تجرأ عبد الله، وهو إذا أردتم التعرف عليه رجل بسيط يعيش في بلاد اسمها «الجمهورية العربية المسيحية»، وتقدم بطلب لترشيح نفسه لمجلس الأمة باعتباره مواطناً في تلك الدولة، فثارت ثائرة الناس وخرجوا في تظاهرات وطالبوا بمنعه، بل وبمعاقبته، اذ كيف لرجل مسلم أن يرشح نفسه في جمهورية مسيحية؟!
اجتمع القساوسة وطالبوا الحكومة بردع عبد الله، بل شككوا في وطنيته وفي جنسيته أيضا، وشرحوا بكل وسيلة يملكونها أن عبد الله ليس رجلاً بسيطاً كما كانوا يعتقدون، فلا بد أنه يسعى لزعزعة كيان الدولة وعلى الحكومة منع تجنيس أي شخص غير مسيحي وإن كان قد ولد وعاش ومات في الجمهورية.
لكن الأمر لم يتوقف هنا، فقد قام رجال الدين المسيحيين بإثارة الرأي العام، والسعي وراء كل وسائل الاعلام، وتحريك الغوغاء ضد عبد الله (ومن يقفون وراءه) مطالبين بالحد من بناء المساجد في دولتهم، ومنع رفع الأذان فيها، لأنه، وحسب ادعائهم، فيه ازدراء للدين الرسمي للدولة عدا عن انه يشكل إزعاجا للمواطنين الآمنين.
تطورت الأحداث بسرعة، فقام حزب اليمين المتطرف في الجمهورية برفع مسودة قانون تقضي بمنع أي ممارسات دينية للطائفة المسلمة، السنة منهم أو الشيعة، سواء كان بارتداء الحجاب أو النقاب أو إطالة اللحية، أو بالصلاة في مكان عام. وطالب الحزب أيضا بمنع مظاهر الاحتفال بشهر رمضان وعيد الفطر والأضحى والمولد النبوي، وعندما ناقشهم نائب معتدل في طلبهم، أجابوا: فليصوموا وليحتفلوا داخل بيوتهم. نحن دولة مسيحية ونعتز بديننا ولا نقبل المظاهر غير المسيحية في بلداننا، وإن لم يعجبهم فليذهبوا ويحتفلوا خارج حدودنا.
النائب المعتدل لم يستكن: لكن هذه بلدهم أيضا، وهم مواطنون ولهم ما لنا وعليهم ما علينا، وها هي جارتنا الجمهورية العربية الإسلامية أقرت أعياد الميلاد المسيحية ونحن نرى أشجار الميلاد والتهاني والتبريكات في أرجاء دولتهم. رد اليميني بصلافة: طبعا، لأن هذا ما يجب أن يحصل فديننا دين الحق، لكن لا نستطيع أن نفعل مثلهم. فرد المعتدل الذي بدأ يفقد أعصابه: نحن لا نتكلم عن الأديان هنا، نتكلم عن مشاركة وجدانية اجتماعية لأهل بلد واحد، فنحن وإن لم نكن أخوة في الدين، بالتأكيد نحن أخوة في الوطن والإنسانية. أنتم لن تنفروا المسلمين فقط من بلادنا، بل حتى نحن المسيحيين المعتدلين سنبحث عن بلد أقل أنانية وأكثر إنسانية. لا فائدة منكم.
(الآن يمكنكم عكس قراءة المقال من جديد).
***
وجهين لعملة واحدة .