في احتفالات أفغانستان هذا العام باليوم العالمي للمرأة، توقف الكثيرون أمام قصة الجنرال “خاتون محمدزاي” ، المرأة الوحيدة في الجيش الأفغاني التي وصلت إلى هذه الرتبة العسكرية العليا، بل وأول مظلية أفغانية في سلاح الجو. و السبب هو أن خاتون تجسد بأفضل الصور طموحات المرأة الأفغانية وإنجازاتها من ناحية، و معاناتها و مشاكلها اليومية من ناحية أخرى في ظل الحقب السياسية الأربع التي توالت على البلاد ابتداء من حقبة النظام الشيوعي.
و قبل أن نستطرد في الحديث عن هذه الأرملة الأربعينية، لا بد من القول أن النساء الأفغانيات قد حققن تقدما لا بأس به لجهة تأكيد حقوقهن الإنسانية و السياسية منذ سقوط نظام طالبان المقبور في عام 2001 بفضل الدستور الجديد الذي يشدد على المساواة الجندرية، و مصادقة الدولة على المعاهدات الدولية ذات الصلة بعدم التمييز ضد المرأة، و إنشاء وزارة لشئون المرأة و قيام الأخيرة بافتتاح العديد من مراكز التوجيه و التأهيل لمساعدة ضحايا الاغتصاب و العنف الأسري والزيجات الإجبارية .
فمن بعد أن كن ارخص من سقط المتاع في ظل الحكم الطالباني الذي صادر كل حقوقهن إلى درجة منعهن من العمل و التعليم و تولي الوظائف الرسمية و الخروج من المنزل و السفر و الانتقال، صرن يحتلن ربع مقاعد المؤسسة التشريعية المكونة من 249 مقعدا، و عهد إليهن بحقائب وزارية و مناصب رسمية متقدمة، بل ظهرن أيضا في مؤسستي الجيش و الشرطة بأفرعها المختلفة كإداريات و مسئولات عن الخدمات الطبية والاتصلاتية و اللوجستية و قائدات للمروحيات. و بطبيعة الحال فان الكثيرات من هؤلاء كسبن تخصصاتهن و خبراتهن في ظل النظام الشيوعي الذي حكم أفغانستان ما بين عامي 1978 و 1989 و أعطى المرأة الأفغانية فرص إثبات ذاتها و طموحاتها في كل ميادين العلم و العمل و بصورة فاقت ما بدأه النظام الملكي بحذر في أواسط الستينات و ما اتبعه نظام الجنرال محمد داوود خان الجمهوري في السبعينات. فمثلا بداية مشوار أول قائدتين للمروحيات في سلاح الجو الحالي – الكابتن لطيفة التي صارت اليوم الطيارة الوحيدة في هذا السلاح من بعد وفاة زميلتها الكابتن ليلوما مؤخرا في عملية ولادة بمستشفى الشاعرة زليخة بلخي في كابول – كانت في ظل النظام الشيوعي الذي سمح لهن بالالتحاق بمعهد الطيران و الالتحاق بسلاح الجو بعد التخرج مباشرة.
وبطبيعة الحال فان أوضاع المرأة الأفغانية في العهد الجديد ليست مثالية بسبب سنوات حروب المجاهدين و الطالبانيين العبثية الطويلة من جهة، و ترسخ القيم القبلية المحافظة التي لا يزال أصحابها يقاومون التغيير و الإصلاح بشتى السبل من جهة أخرى، على نحو ما حدث في العام الماضي حينما كانت ردة فعل النواب المتشددين على مطالبة صغرى برلمانيات البلاد (مالاليا جويا) بحقوق أوسع للمرأة هي الازدراء و التحقير الذي وصل حد رميها بزجاجات المياه الفارغة والمطالبة بإخراجها واغتصابها.
فطبقا لإحصائيات و تقارير المنظمات الإنمائية الدولية و منظمات حقوق الإنسان المحلية والأجنبية، لا يزال أكثر من 80 بالمئة من الأفغانيات في عداد الأميات و أكثر من 75 بالمئة من الطالبات يتسربن من المدارس قبل إكمال الصف الخامس الابتدائي، و لا يزال معظم النساء يعانين من مشاكل العنف الأسري و الضرب من قبل الأزواج و أعمال الاغتصاب و الزواج الإجباري في أعمار تقل بكثير عن سن 18 المحدد في القوانين. هذا ناهيك عن تعرضهن للموت المبكر بسبب الحمل و الولادة في بلد متوسط سنوات العمر فيه لا يتجاوز 44.5 سنة، و معدل الإنجاب فيه هو ثاني أعلى معدل في العالم بحدود 7.5 طفل لكل امرأة. و رغم الجهود التي تبذلها وزارة شئون المرأة و جهود المجلس النسائي الأفغاني – الأمريكي الذي يدعم بقوة برامج تمكين المرأة وتعريفها بحقوقها الأساسية و تعليمها المهارات القيادية و دمجها في الاقتصاد المحلي من خلال مشروعات الأسر المنتجة، فان ما تحقق منذ إزاحة النظام الطالباني المتوحش قبل خمس سنوات متواضع بسبب ما قلناه عن صعوبة اختراق العادات القبلية المحافظة و تفشي الأمية وغياب ثقافة احترام القانون و حقوق الإنسان. و يكفي أن نعلم انه بسبب الإحباط و اليأس والمعاملة الذكورية القاسية سجلت في العام الماضي مائة محاولة انتحار بتناول سموم الفئران أو إشعال النار بالجسد من قبل النساء في الولايات الجنوبية الأكثر محافظة مثل ولاية قندهار حيث ينشط بقايا الطالبانيين والمتعاطفين معهم ممن أقدموا في سبتمبر من العام الماضي على اغتيال المسئولة عن شئون المرأة في الولاية صفية هماجان.
كان سقوط نظام طالبان بمثابة بشرى خير لخاتون و قريناتها ممن فرض الطالبانيون عليهن بمجرد استيلائهم على السلطة في كابول في عام 1996 ترك أعمالهن في الدولة فورا و التزام المنازل دون وظيفة يقتتن منها. فبمجرد إزاحة هذا النظام عادت خاتون إلى عملها كمظلية في سلاح الجو المتواضع لتحصل سريعا على ترقية و ترفع إلى رتبة جنرال بقرار من رئيس الدولة حامد كرزاي، ثم لتعين لاحقا كمديرة لإدارة الشئون الثقافية والرياضية في سلاح الجو. هذه الإدارة التي تصفها خاتون بأنها طموحة لكنها عاجزة عن تقديم ما تطمح إليه بسبب نقص الميزانيات المخصصة لشراء الأجهزة و إقامة الفعاليات و الأنشطة.
أما عن سنوات حكم طالبان فتقول أنها قضتها مجبرة في المنزل، تخيط الملابس و تصنع الأواني الفخارية و ألعاب الأطفال البسيطة و تعلم أبناء و بنات الجيران سرا كي تنفق من وراء هذه الأعمال على أسرتها المكونة من ابنها الوحيد و أمها العجوز و شقيقتها العانس و زوجة أخيها الذي قتل في الحرب و خمسة من أطفاله اليتامى. لكن خاتون استطاعت وسط تلك الظروف الكئيبة و التحديات الجسيمة أن تحافظ على لياقتها و علاقتها بمهنتها الأصلية كمظلية عن طريق العودة إلى كتبها القديمة و القفز من أسطح المنازل ليلا، كي لا تنسى ما تعلمته في الجامعة أيام النظام الشيوعي.
تعيش خاتون حاليا في شقة متواضعة في كابول مع أسرتها الكبيرة، و تعاني من المشكلات نفسها التي تعاني منها سائر النساء الأفغانيات، مثل قلة المال كنتيجة لضعف الرواتب، و بؤس الخدمات الحكومية كنتيجة للفساد و المحسوبية و التمييز الجهوي، فضلا عن انعدام الأمن و الاستقرار بسبب الهجمات و العمليات الانتحارية التي يقوم بها بقايا الطالبانيين من وقت إلى آخر. لكنها بحسب أقوالها فخورة لأنها استطاعت كغيرها استعادة بعض ما تمتعت به سابقا من حقوق وحريات، و على رأسها الحق في العمل و الخروج و الترفيه عن النفس و التواصل مع العالم الخارجي عبر البرامج التلفزيونية، فضلا عن ممارسة القفز بالمظلات في الاحتفالات العامة وأعياد النيروز.
elmadani@batelco.com.bh
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية