقعت لمساعدة الجيش اللبناني وتسليحه، وقعت منذ حوالي الثلاثة او اربعة اشهر في وزارة الدفاع، ان مع الولايات المتحدة الاميركية او مع فرنسا، خصوصا بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان، وتم اتخاذ القرار 1701، وصدر قرار دولي جدي بدعم الجيش اللبناني وتسليحه بحيث يستطيع القيام بالمهمات المكلف بها، وهي من ضمن قرارات مجلس الامن. واضاف: هناك كلام كثير عن جسور جوية او غيرها، لا يربط احد وصول ذخيرة او عتاد للجيش اللبناني بالذي يحدث اليوم، ان برنامج وصول الذخائر والمعدات وبداية وصولها، التي من المفترض ان تصل منذ حوالي 12 يوما، ولكن حصل تأخير لمدة اسبوع، وهذا البرنامج يمتد الى ثلاث سنوات، وهو موضوع لتجهيز الجيش اللبناني. وتابع الوزير المر: ان العتاد الذي وصل وسيصل خلال اليومين المقبلين، لا يمثل شيئا من موجبات الجيش اللبناني وتجهيزه، لقد وضعنا برنامجا مع الدول التي تساعد خلال ثلاث سنوات، واؤكد انه بعد ثلاث سنوات نستطيع القول انه سيصبح لدينا جيش مجهز مكتمل، مشيرا الى ان هذا الامر تم بناء على الاتفاق الموقع في وزارة الدفاع اللبناني، ولقد ذهبت الى واشنطن مع وفد عسكري وناقشناه، ولم يصل اليوم الا واحد في المائة من حجم الاتفاق الذي وقع بين الدولة اللبنانية والولايات المتحدة، وان قيمة الاتفاق تبلغ 770 مليون دولار ويناقشه الكونغرس الان… واتساءل لماذا لم يتم الكلام عن سرب طائرات الهليوكوبتر من دولة الامارات منذ شهر، فلماذا يتم الكلام عن ذخيرة هذه الطائرات اليوم، الموضوع لا نريد ان نضعه في شقه السياسي، فلنأخذ عنوان: انه منذ اليوم وحتى الثلاث سنوات المقبلة، كل شهر ستصلنا بواخر او طائرات تحمل عتادا وذخيرة للجيش اللبناني. وسئل عن وضع مخيم نهر البارد وكيف سيتعاطى الجيش معها؟ فاجاب: هناك 30 شهيدا من الجيش اللبناني و27 منهم سقطوا في ثكناتهم نائمين، المطلوب تسليم هؤلاء المجرمين الارهابيين الى القضاء العسكري، هذا ما نتمناه، والان نترك المجال على الصعيد السياسي للمفاوضات بهذا الموضوع، انا لا افاوض وليس من ضمن عملي، واذا فشلت المفاوضات السياسية، سأترك لقيادة الجيش واركانه وعملياته القيام بالمناسب لحماية المواطنين الفلسطينيين الابرياء داخل المخميات. وردا على ما قالته اوساط فلسطينية من انه اذا اراد الجيش ان يحسم الامر، فان التوتر سيمتد الى باقي المخيمات؟ اجاب: ابدا، الاجواء والاتصالات التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية مع السلطة السياسية تؤكد العكس، بل تدعم الجيش اللبناني وتدين هذه المجموعات. وفي المواقف اعتبر وزير حزب الله المستقيل محمد فنيش امس «ان ما يجري في طرابلس يستهدف الاستقرار الوطني وينال من نصر المقاومة»، مدينا التعرض للجيش اللبناني لان الجيش مؤسسة وحدة الوطن. وسأل: كيف وصلت هذه المجموعات الى مخيم نهر البارد؟ وكيف تسلحت؟ ولماذا لم تهاجم وتحاصر قبل ذلك؟ وفي المقابل انتقد وزير الاعلام غازي العريضي حزب الله، من دون ان يسميه، قائلا في كلمة القاها خلال تفقده موقع التفجير في مدينة عالية: لمن تردد وتخلف وتأخر وأعلن مواقف ليست حاسمة في وجه هذه الحالة الارهابية، يجب ان يدرك الجميع، وخصوصا هؤلاء، ان هذه الحالة الارهابية تستهدفهم قبل غيرهم، فكريا وايديولوجيا وسياسيا ووجوديا، وبالتالي لا أحد في منأى عن خطرها، ولذلك يجب التصدي لها بمواقف حاسمة.
(الشرق الأوسط)
الجيش اللبناني يرفض المساومة على تسليم قتلة جنوده وطلائع مقاتلي «فتح» تصل إلى محيط مخيم البارد
النظام السوري وادواته وحلفاءة يريدون لبنان ساحة ( مشاع ) للعابثين من جديد.